05-مايو-2017

أمجد وردة/ سوريا

تعلمتُ في البداية أن الابتسامةَ طريقةٌ لطيفة لاحترامِ الآخر، ثم عرفتُ أن لها أنواعًا ومآرب أخرى كالاستهزاء والسخرية، وأحيانًا الخبث. مع الوقت كنتُ أشاهد البعض يبتسمون دونما كلام، فعلمتُ أنها لغة محبةٍ صامتة. ذاتَ مساء في المنزل المجاورِ لبيتي، تقهقهت إحداهِن كثيرًا، حتى شتمها أحدُ الجيران. أما أمس، فعلى بعد أمتار قليلة من الانفجار رأيتها تبتسم، مرةً، اثنتين، ثم انفجرتْ ضاحكةً دون وعي. لم يكن بإمكانها أن تتوقفْ عن الضحك حتى بكت، بكت كثيرًا دونما انقطاع.

اليوم في حافلةِ النقل الداخلي الأشبه بعربةِ جهنم، كنت أقف معانقةً العمود الصغير كحبيبٍ وحيد خشية السقوط من شدةِ الزحمة، فلفتتني ضحكةُ السائق، في دمشق وسط الحرب والزحمة والحافلة المشؤومة وأحدهم يضحك بلطف!

عليّ الاعتراف أني سخرت للوهلة اﻷولى من وجهة نظري، وحين هممتُ لأمنحه التعرفة، ابتسم غامزًا، فسقطت ابتسامته أمامي كأفعى لعينة!

بالقرب من جامعتي رجلٌ مسن يبيعُ العلكة، كنت أبتسم له على الدوام، مررت اليوم بسرعة متجاوزةً إياه، سمعت صوته معاتبًا، سامحك الله، أما من تحية؟ فندمت جدًا. فما شأنه، وما شأني أيضًا؟

دخلت متأخرةً إلى قاعةِ الدرس، همست لي صديقتي: سألَ عنكِ اليوم؟ فأجبتها بابتسامة لم أكن أعلم ماهيتها: بحق؟

وأنا في طريقي للبيت، بعد تفتيشي قال أحد الشبان المتملقين، الابتسامة لله. في طابور الخبزِ منحت دوري لامرأة مسكينة، يمسكُ طفلها ثوبها برفق. شكرتني، ثم صادفتها عند زاوية أخرى، فركض الطفلُ نحوي، ومنحني قطعة سكاكر فابتسمت له.

رجلٌ عزيز علي قال لي ذات يوم "الابتسامةُ جواز سفر للقلوب". ما هذا الحال يا الله، ما هذا الحال؟ وأنا أصعد الأدراج تساءلت كثيرًا هل يبتسم الله؟ وماهي طبيعة ابتسامته؟ 

كيف بإمكانِ شيء بسيط كابتسامة، أن يكون معقدًا لهذه الدرجة من الأنانية والغباء واللؤم والمحبة؟ حتى المحبة صارت مشروطةً، وندفع ثمنها من قوت صبرنا وعاطفتنا ولطفِنا المبالغ به أحيانًا. ما هذه المدينة المخيفة، إن كانت وتيرةُ الابتسامة قابلة لأكثرَ من تفسير؟ ماذا أبقينا إذن لنحيب النساءِ المفجوعات والمنكوبات؟ لصرخاتِ الأطفال البائسين؟ لصمت أم القتيل؟ لأنينِ الجرحى؟ ولرنين الأجراس في الكنائس؟ لأصوات الخلاخيل وعدو الأحصنة؟ لصدى الرصاصة؟ والكلمة؟ والقبلة؟ للقنابل والتفجيرات الكبرى؟

دخلتُ البيت، وجدت سوسن تضحك فسألتها: ما بك أنت أيضًا؟ فأخبرتني أن صاحبةَ البيت أعطتنا مهلة أربعة أيام لإخلائه، فضحكنا كثيرًا كثيرًا حتى ساد صمتٌ رهيب قوي وقبيح ، قبيح جدًا، تآكلت من خلاله ابتسامات الكون واستحالت إيقاعًا رتيبًا كسيمفونية وحيدة واضحة على مسرحٍ من العدم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رعشة جناح فراشة

أنام محتضنةً سكينًا