23-أكتوبر-2017

احتجاجات سابقة للصيدليين التونسيين سنة 2016 إثر الإعلان عن قانون المالية حينها(صورة أرشيفية/ ياسين القايدي/ الأناضول)

بات قانون المالية يثير اهتمام التونسيين كل سنة، ويسيطر على البرامج الإعلامية التي تتسابق لاستضافة ممثلي الحكومة والنقابات وخبراء الاقتصاد، حيث أمكنت الثورة بتحريرها للمجال العامّ من توفير فرصة لطرح كل الملفات على الطاولة، ولم يعد قانون المالية مجرد قانون تقني كحاله زمن الاستبداد بل بات قانونًا سياسيًا بامتياز، ليعود لطبيعته الحقيقية خاصة وأنه يضبط السياسات الاقتصادية والمالية للبلاد التي تعيش أزمة حادّة.

لم يعد قانون المالية في تونس مجرد قانون تقني كحاله زمن الاستبداد بل بات قانونًا سياسيًا بامتياز، يناقش بكثافة ويثير جدلًا واسعًا

ولعلّ تزايد الاهتمام بقانون المالية يرجع أساسًا إلى ارتباطه في السنوات الأخيرة بالإجراءات الضريبية التي تهمّ المواطن البسيط، حيث بات يثير الجدل كثيرًا على هذا المستوى، إضافة لتعلّقه بالأجور وبالانتدابات في القطاع العمومي في بلد تبلغ نسبة البطالة فيه زهاء 15 في المئة. ففي السنة الفارطة، أعلنت الحكومة في مشروعها تجميد الزيادات في الأجور وهو ما رفضه الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية في البلاد، ليعلن تنفيذ إضراب عامّ قبل الوصول إلى تسوية مع الحكومة في نهاية المطاف. كما قادت عمادة المحامين حركات احتجاجية حول الإجراءات الجبائية ضدّهم وذلك قبل التوصل لحل توافقي كذلك مع الحكومة.

اقرأ/ي أيضًا: المعلّمون النواب.. أزمة الموسم الدراسي الجديد في تونس

وتأكيدًا على المكانة التي بات يحتلها قانون المالية لدى الرأي العام، كشفت مؤخرًا وثيقة مسرّبة من الحزب الجمهوري المشارك في الائتلاف الحكومي أن رئاسة الحكومة تعاقدت مع شركة اتصال ألمانية للتسويق لقانون المالية 2018 والتصدّي للانتقادات بخصوصه. ولعلّ، في هذا الإطار، يتنزل ظهور رئيس الحكومة يوسف الشاهد في حوار تلفزي قبيل تقديم القانون للدفاع عنه، كما قدم بدوره وزير المالية ندوة صحفية يوم تقديم الحكومة مشروع القانون للبرلمان للانطلاق في مناقشته.

ولعلّ المكانة التي بات يعتليها قانون المالية كل سنة في تونس تجد مظاهرها كذلك في الدستور الذي فرض أن يكون رئيس لجنة المالية من المعارضة وليس من الائتلاف الحاكم، وتسيطر الجبهة الشعبية على رئاسة هذه اللجنة التي تتولى دراسة مشروع الحكومة بالتدقيق وتعديله قبل عرضه للمصادقة في جلسة عامّة.

كشفت مؤخرًا وثيقة مسرّبة أن رئاسة الحكومة تعاقدت مع شركة اتصال ألمانية للتسويق لقانون المالية 2018 والتصدّي للانتقادات بخصوصه

كما خصّص الدستور فصلاً حول قانون المالية، وهو من أطول فصول الدستور صياغة، ينصّ على لزوم أن يقدم مشروع القانون من الحكومة في أجل أقصاه 15 تشرين الأول/ أكتوبر ويصادق عليه البرلمان في أجل أقصاه 10 كانون الأول/ ديسمبر من كلّ سنة، ومن الفصل أن "لرئيس الجمهورية حق الرد لمراجعة القانون، كما أمكن من الطعن في عدم دستوريته". وهو ما جعل قانون المالية موعدًا سنويًا للمواجهة بين الحكومة والمعارضة. وسبق وأن استطاعت المعارضة إسقاط 5 فصول في قانون المالية لسنة 2016 لعدم دستوريتها.

اقرأ/ي أيضًا:  الانتخابات البلدية في تونس.. اختبار صعب لديمقراطية ناشئة

وبدأ دق الطبول مع انطلاق البرلمان في مناقشة قانون المالية، حيث أعلن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، أكبر منظمة للأعراف، عن رفضه له باعتباره "يهدّد استقرار ووجود المؤسسة الاقتصادية"، بسبب الترفيع في الأداءات والمساهمات الاجتماعية. من جانبها، استبقت عمادة المحامين بالقول إنها لن تلتزم بأي زيادة أو جباية جديدة.

ويتابع التونسيون، في الأثناء، مستجدّات نقاشات قانون المالية في ظل خشية أن يكونوا كبش فداء بإثقال كاهلهم بضرائب جديدة، وهو ما يعني مزيد إضعاف لقدرتهم الشرائية.

ويواجه قانون المالية لسنة 2018 في تونس عديد التحديات منها تمويل خزينة المالية العمومية، ومواجهة التهرب الضريبي، إضافة لإصلاح الصناديق الاجتماعية التي تعاني عجزًا فائقًا، وذلك وسط إكراهات صندوق النقد الدولي، وبالتزامن مع إعلان الحكومة قيادتها حربًا ضد الفساد لا تزال الشكوك تحوم حول جديّتها.

ومن المنتظر أن يحتدّ النقاش هذه السنة خاصة لتزامن مناقشة القانون مع مصادقة البرلمان على قانون المصالحة الذي يمنح عفوًا على الإداريين المتورطين في قضايا فساد إداري ومالي، والذي يكرّس الإفلات من العقاب وترفضه المعارضة والمنظمات المدنية المحلية منها والدولية لما يمثله من انتكاسة لمسار الانتقال الديمقراطي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تعديل وزاري في تونس.. حكومة "الحرب على الفساد" بجنود ابن علي!

هل يقود يوسف الشاهد حربًا كاذبة ضد الفاسدين في تونس؟