09-نوفمبر-2015

تثير أغلب تصريحات النائب السابق القصاص جدلًا كبيرًا (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

لم تكن تجربة تونس مع الانتقال الديمقراطي بكلّ ما يعنيه من تحوّلات سياسية وثقافية واقتصادية لتمرّ دون فرض ضغوط نفسية كبيرة على السياسيين الفاعلين في المشهد، ضغوط تجلّت بوضوح من خلال تواتر زلاّت اللسان التي تفاعل معها البعض بالسخرية وتلقّاها البعض الآخر بكثير من الجدية باعتبارها فاضحة للاوعي يحاول صاحب الزلّة إخفاءه وقمعه من منظور علم النفس.

تواترت زلات لسان السياسيين في تونس خلال المرحلة التي تلت اندلاع الثورة

وفي ظلّ وجودهم اليومي المكثّف تحت الأضواء وكونهم محطّ اهتمام الإعلام والناس، ارتكب السياسيون التونسيون الفاعلون على الساحة بعد كانون الثاني/يناير 2011 زلاّت لسان عديدة، تحوّل المواطن التونسي معها إلى "فرويد" جديد، كلّ يجد لها تفسيرًا ودلالة توافق هواه. وفيما يلي عرض لأبرز زلاّت لسان رافقت تونس في مسيرتها الانتقالية:

"دار للشهيد يلتقي فيها الشهداء"

قدّمت النائبة بالمجلس الوطني التأسيسي سنية تومية مداخلة في شهر ديسمبر/كانون الأول 2012، طالبت فيها بإنشاء دار يلتقي فيها شهداء الثورة في المناسبات، معتبرة أنّ "دار الشهيد" هي أبسط ما يمكن أن تقدّمه الحكومة لشهداء الثورة. ولم تكن تلك زلّة اللسان الوحيدة التي لفتت الانتباه إلى النائبة، إذ تبعتها أخرى لا تقلّ عنها طرافة في يوليو/تموز 2013، إذ اعتبرت تومية أنّ صياغة الدستور لا تختلف عن "الصّياغة" (كلمة باللهجة التونسية تعني الحلي والذهب) الذي يقدمه العريس لعروسه في حفل الزفاف ولذلك يجب أن تكون "ملوّنة وجيّدة".


"جثث... للأسف في حالة وفاة"

باتت إحدى تصريحات وزير الخارجية في حكومة "الترويكا" رفيق عبد السلام "لازمة شعبية" في أحاديث الناس عام 2013. وعلّق عبد السلام على حادث غرق قارب كان يحمل مهاجرين غير شرعيين إلى إيطاليا بالقول إنّ "جهود الإنقاذ آلت إلى العثور على ثلاث جثث لكنّها كانت للأسف في حالة وفاة".

ولئن كانت زلّة اللّسان هذه الأكثر تناقلًا في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي فإنّ الوزير الأسبق قد صنع الحدث الإعلامي في محطّات عديدة لاحقة، على غرار قوله إنّ "إسطنبول هي عاصمة تركيا أو نسبه الآية القرآنية التي تتحدّث عن عصا موسى إلى الجاحظ". زلاّت لسان بوّأت الوزير عبد السلام مرتبة مشرّفة في تقرير لموقع "سي أن أن" الأمريكي حول أكثر ستة تصريحات خلّفت جدلًا عام 2013.


"إن هي إلاّ امرأة"

خلال استضافته في برنامج حواري تلفزي، سئل الباجي قائد السبسي، رئيس الجمهورية حاليًا، عن موقفه من تصريحات النائبة بالمجلس الوطني التأسيسي والقيادية بحزب حركة النهضة محرزية العبيدي والتي قالت فيها إنّ حكومة السبسي، الأولى بعد الثورة، (فبراير- ديسمبر 2011) تساهلت مع تنظيم "أنصار الشريعة" (تمّ حظره عام 2013 وتصنيفه كمجموعة إرهابية ذات علاقة بالقاعدة والاغتيالات السياسية في تونس).

وفي معرض ردّه على سؤال الصحفي، قال الباجي قائد السبسي: "محزية العبيدي مرا" (امرأة)، وتابع "ماهي إلاّ مرا" (إن هي إلاّ امرأة)، في إشارة إلى أنه لن يهتمّ بتصريحات العبيدي باعتبارها صادرة عن إمرأة. وقد أشعل هذا التصريح فتيل الغضب والتنديد لدى مناصري حقوق المرأة الذين اعتبروه إهانة لنساء تونس، خاصّة وأنّ السبسي محسوب على ما يعرف بالتيار "الحداثي" ويضمّ حزبه "نداء تونس" عددًا من وجوه الحركة النسوية التونسية.


"نحن ملتزمون بالنفاق"

فاجأ زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الحاضرين في ندوة صحفية في شهر أب/أغسطس 2013 بزلّة لسان اعتبرها منافسوه السياسيون تعبيرًا عن لا وعيه. حيث أعلن في معرض حديثه عن الوفاق الوطني أنّهم داخل الحركة :" ملتزمون بالنفاق"، وكرّرها مرّة أخرى قبل أن يستدرك بالقول "نحن ملتزمون بالوفاق".


