28-أبريل-2022
تتزامن وعود السيسي مع حملات قمع وتنكيل منظمة (Getty)

تتزامن وعود السيسي مع حملات قمع وتنكيل منظمة (Getty)

تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الثلاثاء 26 أبريل/ نيسان 2022 في خطاب ترقبته التيارات السياسية والمنخرطون في العمل العام، وإن بلا تفاؤل كبير، خاصة أنه جاء بعد دعاية إعلامية سبقت هذا الخطاب بأيام عن نية السيسي بدء حوار شامل مع القوى السياسية من أجل الإصلاح السياسي في البلاد خلال الفترة القادمة.

تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطاب ترقبته التيارات السياسية والمنخرطين في العمل العام، وإن بلا تفاؤل كبير

وأفرجت السلطات المصرية عن 41 شخصًا أغلبهم من النشطاء المحبوسين احتياطيًا منذ سنوات على ذمة قضايا سياسية، قبل يومين فقط من هذا الخطاب، مثل الناشط السياسي محمد صلاح والناشط السياسي وليد شوقي والحقوقي والباحث العمراني إبراهيم عز الدين، الأمر الذي تم تصويره كبادرة حسن نوايا من الأجهزة الأمنية للقوى السياسية، خاصة أن الآلة الإعلامية استخدمت مصطلح "العفو الرئاسي" في دعايتها لهذه الإفراجات أو بمصطلح قانوني أدق، لإخلاءات السبيل السابق ذكرها. وهي إخلاءات لأشخاص غير محكومين وغير مدانين جنائيًا بل قيد الحبس الاحتياطي، بما يعني أن شروط العفو الرئاسي الذي يقتصر على أصحاب الأحكام النهائية لا تنطبق عليهم. لكن الدعاية الإعلامية جاءت على هذا النحو، ربما لإيصال رسالة ضمنية للقوى السياسية والمنظمات الحقوقية والدول الغربية مفادها وجود إرادة سياسية حقيقية للتغيير من أعلى رأس في النظام.. فهل يصدق السيسي القول؟

حفل إفطار "الأسرة المصرية": السيسي يصافح معارضيه

في لقاء هو الأول من نوعه منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، التقى الرئيس المصري عددًا من ممثلي قوى المعارضة والتيارات السياسية على هامش حفل إفطار الأسرة المصرية الذي أُذيع على قنوات التلفزيون. تحدث الرئيس المثير للجدل بنبرة اعتبرها البعض مغايرة لما سبق، حيث خلت من الحدة واتسمت بالهدوء والدبلوماسية، حتى إنه قال "الاختلاف في الرأي لا يُفسد للوطن قضية". كما ترحّم على الرئيس السابق محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، الذي سُجن بعد انقلاب القوات المسلحة على السلطة في 2013، ومات أثناء جلسة محاكمته باتهامات متعلقة بالإرهاب.

وبعيدًا عن النبرة الهادئة التي تحدث بها الرئيس، ضمت قائمة المدعوين لحفل الإفطار عددًا من الشخصيات العامة التي اختفت عن الساحة السياسية لسنوات، مثل مؤسس التيار الشعبي والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية، حمدين صباحي، المحسوب على "المعارضة المعتدلة"، ومنهم من كان خارج البلاد خوفًا من بطش الأجهزة الأمنية وعاد مؤخرًا مثل الناشط السياسي وعضو ائتلاف شباب الثورة سابقًا، ياسر الهواري، ومنهم من كان معتقلًا سابقًا مثل الصحفي والمتحدث السابق باسم جبهة الإنقاذ الوطني، خالد داوود.

تحدث عبد الفتاح السيسي لساعة كاملة تخللتها بعض المداخلات البسيطة من الحضور، وأنهي خطابه بـ 13 قرارًا، أهمها: تكليف الحكومة بعقد مؤتمر صحفي عالمي لإعلان خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي تشمل تنفيذ إجراءات عاجلة لتحسين مناخ الاستثمار، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوجيه كل الدعم اللازم للمستثمرين، وتكليف الحكومة بتعزيز أوجه الدعم المقدم لمزارعي القمح، وسداد المديونيات عن الغارمين والغارمات لإخلاء سبيلهم ودمجهم مرة أخرى في الحياة العامة، وتكليف الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بمستهدف 10 مليارات دولار سنويًا ولمدة 4 سنوات، وقيام الحكومة بالبدء في طرح حصص من شركات مملوكة للدولة في البورصة المصرية ومن ضمنها شركات مملوكة للقوات المسلحة قبل نهاية هذا العام.

جميع القرارات التي أعلن عنها السيسي كانت محل نقاش واسع بين المهتمين بالشأن العام وملف الحريات والإصلاح، خاصة القرارت المتعلقة بالشأن الاقتصادي، لكن قرارين كانا الأبرز من بين كل هذه القرارات، وهما ما تم التركيز عليهما إعلاميًا، وهما القراران الذان علق عليهما السيسي أثناء إلقاء خطابه وارتجل خارجًا عن النص. القرار الأول هو تكليف إدارة المؤتمر الوطني للشباب، بالتنسيق مع جميع التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة. حيث طالب السيسي أن تُرفع إليه شخصيًا نتائج هذا الحوار، ووعد بحضور هذه الحوارات في مراحلها النهائية. وهنا خرج الرئيس عن النص المكتوب ليعلن أن تحدث في حوار سابق مع الإعلاميين حول الإصلاح السياسي وقال نصًا "هل هذا الموضوع كان في بالنا ولا لأ؟ عايزين نعمله ولا لأ؟ أنا على المستوى الشخصي كنت حريص على هذا الأمر، ولكن يمكن الأولويات كانت مأجله الموضوع ده شوية، لكن دلوقتي أنا بقول إن إحنا بنطلقه وبنتيح الحوار والنقاش لكل القوى السياسية بدون استثناء أو تمييز".

