23-فبراير-2019

آثار للقصف السعودي على صنعاء (محمد حويس/Getty)

لا تزال دول أوروبية عديدة ممتعضة من القرار الذي اتخذته رئيسة الوزراء الألمانية أنجيلا ميركل، بحظر تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية على خلفية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول. إحدى هذه الدول المتضررة بشكل مباشر هي المملكة المتحدة، التي رأت أن صفقاتها مع السعودية تتعرض لتهديد كبير وتعثر مباشر نتيجة القرار الألماني. ترتبط هذه اللعبة السياسة بشكل مباشر بالقرار الذي يطوف حوله كثير من التوازنات السياسية والأرقام، التي ربما تجعل المستشارة الألمانية تعيد النظر في قرارها خاصة بعد إشارتها إلى ضرورة التنسيق فيما بين الدول الأوروبية بخصوص هذا النوع من القررات.

انتقدت لندن بشدة الطريقة التي قُتل بها خاشقجي، ولكنها كما تقضي اللعبة السياسية، رفضت حظر مبيعات الأسلحة من بريطانيا إلى الرياض

كيف تضررت بريطانيا من حظر الأسلحة الألماني على السعودية؟

أعلنت ألمانيا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أنها لن تقدم أي تراخيص أخرى لتصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، كان ذلك على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بطريقة أثارت كثيرًا من الإدانات للنظام السعودي. وعلى الرغم من الحظر الألماني فإن المستشارة أنجيلا ميركل لم تجعل الحظر يشمل أي صفقات تم عقدها مسبقًا، ولكنها حثت الصناعة على الامتناع عن تصدير أية شحنات في الوقت الحالي.

اقرأ/ي أيضًا: كيف سقط اليمن من أجندة التعاطف العالمي؟

أما لندن فقد انتقدت بشدة الطريقة التي قُتل بها خاشقجي، ولكنها كما تقضي اللعبة السياسية، رفضت حظر مبيعات الأسلحة من بريطانيا إلى الرياض، خاصة وهي غارقة في فوضى البريكست. حيث اكتفت لجنة اللوردات البريطانية، بقولها "إنها تعتقد أن المملكة المتحدة على الجانب الخطأ من القانون الإنساني بسبب استمرارها في بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية التي لا زالت تُستخدم في الحرب الأهلية في اليمن".

حيث كتب جيريمي هانت وزير الخارجية البريطاني، إلى نظيره الألماني هيكو ماس يقول: "أنا قلق للغاية بشأن تأثير قرار الحكومة الألمانية على صناعة الدفاع البريطانية والأوروبية والعواقب المترتبة على قدرة أوروبا على الوفاء بالتزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي".

أوضح هانت الذي كان من المفترض أنه في اجتماع مع ماس ليناقش معضلة البريكست، بما لا يدع مجالاً للشك حقيقة الأمر حين قال في رسالته "إن شركات الدفاع البريطانية لن تكون قادرة على الوفاء بعدة عقود مع الرياض".

في هذا الصدد ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية نقلًا عن ديرشبيغل الألمانية، "أن لندن سعت بشكل خاص إلى طلب التماس من برلين لإعفاء مشاريع الدفاع الأوروبية الكبرى مثل Eurofighter أو طائرات Tornado من الحظر، حيث تحتوي كل من الطائرتين على مكونات ألمانية، لذا كان لحظر التصدير تأثير ضار على الشركات الأوروبية الأخرى المشاركة في بناء الطائرة".  كما ذكرت الصحيفة البريطانية أيضًا أن هانت حذر في رسالته إلى نظيره الألماني من أن الرياض قد تسعى بالفعل إلى طلب تعويض من شركة BAE Systems البريطانية.

لندن.. كل شيء في سبيل صفقات الأسلحة

سيكلف القرار الألماني بحظر بيع الأسلحة للرياض شركات الدفاع الألمانية 2.3 مليار يورو كخسائر جراء الحظر بحلول عام 2026، كما أوضح تقرير لصحيفة الغارديان، إلا أن ألمانيا أقل اعتمادًا على مبيعات الأسلحة للسعوديين من فرنسا والمملكة المتحدة. وتمثل الأسلحة من ألمانيا أقل بقليل من 2% من إجمالي واردات السعودية العسكرية، ولكن مكونات الإمدادات لعقود التصدير في المملكة المتحدة تصل إلى ملايين الدولارات، بما في ذلك المقاتلات من طراز يوروفايتر.

