03-ديسمبر-2020

أوشو (Getty)

يقدم قراء أوشو مفارقة لافتة، فأنصار معلم التسامح هؤلاء، لا يبدون قدرًا كبيرًا من التسامح إزاء منتقدي كاتبهم. وهو أمر يصعب تصوره مع كتاب آخرين، إذ بإمكاننا أن ننتقد غونتر غراس أو نقلل من شأن ميلان كونديرا، مثلًا، أمام قرائهما دون أن نكون عرضة لذلك الغضب القاطع. ما يعني أننا هنا، في حالة أوشو، أمام كاتب خاص وقراء من نوع مختلف. نحن على الأرجح أمام معلم وأمام مريدين.

تلاحظ شاعرة سورية إن الحرب قد أفرزت موضتين: تربية الحيوانات الأليفة، والإقبال على قراءة أوشو

ولد أوشو في ولاية بهوبال الهندية العام 1931، واتجه إلى التصوف مبكرًا، ثم سرعان ما صار معلمًا روحيًا لديه أتباع من كل أنحاء العالم. قضى معظم عقد الستينات متجولًا في أرجاء الهند، حيث اعتاد الحديث للناس حول مختلف شؤون حياتهم، ولم يتوان عن إطلاق آراء صادمة، فانتقد الاشتراكية، والمهاتما غاندي، ورجال الدين من مختلف المذاهب والطوائف. سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في رحلة غير موفقة، انتهت بسجنه ثم ترحيله.

اقرأ/ي أيضًا: التنمية البشرية و"الشفاء من ألم الحب".. علاقة شرعية أو وهمية؟

كان اسمه عند الولادة تشاندرا موهان جاين، وفي العام 1960 صار يعرف باسم أتشاريا راجنيش، ثم غيّر اسمه للمرة الثانية عام 1970 ليصبح باجوان شري راجنيش، وأخيرًا صار أوشو في العام 1989، قبل أن يتوفى نتيجة أزمة قلبية في العام 1990.

يقول ناشر عربي في تقديمه لترجمة كتاب "الشجاعة"، إن دور النشر العربية بدأت تتسابق على نشر ترجمات لكتب أوشو، غير أن معظم هذه الترجمات "غير نقية".

لندع ما يتعلق بتهمة عدم النقاء، فربما تكون قد أملتها غيرة الكار، غير أن ما يهمنا هو تقرير الناشر لهذه الحقيقة: تسابق دور النشر على كتب أوشو.

تلاحظ شاعرة سورية إن الحرب قد أفرزت موضتين: تربية الحيوانات الأليفة، والإقبال على قراءة أوشو.

ولا تقصد الشاعرة، بالتأكيد، أي إهانة لقرّاء الكاتب الهندي، إنما تؤيد ما كان الناشر قد قرره وحسب.

لماذا تزدهر أعمال أوشو بيننا الآن؟ لماذا أصبح أوشو أيقونة فيسبوكية وكاتبًا شعبيًا بين قراء العربية؟ لماذا هذا الإقبال على إرث رجل هندي مات قبل ثلاثين عامًا؟

أوشو بين أتباعه (Getty)

نستطيع المجازفة بتقديم هذا التفسير البسيط: إن القراء المكتوين بنار الحرب، المفجوعين بالإنسانية، يجدون العزاء والتعويض النفسي في أوراق أوشو المترعة بكل هذه الدعوات إلى الحب والتسامح والصداقة والسكينة. ولا يهم إن كانت هذه الدعوات عميقة أم سطحية، مقنعة أم ساذجة، عملية أم مثالية.. فهذا مما لا يعني الهاربين من جحيم الواقع اللائذين بعالم "الروح".

يأتي أوشو من مكان ذي سطوة على المتعلقين بالروحانيات، إذ لطالما كانت الهند مستودعًا لطرق ومذاهب صوفية وإشراقية عصية على العد، والكاتب الهندي يقول إنه ملم بكثير منها: الصوفية والزن والتانترا والميرا والفيدانتا والسامخيا.. وهو ينهل من كل هذا بأسلوب بسيط بعيد عن التعقيد، مرصع بالحكايا والطرائف والمفارقات المرحة.

فضلًا عن ذلك فهو داعية وواعظ غير تقليدي، إذ نراه يشجع الأنانية كطريق لحب الآخرين (في كتاب التسامح مثلًا)، ويحث على الاستمتاع بالملذات كمدخل إلى سكينة الروح، ويحرض على رجال الكهنوت من كل الملل، ويحملهم مسؤولية التكلس في التعاليم الأخلاقية، ويدعو الشباب إلى تحطيم القيود ونبذ التعاليم الزائفة، وصولًا إلى أخلاق أكثر أصالة، وهو بذلك يحقق مهمة مزدوجة: يرضي روح التمرد عند قرائه الشباب، وفي الوقت نفسه يحصنهم من الشعور بالذنب.

يقول في كتاب "من الجنس إلى أعلى مراحل الوعي": "طالما أننا مقيدون ببعض الافتراضات الخاطئة عن الجنس والرغبة، فلن نفهم أو نقدر المحبة... إن طاقة الجنس بحد ذاتها يمكن أن تتحول إلى محبة".  

ويصر أوشو على الظهر بمظهر المعاصرة ومواكبة المستجدات العلمية والتكنولوجية. يقول في كتاب "الموسيقا الإلهية": "في الحقيقة لا يعد ضروريًا أن يأتي آينشتاين أو بيكاسو من خلاياك المنوية، ولا يوجد أي سبب يمنع إقامة بنوك للمني في المشافي والمدارس الطبية حيث يتمكن الناس من تقديم خلاياهم كما يقدمون دماءهم".

وما الجديد على صعيد المضمون؟ في الواقع لا جديد، ولا يمكن لجديد أن يظهر تحت شمس الوعظ، أيًا كانت طرقه وأشكاله وأساليبه. إنها الدعوة القديمة لأن نحب بعضنا البعض ونتسامى عن حسدنا وبغضائنا وأنانيتنا.. نصلح من أنفسنا فيصلح العالم جراء ذلك. أو بالأحرى: نكيف أنفسنا كي نكون قادرين على احتمال العالم!

يأتي أوشو من مكان ذي سطوة على المتعلقين بالروحانيات، إذ لطالما كانت الهند مستودعًا لطرق ومذاهب صوفية وإشراقية عصية على العد

في كتابه "شخصية الفرد العراقي"، يروي علي الوردي هذه الحكاية: "يحكى أن أعرابيًا مر ذات يوم بمكتبة مملوءة بالكتب، فهتف قائلًا إني أعرف جميع ما في هذه المكتبة وخلاصة ما فيها: (يا أيها الإنسان كن خيرًا!)، أو كما نطق هو بلهجته الإعرابية: (يا ابن آدم صير خوش آدمي)".

اقرأ/ي أيضًا: "جماهير التوتاليتارية" بين غوستاف لوبون وحنة آرندت

كُتب أوشو، وغيره من "دعاة المحبة"، تنتمي بجدارة إلى هذه المكتبة العقيمة. ومع ذلك يجب أن لا نكون معنيين بتحطيم هذا العزاء عند الآلاف من القراء.. فيما لو كنا قادرين على ذلك أصلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فنّ أهلّيل.. غرام التصوّف والرّوحانيات الجزائري

لوك فيري.. معنى السعادة