فصل دستوري يمنح الشعب حقّ ضرب النواب

عرف النّائب في المجلس الوطني التأسيسي إبراهيم القصّاص بتصريحاته المثيرة دائمًا للجدل، إذ طالب مرّة بإقرار فصل دستوري فحواه أن "يدخل الشعب كلّ شهر إلى المجلس ويقوم بضرب النوّاب". ولئن اعتبر البعض هذا التصريح زلّة لسان، فإنّ روّاد مواقع التواصل الاجتماعي استغلّوه للتأكيد على عدم جدارة القصّاص، بتبوّء منصب في المجلس التأسيسي والمساهمة في كتابة الدستور.


"نأمل أن يحجّ المسلمون بكثرة إلى الغريبة"

تعتبر وزيرة السياحة السابقة آمال كربول إحدى أكثر الوزراء الذين ملأت تحرّكاتهم وتصريحاتهم وهيأتهم الدنيا وشغلت النّاس. حيث رأى فيها تونسيون كثر قطعًا مع الصورة النمطية للوزيرة المرأة. غير أنّ كربول لم تصنع الحدث خلال مزاولتها مهامّها صلب الوزارة بلباسها أو مبادراتها فحسب، بل كانت لها أيضًا تصريحات مثيرة للجدل.

ولعلّ أبرز زلّة لسان للوزيرة تلقّفها الإعلام وتداولها الناس هي تعبير كربول في ندوة صحفية عن أملها في قدوم المسلمين واليهود بكثرة عام 2014 للحجّ في "الغريبة" (كنيس يهودي يؤمّه الحجاج اليهود من تونس وباقي بلدان العالم كلّ عام في أيام معدودات من شهر أيار). وقد أثار تصريح الوزيرة استهجان الناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي واتّهموها بعدم معرفة المكان الذي يحجّ إليه المسلمون.


"الطاغوت"

شهدت الحملة الانتخابية الرئاسية العام الماضي تراشقًا بالنعوت والتهم بين المرشّحين بلغت حدّ القذف والتشهير في بعض الحالات. ومن بين أكثر النعوت إثارة للجدل بين الفرقاء السياسيين، إطلاق رئيس الجمهورية السابق والمرشّح للانتخابات الرئاسية منصف المرزوقي صفة "طاغوت" على بعض من منافسيه. ذلك أنّ الكلمة عرفت باستخدامها من قبل الجماعات المتشدّدة والتنظيمات الإرهابية لوصف قوّات الأمن والجيش التونسيين. وقد اعتذر رئيس حملة المرزوقي آنذاك عدنان منصر عن زلّة اللسان تلك، غير أنّ الرئيس السابق نفسه تمسّك بها شارحًا أنّ الكلمة عربية قحّة وليست حكرًا على الإرهابيين.


"ديكتاتوريتنا الناشئة"

أثارت كلمة القيادي السابق بحركة النهضة حمادي الجبالي في افتتاح مؤتمر الحركة عام 2012 جدلًا واسعًا، إذ أعلن: "نحن في ديكتاتوريتنا الناشئة" فيما كان يقصد قول "ديمقراطيتنا الناشئة". ولم تمرّ زلّة اللسان هذه دون أن يذكر الصحفيون ونشطاء المواقع الاجتماعية بزلاّت أخرى للجبالي، الذي شغل منصب رئيس الحكومة بين كانون الأول/يناير 2011 وآذار/مارس 2013. إذ سبق للرّجل أن بشّر بـ"خلافة راشدة سادسة" في إحدى مؤتمرات حركة النهضة، الأمر الذي اعتبره البعض من متابعي الشأن السياسي ازدواجية في خطاب الحركة ذات المرجعية الإسلامية، والتي أعلنت انخراطها في الإصلاح السياسي وإيمانها بالنظام الجمهوري.


"نظّمنا حمارًا وطنيًا"

لئن توّجت مساعي "الرّباعي الرّاعي للحوار" في تونس مؤخّرًا بجائزة نوبل للسلام، فإنّ تلك المساعي رافقها كثير من الضغط والتشنّج أدّى إلى ارتكاب مسيّري الرباعي عددًا من زلاّت اللسان في تصريحاتهم. أبرز تلك الزلاّت، قول رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد الستار بن موسى في معرض كلمته الافتتاحية لجلسات الحوار الوطني عام 2013 :"لقد تحمّلنا مسؤوليتنا ونظّمنا حمارًا وطنيًا" وكرّرها ثانية قبل أن يستدرك قائلًا: "نظّمنا حوارًا وطنيًا، هو على كلّ حال الحمار يوصّل (أي يحمل صاحبه إلى حيث يريد) وكذلك الحوار يوصّل".


"الأمنيون دجاج"

جاءت زلّة لسان النائبة الأولى السابقة لرئيس المجلس التأسيسي والحالية بمجلس نواب الشعب محرزية العبيدي في إطار أدائها لأغنية "راب" على أمواج إحدى الإذاعات الخاصّة. حيث وصفت العبيدي في الأغنية الأمنيين بالدّجاج الأمر الذي أثار حفيظة النقابات الأمنية، والتي دعت إلى رفع الحصانة البرلمانية عنها حتى يتمكّن القضاء من محاكمتها.

اقرأ/ي أيضًا: 

نوبل للسلام.. حصة رباعي الحوار التونسي

تونس.. حكم السرّاق