27-فبراير-2019

تمثل استقالة محمد جواد ظريف ترسيخًا لتيار الصقور في الداخل الإيراني (أ.ف.ب)

زيارة مفاجئة يقوم بها بشّار الأسد إلى طهران دون أيّ إعلانٍ مسبقٍ، وهي الزيارة الأولى له إلى إيران منذ اندلاع الثورة السّوريّة عام 2011، حيث تتزامن هذه الزيارة مع مرور أربعين عامًا على قيام الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة عام 1979، إلى جانب تزامنها مع تحضيرات يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لزيارة تنسيقيّة إلى روسيا سيُطلع فها الروس على "آخر ما قامت به إسرائيل في سوريا للتصدّي للنفوذ الإيراني".

ما يبدو واضحًا، أن الضغط على التيّار الإصلاحي، الذي يمثّل ظريف أعلى هرمه الدبلوماسي، يزداد في الداخل الإيراني، الأمر الذي قد يفسّر استقالة ظريف

ظهر الأسد في مقاطع الفيديو التي نشرها التلفزيون الإيراني وحيدًا دون فريق أو وفدٍ مرافق، ودون مراسم استقبالٍ رسميّة، كما ولم يظهر العلم السّوري في خلفيّة الحدث كما هو متعارفٌ عليه بروتوكوليًّا. وخلا الحوار المتبادل حتّى من مترجمين سواءً في لقاء الأسد مع علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانيّة أو في لقائه بالرئيس الإيراني حسن روحاني. ويذكّر هذا المشهد بزيارة بشار الأسد إلى سوتشي في روسيا، التي ظهر فيها مع الرئيس الرّوسي فلاديمير بوتين وحيدًا أيضًا غير مصحوب بأي وفد.

ووفقًا لما جاء في بيان رسمي من التلفزيون الإيراني فإنّ المرشد الخامنئي أطلع الأسد على سير التفاهمات الإيرانيّة التركيّة الروسية الأخيرة في سوتشي، والتي اتّفقت فيها الأطراف الضّامنة على نشر قوّات شرطة عسكريّة روسيّة وأخرى تركيّة داخل  سوريا. وقد احتفى خامنئي بدور الأسد وتبادل الطرفان عبارات الامتنان على ما وصفوه بأنّه "الانتصار في التصدّي للمؤامرة الرّامية إلى إضعاف محور المقاومة ونشر الفوضى وزعزعة الاستقرار"، وغيرها من العبارات التي توحي بأنّ المعارك قد حسمت، وأنّ الاستتباب بات سيد الموقف في كلٍّ من سوريا وإيران، اللتين تعيشان ضغوطًا سياسيّة دوليّة وإقليميّة متصاعدة، وعقوبات اقتصادية يزداد خناقها على البلدين، سيما بعد انسحاب الولايات المتّحدة من الاتّفاق النووي مع إيران إثر وصول دونالد ترامب إلى الحكم وإعادة فرض عقوبات اقتصاديّة عليها، طالت منع شركات ودول وهيئات من التعامل مع إيران، الأمر الذي دفع إلى الترويج من جديد لصوت المتطرّفين داخل الإدارة الإيرانيّة وإخفات صوت التيّار الإصلاحي هناك.

 لماذا استقال جواد ظريف؟

لم تكد وسائل الإعلام تنهي تغطية الأنباء الواردة عن زيارة الأسد إلى طهران، حتى وصل خبر استقالة وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في ظروف غامضة تحيط بها التكهنات.

جاءت استقالة جواد ظريف، مفاجئة وصادمة، وقد دعا موظّفي الخارجية الإيرانيّة إلى البقاء في مناصبهم وخدمة الجمهوريّة الإسلاميّة. عُرف ظريف الذي خبر الغرب بعد أنّ عاش هناك منذ كان في السابعة عشر من عمره، وحين كان سفير إيران في الأمم المتّحدة في نيويورك، بعرّاب الاتّفاق النووي والعمليّة الدبلوماسيّة مع دول العالم الست الكبرى، أو ما يعرف بالخمسة زائد واحد.

