22-فبراير-2017

الأصدقاء القدامى يعودون لجامعة الجزائر (فتيحة زماموش/الترا صوت)

سألت والدتي يومًا: "لماذا تحتفظين بماكينة الخياطة القديمة، رغم أنها لا تفي بالغرض اليوم، ولا تستعملينها منذ سنوات طويلة؟" فردت: "يا ابنتي القديم يعلمنا الوفاء لمن مروا معنا خلال سنوات العذاب والتعب". والدتي تنظر لآلة الخياطة كأنها الوسيلة التي كانت تعينها على مرارة الظروف الاجتماعية وتصفها كأنها أحد الأصدقاء القدامى، الذين نحن إليهم كثيرًا، ونتمنى اللقاء معهم بعد مرور السنوات، ونستقبلهم بحرارة شديدة وبحب كبير، ونحتضنهم بقوة ونتحدث إليهم وكأنهم كانوا معنا بالأمس القريب.

في الجزائر، أقدم عدد من طلبة جامعة الجزائر على الالتقاء بعد مرور أزيد من 30 سنة بعد التخرج والافتراق في تجربة استحسنها الكثيرون

في الجزائر، مؤخرًا، أقدم عدد من طلبة "جامعة الجزائر"، من مختلف الاختصاصات، التي كانت تدرس فقط في عاصمة البلاد قبل التسعينيات من القرن الماضي، أقدم هؤلاء الطلبة، وعددهم ثمانية، على الالتقاء بعد مرور أزيد من ثلاثين سنة بعد التخرج والافتراق. التقوا من جديد في الجامعة المركزية بقلب العاصمة الجزائرية، والتي تحمل اليوم اسم رئيس الحكومة المؤقتة الراحل "يوسف بن خدة"، أو كما لا يزال البعض يسمونها بـ"النفق الجامعي".

اقرأ/ي أيضًا: أشياء تسكن الجزائريين.. "القديم لا نفرط فيه"

يقول خير الدين صاري، من منطقة تلمسان لـ"ألترا صوت" إنه "التقى بأصدقائه القدامى في نقطة ذات رمزية ودلالة كبرى لدى الكثيرين ممن درسوا في جامعة الجزائر العاصمة"، حيث كان أي "النفق الجامعي" اللصيق بالجامعة، المعلم أو الرمز لكل طلبة الجامعات في الجزائر، وهو الذي يطل على واجهتين، الأولى على ساحة "موريس أودان" العريقة والتي حملت اسم أحد أصدقاء الثورة الجزائرية، ومن الجهة الأخرى على شارع "العربي بن مهيدي" القريب من البريد المركزي، وهو أحد معالم العاصمة الجزائرية التاريخية.

في نظر الأصدقاء القدامى تغيرت ملامح المكان جزئيًا، حيث أطلق على الجامعة اليوم اسم "جامعة الجزائر 1" وهي المعلم الجامعي الذي بني في سنة 1908، لكن الجدران والأعمدة لم تتغير. تقول زهية بوعروج، من منطقة قسنطينة والتي هاجرت هي وزوجها إلى كيبيك الكندية وتدير اليوم إحدى المصحات الكندية، لـ"ألترا صوت": "كان من الصعب أن نجتمع، ومن الصعب أيضًا أن تتوافق ظروفنا جميعًا لنلتقي في يوم واحد، فالوضع الذي عاشته الجزائر في سنوات التسعينيات غيّب الكثيرين من طلاب العلم والمعرفة عن البلد، الذي غادرت أدمغته هربًا وبحثًا عن فضاء أرحب ومكان أكثر إيجابية أو أكثر ملاءمة للتكوين والإبداع".

الفيسبوك، هذا الفضاء الأزرق "العجيب"، ساهم بشكل كبير في لقاء الأصدقاء، منذ بدء البحث عن بعضهم البعض عبر الشبكة العنكبوتية منذ أزيد من سنتين. يعلق البروفيسور في جراحة العظام مزيان آكلي، من منطقة "ثاورقة" شرقي العاصمة الجزائرية: "كم جميل اجتماع الأصدقاء القدامى، الحكمة في الحياة أن نعيد الصور الجميلة والمواقف الأجمل في أهم فترات العيش وهي فترة الجامعة"، مضيفًا: "في تلك الفترة تكبر الأحلام وتتبدد الأوهام، لكن اصطدمنا فيما بعد بالواقع".

اقرأ/ي أيضًا: عن الأماكن وبروتكولات الفقد

البروفيسور مزيان يشتغل اليوم في مركز بحثي في فرنسا، لكن في كل مرة عند العودة لأرض الوطن يسعى لتقديم ندوات علمية لطلبة الطب بجامعة تيزي وزو، يقول إنه يحن لقهوة الجزائر، خلال فترة الدراسة، ولأكل المطعم الجامعي "الريسطو" بشارع الشهيد العقيد عميروش، كما يحن إلى يوميات الطلبة الجزائريين والنقاشات الحادة سنوات ما قبل التعددية الحزبية.

بينما كان البروفيسور يتحدث عن تلك الفترة، يستذكر زملاءه ويقول لـ"ألترا صوت": "كانوا يدرسون بعيدًا عن عائلاتهم، في نظام المبيت الداخلي، جمعتهم الدراسة وفرقتهم الظروف فيما بعد، لكننا اليوم تمكننا من الالتقاء مجددًا بفضل التكنولوجيا وبفضل الصداقة القديمة التي كلما مرت السنوات زادتها الأيام تماسكًا".

اقرأ/ي أيضًا:

يوميات الكامب الهولندي.. حنينُ إلى الشرق

السوريون وقصص الحنين.. سنرجع يومًا إلى حيّنا