12-نوفمبر-2018

لا يزال اختفاء علي بونغو واقعة مقلقة (Getty)

مُنذ هبوط طائرة الرئيس الغابوني علي بونغو (59 عامًا) في مطار الرياض منتصف الشهر الماضي، للمشاركة في المنتدى الاستثماري "دافوس الصحراء"، انقطعت أخباره وصوره بالمرة، وتحولت قصته إلى لغز جديد محير، فيما تناثرت الأسئلة الشائكة حول مصيره بعد تسرب تقارير عن تعرضه إلى أزمة صحية مفاجئة، ألقت به في العناية المُكثفة دون حراك.

 بدا كما لو أن المملكة السعودية تحولت إلى منطقة أشبه بمثلث برمودا، بدليل أن سياجًا من السرية ضرب حول الوضع الصحي للرئيس الغابوني

وفي ظل شح المعلومات والرعب الذي يسيطر على الكثيرين منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، بدا كما لو أن المملكة السعودية تحولت إلى منطقة أشبه بمثلث برمودا، بدليل أن سياجًا من السرية ضرب حول الوضع الصحي للرئيس الغابوني، بينما لم يعرف عنه شعبه لأكثر من أسبوعين معلومة واحدة مطمئنة، مما فاقم المخاوف بشدة.

اقرأ/ي أيضًا: مقاطعة "مبادرة مستقبل الاستثمار".. ضريبة طيش ابن سلمان

تعاملت السلطات الغابونية مع أزمة اختفاء علي بونغو بصورة تعسفية، وقامت على الفور بإغلاق محطة "رؤية 4" الكاميرونية لبثها أخبارًا حول وفاة الرجل، دون أن تتبرع الحكومة بالمعلومات الكافية عن الوضع الصحي للرئيس وتهدئ من روع المواطنين، الذين انتبهوا لغياب رئيسهم عن فعاليات المنتدى الاستثماري، وهو الذي سافر بالأساس للمشاركة فيه، فضلًا عن فشل الكاميرات في التقاط أي صورة له منذ الـ24 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بينما تضمنت صفحته على موقع فيسبوك مشاهد لقاء جمعه بولي العهد البحريني في حديث ضاحك عن التحديات المشتركة دون أن يُعرف تاريخ ذلك اللقاء بالضبط.

وبعد مطاردة الصحافة العالمية والأفريقية على وجه الخصوص لمعرفة مصير الرئيس الغابوني بجانب دعوات شخصيات بارزة في الحزب الحاكم الغابوني السلطات السعودية للكشف عن مصير الرئيس، أذاعت وسائل إعلام سعودية خبرًا عن زيارة قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مستشفى فيصل التخصصي للاطمئنان على بونغو، وهذا حدا بتناسل الأسئلة عن أسباب تكتم السلطات السعودية من الأول على وضع ومكان الرئيس الغابوني لنحو عشرة أيام تقريبًا.

المثير في الأمر نشر تغريدة على تويتر من أبو فيصل أحد الحسابات النشطة الداعمة لولي العهد السعودي، قال فيها إن "الرئيس الغابوني وصل بلاده بعد علاجه في أكبر مستشفى عالمي هو مستشفى الملك فيصل التخصصي ووصل إلى بلاده بصحة جيدة جدًا" وفقًا لتغريدة أبو فيصل. بينما قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الغابونية إيك نغووني إن رئيس البلاد علي بونغو أونديمبا تعرض "لنزيف استدعى من الإدارة الطبية الجراحية إبقاءه بقطاع عالي التخصص". وأضاف نغووني في بيان بثته وسائل الإعلام الرسمية الغابونية الأحد إن علي بونغو بدأ "في استرجاع كامل قواه البدنية" بعد الوعكة الصحية التي تعرض لها، بينما كان يوجد في المملكة العربية السعودية للمشاركة في مؤتمر هناك، مؤكدًا أن الوضعية الصحية لرئيس البلاد "تتحسن، والمعلومات جد مطمئنة"، وأضاف أن الرئيس "يواصل مزاولة مهامه".

لكنه وبالرغم من ذلك لم تهدأ مشاعر الغابونيين المنزعجين من المعلومات المتضاربة حول مصير رئيسهم، واضطرت السيدة الأولى الغابونية سيلفيا بونغو أوندينبا إلى استبدال صورة صفحتها على فيسبوك في السابع من هذا الشهر بصورة تجمعها مع زوجها بونغو بالأسود والأبيض، ما جعل عدد من الناشطين الغابونيين، على غرار كلودي لوسي، للتعليق بالقول: "لماذا تضعين صورة لكما بالأبيض والأسود، هذا عنوان سيئ، أتمنى أن لا يكون قد حدث مكروه للسيد الرئيس"، وكتبت الصحفية الغابونية كينيث قائلة إنه "إذا كان السيد بونغو بخير أين صوره من داخل المستشفى؟".

وفي آخر منشور تقدمت السيدة الأولى سيلفيا بونغو بالشكر للشعب الغابوني وناشدته بمواصلة الصلاة من أجل شفاء زوجها، وقوبلت كتاباتها على مواقع التواصل الاجتماعي الغابونية بالتندر والسخرية، لأنها لم تلحق بزوجها في الرياض، بينما نشرت وسائل إعلام فرنسية أن الرئيس الغابوني بالفعل في حالة خطرة، ربما لا يفيق منها، حيث أصيب بالشلل بعد فترة قصيرة من وصوله إلى الرياض، وتم نقله إلى غرفة العمليات ودخل في حالة غيبوبة اصطناعية لم يستفق منها حتى الآن، وإنه إذا كانت الحادثة حقيقية ولم يفق الرئيس بونغو كما أشارت تقارير طبية لاحقة، فستصبح سيرة المملكة العربية السعودية فألًا سيئًا للرؤساء والسياسيين.

