16-يناير-2021

يعري الواقع خلال الجائحة وهم حل الدولتين (Getty)

قبل أسابيع، وعدت ألمانيا بأن يتم التعامل مع إسرائيل كأي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتوزيع اللقاح، دون أن تلتزم حتى بمساعدة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، في الحصول على اللقاحات. لم تتطرق وسائل الإعلام الغربية لهذا التناقض الفج. باستثناء بيان لمنظمة العفو الدولية وبعض التغطيات الإعلامية المحدودة، مر هذا الخبر عابرًا. من وجهة نظر حتى المؤسسات الدولية التي تعمل في "صناعة عملية السلام" فإن هذا الخبر لا يثير كثيرًا من الاهتمام أو الاستغراب أصلًا. حيث إننا في نظرهم، نعيش بين النهر والبحر في دولتين منفصلتين. على الأرض، فإن الواقع مختلف بشكل لافت إلى درجة مثيرة للسخرية. حيث يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون ضمن استراتيجيتين تحكمهما الإدارة الاستعمارية؛ الفصل والتشابك.

بالنسبة لإسرائيل، فإن النزعة العنصرية التي تجعل اليهودي أولوية دائمة، تتعارض حتى مع الحقائق الصحية الأولية بما في ذلك، للمفارقة، مصلحة المستوطنين

بالنسبة للفصل، فهو واضح في الممارسات الإدارية والتمييز الواسع في الحقوق والمزايا المعيشية، وأيضًا في استبعاد الفلسطينيين في بعض المناطق (خاصة في داخل إسرائيل وفي قطاع غزة) عن التجمعات اليهودية. كما يتجسد في الفروق الهائلة في المؤشرات الصحية، حيث يملك اليهود معدلًا متوقعًا للحياة أكبر، ومعدل وفيات أطفال أقل، بالإضافة إلى فرص أقل في التعرض إلى الأمراض المزمنة. أما التشابك، فيتجلى في عدد من الحالات، من بينها الضفة الغربية، حيث تسبب الاستيطان المتواصل والنزعة المستمرة للضم، في إنتاج واقع من التقارب الجغرافي اللافت والمتزايد بين المستوطنين والفلسطينيين. من المفارقة، أن هذا التشابك أدى في نهاية المطاف إلى أن يعيش آلاف الفلسطينيين والمستوطنين أحيانا في أقل من كيلو متر مربع في المناطق المصنفة "جيم" حسب اتفاقية أوسلو.

اقرأ/ي أيضًا: فيروس كورونا و"وهم حل الدولتين"

كما يشير عدد من الخبراء الصحيين والناشطين السياسيين، مثل الأمين العام للمبادرة الشعبية مصطفى البرغوثي، فإنه لا يمكن فصل الآثار الصحية المترتبة على الجائحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كان هذا واضحًا طوال الفترة الماضية في معدلات الإصابة بالفيروس، التي تصاعدت وانخفضت في كثير من الأوقات بشكل شبه متزامن، باستثناء الموجة الأولى. الحال نفسها فيما يتعلق باللقاح، حيث لا يمكن الوصول إلى مناعة شعبية بدون تلقيح الفلسطينيين، ببساطة لأننا ننعيش في دولة واحدة يحكمها الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، وليس في دولتين. مع ذلك فإن معظم السياسات المتعلقة بالوباء وباللقاح من قبل إسرائيل، والسلطة الفلسطينية، أو المجتمع الدولي، لم تأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع. السبب ببساطة، أن الاعتراف بهذا التشابك، يعري وهم حل الدولتين.

بالنسبة لإسرائيل، فإن النزعة العنصرية التي تجعل اليهودي أولوية دائمة، تتعارض حتى مع الحقائق الصحية الأولية بما في ذلك، للمفارقة، مصلحة المستوطنين. كما وضع موضوع الوباء، والآن اللقاح، السلطة الفلسطينية في وضع حرج، ليس لأنها لا تريد أن تطلب من إسرائيل تولي مسؤوليتها، ولكن لأن أي ضغط جاد على إسرائيل بأي شكل من الأشكال، سيعري الحقيقة البسيطة والأولية؛ أن السلطة الفلسطينية لا تدير شيئًا بين البحر والنهر وأن وجودها لا يتعدى كونه غطاء لحجب حقيقة الأبرتهايد، والمشروع الاستعماري الاستيطاني على كامل الأرض بين النهر والبحر. والأهم، حقيقة أن المؤسسات الدولية تستثمر في خيار غير موجود على الأرض، ولكن على الورق فقط.

لقد اعترفت مؤسسة بيتسيلم الإسرائيلية قبل أيام، لأول مرة منذ بدأت عملها قبل 30 عامًا، بأن ما نعيش فيه هو نموذج تمييز عنصري واضح. ليس هذا وحسب، ولكن أيضًا أن هناك دولة واحدة، هي إسرائيل بطبيعة الحال، تدير كل تفاصيل الحياة بين النهر والبحر. نعيش نحن الفلسطينيون هذه الحقيقة يوميًا، ولسنا بحاجة لمن يخبرنا بها أو يؤطرها، لكن استمرار وجود السلطة الفلسطينية، ودورها الوظيفي، مشروط بإنكار لم يعد ممكنًا لهذا الواقع.

نجحت السلطة الفلسطينية في وضع كل من يسائل وجودها بشكل كامل في مأزق، فصار التفكير في مستقبل لا يتضمنها، مشروطًا بالتفكير في مستقبل عشرات آلاف العائلات التي تعتاش على رواتب مقدمة منها. وهو وضع لا بد من الاعتراف بتعقيداته، لكن لا بد أيضًا أن يتجاوز النقاش الفلسطيني عن السلطة الفلسطينية المسائل التقنية أو أداءها، وأن يرقى إلى نقاش عن معنى وجودها الآن وفي هذا السياق، ونحن مقبلون على انتخابات تعيد إنتاج نفس الوهم.

لم يعد وجود السلطة الفلسطينية مجرد تعبير عن فشل المشروع الوطني الفلسطيني، أو انزياحًا نحو مسار التسوية. ولكن بالأساس، فإن وجودها يصبح مع الوقت غطاء تستخدمه إسرائيل للتهرب من أحد أسوأ أشكال التمييز واللا مساواة في العالم اليوم. لقد أصبح وجود السلطة عائقًا أمام أي فهم للواقع الاستعماري بين النهر والبحر، وهذا اعتراف لا بد من أخذه بعين الاعتبار في النقاش الفلسطيني الراهن.