18-أغسطس-2016

دونالد ترامب متحدثًا فى العاصمة الأمريكية واشنطن Gage Skidmore

حينما يجيء الحديث عن المرشح الجمهوري في الانتخابات الأمريكية دونالد ترامب، بات ينطلق العديد في لطمية خوف وتحذير تشعر معها بذبذبات الرعب تحوم من كل اتجاه. هل هي خشية من الصدام المؤجل دائمًا في هذا العالم على فرض وقوعه أصلًا، أم هي خشية أن يخسر العرب معه أكثر مما خسروا مع الإدارات السابقة، أم لعلّه الخوف أن تحكم الكراهية الصريحة بدل مثيلتها المستورة؟

فكرة صعود ترامب ليست سيئة بالمرّة، قد تكون فرصة لكسر الرتابة في هذا العالم القبيح، وكي يعود الجميع للخطوط الخلفية أو على الأقل قدر الإمكان للخلف بعيدًا عن المناورات والمجمّلات. أليست السياسة بالنهاية هي فنّ إدارة الصراعات؟ نحن فشلنا وخسرنا بقواعدها الحالية منذ عقود في هذا العالم، ما المانع أن نمارسها بقواعد جديدة علّها تفيدنا وننجح فيها، حتى وإن كانت سُتفرض علينا.

ترامب هو خروج عن السائد، يتحدث عما يربط بلاده بدول الخليج مثلًا دون حرج، ولا يتكلّف كثيرًا في البحث عن الكلمات المنمقة في تناول هذه المسألة أو تلك

حفل العالم دائمًا بـ"المعتدلين" الذين يجيدون الحسابات والذين يتفننون في الموازنة بين المبادئ والمصالح وبهذا المعنى صدحت كلينتون نفسها حينما كانت وزيرة الخارجية، بيد أن المبادئ فالخلاف في مضمونها دائم وإن بدأ العالم في الظاهر جامدًا في قوالب مُستهلكة باتت تحتاج لاختراقات ابستمولوجية، وأما عن المصالح فهى بطبيعتها متضاربة بحكم التعريف، إن تجاوزنا "المصالح المرسلة" التي تجمع مراكز القهر بوكلائها، وأصحاب الموت بالقتلة.

اقرأ/ي أيضًا: الرياضيون المؤيدون لترامب يشبهون عنصريته

في الانتخابات البرلمانية في الكيان الصهيوني فيما مضى، كانت دائمًا ما توجد موجة خوف من صعود المتطرفين على حساب "الوسطيين"، خشية من انهيار مفاوضات السلام وتكبّد هزائم على الأرض وفي غرف المفاوضات أكثر من السابق. في الواقع لم تكن تصدر موجات الخوف إلا من أنصار معادلة "وسط-وسط" التي تؤيدها الولايات المتحدة وتلقى قبولًا من السلطة الفلسطينية، وهي أنه لن يمكن الوصول لحلّ إلا بالتفاوض بين الوسطيين الفلسطينيين بإقصاء "متطرفيهم" من جهة والوسطيين الإسرائيليين بإقصاء متطرفيهم من جهة أخرى، والمتطرّف الفلسطيني معلوم، هو صاحب السلاح. ولذلك كانت الخشية مضاعفة من صعود المتطرفين في الكيان الصهيوني.

وبينما كان يعوّل الكثيرون أن يمثّل صعود هؤلاء المتطرفين لمركز القرار في الكيان فرصة كي يقوم الفلسطينيون بخطوة للوراء قد لا تحرّضهم إلا لضرورة توحيد صفوفهم، خابت الظنون. ربما الشيء المستفاد بأن تصعيد المتطرفين لعب دور الكشّاف لإخوتنا الفلسطينيين "المعتدلين جدًا" الذين يعتقدون بإمكانية الوصول لحلّ والبيت الفلسطيني يحكمه النزاع.

ترامب هو خروج عن السائد، يتحدث عما يربط بلاده بدول الخليج مثلًا دون حرج، ولا يتكلّف كثيرًا في البحث عن الكلمات المنمقة في تناول هذه المسألة أو تلك، هو يعلن كراهيته للعلن ويؤسس بها، وهو محاولة لزعزعة تبدو غير محبذة لهذا العالم الذي بتنا نحن حطبه أكثر مما كنا. وخيار أن يحدث تغيير غير محمود العواقب أفضل من أن يبقى العالم هكذا مملّ جدًا، فقلق بان كي مون دائم، والمشاهد والتصريحات دائمًا مكرّرة، وأسوأ ما في كلّ ذلك نحن العرب بتنا ماركة مسجلة لصفة ضحية.

القمة العربية الأخيرة مثلًا هي عنصر تحريض ليحصل زلزال ونتصارع مجددًا مع ارتداداته. بالنهاية، إن المثل العربي "إذا ما بتخرب ما بتعمر"، وهو الشعار الذي رفعه المنتفضون ضد الكيان الصهيوني في الضفة، يبدو مناسبًا جدًا في الوقت الحاضر.

اقرأ/ي أيضًا:
كيف تحاول روسيا التأثير في الانتخابات الأمريكية؟
ترامب في مواجهة عائلة الجندي المسلم..القصة الكاملة