بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب عملية إعادة هيكلة واسعة النطاق لمجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض؛ وتأتي هذه الخطوة عقب قرار ترامب القاضي بتنحية مايك والتز عن رئاسة المجلس، وتسمية وزير الخارجية ماركو روبيو بدلًا منه، وذلك على خلفية فضيحة تطبيق "سيغنال" للمراسلات، وتسريب معلوماتٍ حساسة عن خطط الهجوم الأميركي على الحوثيين في اليمن الذي بدأ منتصف آذار/مارس الماضي وانتهى دون سابق إنذار مطلع شهر أيار/مايو الجاري بعد توصل الإدارة الأميركية إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، بوساطة من سلطنة عمان.
ولاحقًا ربطت صحيفة "واشنطن بوست" قرار إقالة والتز باكتشاف تنسيق سري بينه ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للدفع صوب استخدام القوة العسكرية ضدّ منشآت إيران النووية، وذلك في وقتٍ كان فيه ترامب قد قرّر منح الفرصة للديبلوماسية في تسوية الملف النووي الإيراني.
لكنّ اللافت للأمر أنّ ترامب يتجه في التغييرات الجديدة، حسب "رويترز"، إلى تقليص حجم ونطاق مجلس الأمن القومي الذي كان يتمتع بنفوذٍ كبير، حسب خمس مصادر مطلعة على تفاصيل عملية إعادة الهيكلة.
يُعدّ مجلس الأمن القومي الهيئة الرئيسية التي يستخدمها الرؤساء لتنسيق استراتيجية الأمن القومي. وغالبًا ما يتخذ موظفوه قرارات رئيسية تتعلق بنهج أميركا تجاه أكثر صراعات العالم تقلبًا، ويلعبون دورًا رئيسيًا في الحفاظ على أمن الولايات المتحدة الأميركية.
ويعكس هذا التوجّه، وفقًا للمنتقدين، رغبة ترامب في تركيز القرار بين يديه وفي يد دائرة ضيقة من الموالين له شخصيًا؛ كما يعكس عمومًا تبرّمه من المؤسّسات والتكنوقراط الذين لا يثق بولائهم الكامل له.
وأفادت المصادر الخمس، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لعدم السماح لها بالتحدث إلى وسائل الإعلام، بأن الموّظفين في مجلس الأمن القومي، الذين يتعاملون مع مجموعة متنوعة من القضايا الجيوسياسية الرئيسية، تلقوا إشعارات إنهاء خدمات يوم أمس الجمعة.
كما توقعت المصادر أن تؤدي إعادة هيكلة مجلس الأمن القومي إلى منح مزيد من الصلاحيات لوزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، ووكالات أخرى، وذلك بعد تقليص عدد موظفي المجلس إلى بضع عشرات فقط.
يُعدّ مجلس الأمن القومي الهيئة الرئيسة التي يعتمد عليها الرؤساء في تنسيق استراتيجية الأمن القومي. وغالبًا ما يتخذ موظفوه قرارات محورية تتعلق بنهج الولايات المتحدة تجاه أكثر الصراعات العالمية تقلبًا، كما يلعبون دورًا حاسمًا في الحفاظ على أمن البلاد.
ووفقًا لموقع "بوليتيكو"، فإن إعادة الهيكلة الجديدة ستقلّص عدد موظفي المجلس إلى أقل من 150 موظفًا، مقارنة بـ350 موظفًا كانوا يعملون فيه خلال ولاية الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن.
وكان موقع "أكسيوس" قد تحدث قبل حواليْ شهرين عن فصل عددٍ من أعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي، بينهم مديرون كبار. وقدّرت المصادر حينها عدد المقالين من مناصبهم بعشرة أشخاص.
في مستهل شهر أيار/مايو الجاري، أقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستشار الأمن القومي مايكل والتز ونائبه أليكس وونغ.
وفي حين ربطت معظم وسائل الإعلام الأميركية قرار الإقالة، في بادئ الأمر، بفضيحة تطبيق "سيغنال"، تكشّف لاحقًا أن هناك أسبابًا أخرى قد تكون أكثر وجاهة، تتجاوز حادثة إضافة صحفي عن طريق الخطأ إلى مجموعة سرّية على "سيغنال" خُصّصت لمناقشة الهجمات على الحوثيين في اليمن.
فقد أثار والتز لاحقًا غضب ترامب بتنسيقه مع نتنياهو واتخاذه موقفًا مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، في وقتٍ علِم فيه أن ترامب قد حسم أمره بعدم توجيه ضربة عسكرية لإيران. لقد أراد والتز، حسب مصدر تحدث لصحيفة واشنطن بوست، نقل السياسة الأميركية في اتجاهٍ لم يكن ترامب مرتاحًا له بالمرة، ولذلك أُبعد عن مطبخ صناعة القرار في البيت الأبيض.
وجاء تقليص أعضاء المجلس الذي يتعامل مع القضايا الحساسة جيو سياسيًا، ليؤكد مُضي ترامب في تخفيف الضغوط التي قد تُسلّط عليه من طرف المحيطين به في البيت الأبيض، ممّن لا يضمن ولاءهم المطلق لشخصه أولًا وقبل كلّ شيء، حسب منتقدي سياساته داخليًا وخارجيًا.