اللافت في الأمر أنّه كان قد غاب عن اللقائين اللذين جمعا الأسد بخامنئي وروحاني، بينما ظهر فيهما الجنرال قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري منذ أكثر من عشرين عامًا، والمحسوب على خامنئي وتيّاره المتشدّد. وهذا ما برّر وفق محلّلين استقالة جواد ظريف التي جاءت عبر حسابه على إنستغرام، واعتراضه على أنّ البلاد باتت تدار من قبل أحزاب وفصائل لها "تأثير السمّ القاتل"، كما أوردت صحيفة الجمهوريّة الإسلاميّة.

اقرأ/ي أيضًا: جواد ظريف: الاتفاق النووي ليس علاقة غرامية!

ذهب البعض للربط المباشر ما بين زيارة الأسد واستقالة ظريف، إلّا أنّ المقابلة التي نشرت الثلاثاء في صحيفة الجمهورية الإسلاميّة مع الوزير الإيراني، كانت قد أجريت معه منذ عدّة أيّام، في الأسبوع الماضي بحسب وكالة أنباء فارس، بالإضافة إلى أن حديثه عن تلك الفصائل واستياءه من مجريات السياسة الإيرانية الخارجيّة لربّما يشير إلى استدعائه عدّة مرّات من قبل برلمانيّين متشدّدين لاستجوابه حول التفاوض على اتّفاق جديد مع الولايات المتّحدة وعقوباتها الاقتصاديّة، أو قد تكون بسبب رسائل خامنئي المبطّنة في خطابه الذي ألقاه أمام قوّات الحرس الثوري في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي اتّهم فيه كلّ من يفاوض الولايات المتّحدة بأنّه "عميل وليس رجل دولة".

غاب جواد ظريف عن اللقائين اللذين جمعا الأسد بخامنئي وروحاني، بينما ظهر فيهما الجنرال قاسم سليماني!

ما يبدو واضحًا، أن الضغط على التيّار الإصلاحي، الذي يمثّل ظريف أعلى هرمه الدبلوماسي، يزداد في الداخل الإيراني، الأمر الذي يساهم في تفسير استقالة ظريف، سيما بعد مؤتمر وارسو والتحشيد الذي يتم ضد إيران على المستويين الدّولي والإقليمي، والذي يأتي بالتزامن مع زيارة محمّد بن سلمان إلى الصّين وباكستان في سعي المملكة العربيّة السعوديّة لكسب مزيد من التأييد، لاعتبار إيران مهدّدًا حقيقيًا للاستقرار في المنطقة، وربّما الدفع باتّجاه تصعيد أكبر ضدّها لاحتواء توسّعها الإقليمي الذي بات يسيطر على عواصم عربيّة عدّة، على خلفيّة دعم إيران لأكثر من ثلاثين ميليشيا مسلّحة تقاتل باسمها في المنطقة.

إذًا، يتسع الحديث للقول بأن تجربة مجمد جواد ظريف، لا الشخص بعينه فقط، بتنحيها عن مشهد الدبلوماسية الإيرانية إنما تشكل نوعًا من رد واضح ثنائي الاتجاه. نحو قم والخامنئي ومعسكر الصقور المعروف بالـ"محافظين" داخليًا، أما خارجيًا تأتي الاستقالة متسقة مع جهود ظريف الطويلة للقول أن ترامب غير معني أساسًا بتفاهمات معقولة مع إيران. وهو ما تصاعد أكثر عبر الساحة العراقية خصيصًا إثر زيادة ترامب لقاعدة عين الأسد. التي يمكن اعتبارها عتبة بداية طور جديد من ترسيم علاقة إيران المحافظة مع دبلوماسية ترامب المتضاربة في كثير من مواضعها!. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: استراتيجية إدارة ترامب نحو إيران والتصعيد المحسوب

 مشاكل إيران لا تنتهي.. عن الحجتية والانتخابات وأحمدي نجاد