في وقت سابق كانت فرنسا قد أبدت امتعاضها من الحظر الألماني، الذي بررته المستشارة الألمانية في البداية بقولها في مؤتمر الأمن في ميونخ، إنه  "بسبب تاريخنا، فإن لدينا أسبابًا وجيهة للغاية لتوجيهات صارمة جدا بخصوص تصدير الأسلحة"، ولكنها اعترفت في نفس الوقت بقوة حجة هانت، المدعومة من قبل قطاع صناعة الدفاع الأوروبية، عندما قالت إن الدول الأوروبية بحاجة إلى تنسيق سياسات تصدير مبيعات الأسلحة عن كثب، إذا كان التكامل الدفاعي الأوروبي سيكون أمرًا واقعًا بالفعل. وهي هنا تشير من بعيد إلى أهمية التنسيق الرسمي بين الحكومات، كالذي تمثل في معاهدة آخن التي أبرمتها مع فرنسا، كنوع من التنسيق في قطاعات عدة أهمها قطاع الدفاع.

من ناحية أخرى وفي إشارة إلى مدى جوهرية الموضوع لدى لندن، فقد طغى الالتماس البريطاني الذي قدمه هانت لدى ألمانيا لإلغاء الحظرالمفروض ضد بيع الأسلحة للسعودية، على جهوده لإقناع ألمانيا باتخاذ نهج أكثر تصالحية تجاه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وخاصة فيما يتعلق بطلب الحكومة البريطانية منحها تعهدًا قانونيًا أكثر وضوحًا من جانب الاتحاد الأوروبي، بأن الدعم المقدم للحدود الإيرلندية لن يكون دائمًا، وهي واحدة من القضايا الشائكة في "فوضى" البريكست ومعاركه التي تغرق فيها لندن مع بروكسل.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب جرائمها في اليمن.. ضغوط أوروبية لوقف بيع السلاح للسعودية

أوليفر فيلي سبراغ  أحد موظفي منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة،  قال منتقدًا السياسيين البريطانيين في مساعيهم نحو تحريض ألمانيا على إلغاء الحظر، إنه "بدلًا من حث  الألمان على العودة إلى بيع الأسلحة للسعودية، يجب أن يتبع جيرمي هانت ما تفرضه عليه أخلاقيات رجل في منصب مسؤول". مؤكدًا أن المملكة المتحدة كان من المفترض أن تتبع نظيرتها الألمانية منذ زمن طويل، وطرح تساؤلًا هامًا في النهاية، بقوله "أليس من الحكمة إعادة النظر بجدية في قضية بيع الأسلحة إلى الرياض في الوقت الذي توقفت فيه واحدة من أهم الحلفاء مثل ألمانيا عن فعل ذلك؟".

تفيد صفقات بيع السلاح إلى السعودية، البائع البريطاني أو الألماني أو الفرنسي، والمشتري السعودي أيضًا، الذي يستكمل من خلالها قصف البيوت والمجمعات السكنية والمستشفيات في اليمن

تفيد صفقات بيع السلاح إلى السعودية، البائع البريطاني أو الألماني أو الفرنسي، والمشتري السعودي أيضًا، الذي يستكمل من خلالها قصف البيوت والمجمعات السكنية والمستشفيات في اليمن، لمزيد من استعراض القوة العالمي، ولمزيد من المكافآت التي بات أمراء الحرب في الجانبين من أكبر المستفيدين منها، أما الخاسر الأكبر، فهم الضحايا المدنيون الذين يكتفي الإعلام العالمي بوضعهم رقمًا في شريط الأخبار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ابن سلمان يستخدم سلاح المجاعة لتدمير اليمن.. نازية جديدة والجوقة تصفّق!

تخبط السياسات السعودية.. مادة للسخرية لولا كلفتها الدموية!