في السياق، فإن تقاريرًا صحفية منسوبة للمعارضة الغابونية، قالت إن الرئيس علي بونغو يدير البلاد من مستشفى في الرياض، وأضافت التقارير أنه "قد يصبح مستشفى الملك فيصل التخصصي الفاخر في الرياض تبعية جديدة لرئاسة الغابون"، بينما أشارت إلى أنه من الصعب إلقاء نظرة على التقرير الطبي الذي ينص على أن علي بونغو لا يزال في "مرحلة التعافي البدني". ووفقُا لبيان مطمئن حول الحالة الصحية لعلي بونغو صدر الأحد، فإن الرئيس ما زال يمارس "واجباته" منذ دخوله المستشفى في 24 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وقد تحسنت حالته بشكل ايجابي كبير، مما يدل على أنه بالفعل كان في وضع مأساوي. غير أن مراقبين يقولون إنه يصعب الوثوق في أي معلومة تصدر من أي جهة كانت، ما لم يظهر الرجل عيانًا في بلاده.

اقرأ/ي أيضًا: هوية إفريقيا.. من المسرح المفتوح إلى وهم الاستقلال

وفيما تستحضر المصادر حادثة وعاء دماغه النازفة، تفضل رئاسة الغابون التعامل مع أزمة الرئيس بشكل مقتضب، لا يخلو من ارتباك وحذر، على أمل أن يتعافى في فترة أقصاها أسبوعين تجنبًا للحديث عن فراغ دستوري، وهي الأمنية التي لا يبدو أنها سوف تصمد طويلًا. وترجح مصادر أن علي بونغو المتخصص في الاتصالات الهاتفية شعر بدوار أثناء تواجده في أحد فنادق الرياض، وأسفر الاستكشاف الأولي عن حالة نزيف استدعت التدخل الجراحي السريع.

تعاملت السلطات الغابونية مع أزمة اختفاء علي بونغو بصورة تعسفية، وقامت على الفور بإغلاق محطة "رؤية 4" الكاميرونية لبثها أخبارًا حول وفاة الرجل

ووسط مخاوف من تفعيل المادة 13 من الدستور الغابوني وإدارة فترة انتقالية يصبح رئيس المجلس الوطني فيها رئيسًا للبلاد إلى حين انتخاب رئيس جديد، عجلت تلك المخاوف بتحركات في الدائرة المقربة لعلي بونغو، وبتمرير معلومات مغلوطة عن وضعه الصحي، ما حدا بالإعلام الغابوني للتعبير عن دهشته من إصرار رجل مريض على حكم البلاد من سرير خفي في مستشفى بالعاصمة السعودية الرياض، وهو في وضع لا يختلف كثيرًا عن ما جرى لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي أعلن خطاب تنحيه من داخل ذات المدينة بعد اختطافه والتحفظ عليه، على حد وصف صحف ووسائل إعلام.

وبينما بدا الرئيس الغابوني يستيقظ من غيبوبته شيئًا فشيئًا منذ يوم الخميس الماضي، أشارت تقارير طبية أن فترة النقاهة يجب أن تدوم عدة أشهر، بعيدًا عن الغابون، وقالت التقارير إن علي بونغو لم يمت، لكن الأطباء الذين تولوا حالته لا زالوا حذرين، ومن المتوقع أن يغادر المستشفى السعودي في أقل من أسبوعين لعدة أشهر من التعافي، ربما في أوروبا أو المغرب. وفي هذه الأثناء، يجب على أطباء مستشفى فيصل أن ينشروا الأسبوع القادم أو خلال هذا الأسبوع بيانًا حول الحالة الصحية للرئيس الغابوني، فضلًا على أن المؤشرات لا تبشر بالخير للرئيس الغابوني الذي لا يزال من الممكن عزله من المكتب الرئاسي خلال فترة النقاهة بأكملها، بسبب أنه لا يوجد في بلاده مرافق صحية يمكن الاعتماد عليها، وهذا يعني بالضبط غيابه عن ممارسة مهامه لشهور قادمة.

كانت هذه التطورات المثيرة بمثابة فرصة لاحت أخيرًا قبالة زعيم المعارضة جانج بينغ، الذي تجنب للغرابة الخوض في الأزمة الصحية للرئيس، ودعا بينغ الخاسر في الانتخابات الرئاسية الغابونية شعب بلاده إلى الوحدة، متعهدًا بما أسماها "تأسيس جمهورية جديدة"، كما أعرب عن أمله في "استعادة الفوز الذي سرقه الرئيس الحالي علي بونغو أونديمبا" على حد تعبيره، وتحدث بينغ في خطابه الذي ألقاه نهاية الأسبوع الماضي عن ضحايا أزمة انتخابات 2016، وعن السجناء السياسيين. ولربما كان يستشعر نتيجة للتطورات القدرية حتمية مغادرة الرئيس الحالي باحة قصر البحر في ليبرفيل، ما يعني بروز مرحلة سياسية جديدة في الغابون.