القرار الثاني الذي لاقى اهتمامًا كبيرًا أيضًا هو إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي، على أن تواصل عملها بالتعاون مع الأجهزة المختصة. ولجنة العفو الرئاسي، هي لجنة تم تشكيلها كأحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب عام 2016 لإعداد قوائم دورية من السجناء والمحبوسين للإفراج عنهم، إلا أنها توقفت عن عملها منذ عام 2018 دون أي أسباب واضحة. وبعد إعلان الرئيس لهذا القرار خرج أيضًا عن النص وأشار إلى سعادته بالإفراج عن النشطاء السياسيين "ولا أخفي عليكم سعادتي البالغة في خروج دفعات لعدد من أبنائنا الذين تم الإفراج عنهم خلال الأيام الماضية، وأقول لهم إن الوطن يتسع لنا جميعًا، وإن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية".

وبعدما أنهى السيسي خطابه، توجّه بالتحية إلى حمدين صباحي وذهب إليه لمصافحته. كما صافح بعد ذلك الصحفي والمعتقل السابق خالد داوود. وفي اليوم التالي، أي أمس الأربعاء، صدر قرار رئاسي بالعفو عن الناشط السياسي حسام مؤنس، عضو التيار الشعبي الذي يترأسه حمدين صباحي، ما يشير إلى وساطة صباحي في خروج مؤنس من السجن.

إصلاح سياسي حقيقي أم فرصة جديدة للمماطلة؟

تتصاعد وتيرة التغيرات على الخريطة السياسية المصرية في ضوء التحديات الجديدة التي يواجهها النظام المصري من أزمات اقتصادية متتالية تؤثر على مستوى معيشة المواطن بشكل مباشر، في ظل أزمة الحرب الأوكرانية والتغييرات السريعة في خريطة التحالفات الإقليمية والدولية. وتتحدث السلطات المصرية منذ فترة ليست بالقصيرة عن قرب الشروع في إصلاحات في ملف الحريات السياسية والمدنية، عبر بيانات أو تصريحات تصدر عن مؤسسات رسمية أو شخصيات من داخل النظام، أو على لسان صحفيين وإعلاميين مقربين من السلطة ويتقلدون مناصب رسمية بقرار مباشر من رئيس الجمهورية في بعض الحالات، مثل الصحفي كرم جبر، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أو ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم سابقًا، وغيرهم ممن روجوا كثيرًا لفكرة الإصلاح السياسي.

وازدادت الدعاية بالإعلان عن انطلاق الجمهورية الجديدة والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وعام المجتمع المدني، بيد أن الواقع دومًا ما يشير إلى نتائج عكسية، حيث تزداد معدلات الاعتقال والاختفاء القسري، بل والقتل خارج إطار القانون، وحادثة إخفاء وقتل الباحث الاقتصادي أيمن هدهود التي انتشرت تفاصيلها منذ أيام فقط خير شاهد على ذلك. ويعاني عشرات الآلاف من السجن لأسباب سياسية وأغلبهم قيد الحبس الاحياطي، حيث قدّرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أعداد المعتقلين السياسيين في مصر بـ 65 ألف شخصًا، ويدور هذا الحديث في ظل إعلان السلطات المصرية وفخرها بافتتاح سجن وادي النطرون الجديد، أكبر مجمع سجون في العالم، على حسب قولهم.

تحدث خالد داوود إلى موقع المشهد بتصريحات لم تبد فارقة أو دقيقة، ويبدو أن هناك تحذيرات أمنية للحاضرين بضرورة عدم الإعلان عن تفاصيل الجلسات الحوارية. حيث كان كل ما أعلن عنه داوود، أنه طالب السيسي بالإفراج عن المزيد من السجناء، إضافة إلى أنه وزملاءه تقدموا بقائمة تضم 33 اسمًا طالبوا بالإفراج عنها، من بينهم 8 أشخاص صدرت بحقهم أحكام بالسجن، مثل الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، والناشط السياسي والصحفي أحمد دومة والمحامي الحقوقي محمد الباقر والبرلماني السابق زياد العليمي والصحفي محمد أوكسجين وهشام فؤاد وفاطمة رمضان، وأخيرًا حسام مؤنس الذي صدر بحقه قرارًا بالعفو الرئاسي بالفعل. ولكن لم يضف أي تفاصيل عن حلحلة ملف المحبوسين احتياطيًا أو إنهائه في وقت قريب والإفراج عن الآلاف من المعتقلين، أو تعديلات تشريعية لقانون الإجراءات الجنائية لخفض مدة الحبس الاحتياطي من عامين إلى ستة أشهر.

تزداد معدلات الاعتقال والاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون، وحادثة إخفاء وقتل الباحث أيمن هدهود خير شاهد على ذلك

الأمر الذي يجعل المتابعين يتساءلون عن مدى جدية النوايا هذه المرة، أو أن هذه المبادرة هي مناورة جديدة من النظام لكسب الوقت وإيهام الخارج بوجود إصلاحات سياسية. خاصة أنه لم يصدر أي بيان من أي جهة رسمية حتى الآن يوضح ما يحدث في الكواليس أو الخطوات الواجب اتخاذها في الفترة القادمة، كما لم يتحدث الحاضرون في حفل الإفطار بشكل مفصل وواضح عمّا دار معهم وعن كيفية التنسيق لهذا الحوار وطبيعة الاجتماعات والمناقشات مع الأجهزة السيادية.