29-أكتوبر-2024
الاقتصاد الإسرائيلي

(Getty) تتضمن موازنة إسرائيل إجراءات لا تحظى بشعبية ومع ذلك يخطط نتنياهو للموافقة عليها

تفرض الكلفة العالية للحرب قرارات اقتصادية صعبة على حكومة الاحتلال الإسرائيلي، فبدلًا من زيادة معاشات التقاعد في القطاعات الحكومية والحد الأدنى للأجور، وفقًا لما كان مقررًا مطلع العام المقبل 2025، وجدت الحكومة الإسرائيلية نفسها مرغمةً على تجميد وخفض الحد الأدنى للأجور ومعاشات التقاعد الحكومية.

وبرّرت وزارة المالية الإسرائيلية التجميد والتراجع عن الزيادة بمواجهة كلفة الحرب والعدوان المستمر على كلٍّ من غزة ولبنان. فبحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية سيوفر تجميد الحد الأدنى للأجور لوحده مبلغ 1.2 مليار شيكل، أي ما يعادل 322 مليون دولار أميركي.

وترى صحيفة غلوبس الاقتصادية الإسرائيلية أنّ قرار تجميد الحد الأدنى للأجور والمعاشات لا يحظى بمساندة شعبية في إسرائيل، ذلك أنه ينعكس سلبًا، حسب غلوبس، على "القطاعات الأكثر حرمانًا في المجتمع الإسرائيلي"، لكنّ وزارة المالية التي يقودها اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريش لا تبدو آبهةً بتلك القطاعات، حيث مضت قدمًا في قرارات التجميد والتخفيض. هذا ومن المتوقع الخميس المقبل أن يتمّ تقديم موازنة العام المقبل 2025 إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي لتمريرها.

يتعرّض نتنياهو لضغوط من مسؤولين كبار في وزارة المالية للموافقة على تجميد الزيادة في الحد الأدنى من الأجور والمعاشات

وتتحدث الأوساط الاقتصادية الإسرائيلية عن ضغوط قوية يمارسها كبار المسؤولين في وزارة المالية على نتنياهو، للموافقة على موازنة العام المقبل، رغم أنها لا تحظى بشعبية بسبب التخفيضات المخطط لها فيها. وذكرت صحيفة غلوبس من بين المسؤولين الذين يضغطون على نتنياهو، المدير العام للمجلس الاقتصادي يوسي شيلي، وآفي سمحون المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء.

وسبق لاتحاد العمال الإسرائيلي المعروف بـ "الهستدروت" أن حذّر خلال مفاوضاته مع وزارة المالية من تجميد الحد الأدنى للأجور. ولا يمكن الجزم ما إذا كان نتنياهو سيستجيب لضغوط كبار المسؤولين في وزارة المالية، أم سيلتقط بحسه السياسي تحذيرات النقابة الأكبر في إسرائيل.

الحد الأدنى للأجور

يرتفع الحد الأدنى للأجور بشكلٍ تلقائي في إسرائيل منذ سنوات، ولذلك يعدّ إلغاء هذا الرفع في 2025 من طرف وزارة المالية، مؤشّرًا على مواجهة الاقتصاد الإسرائيلي لأزمة من المتوقع أن تستفحل كلما طال أمد العدوان على غزة ولبنان.

ويرى متابعون للاقتصاد الإسرائيلي أن التراجع عن رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع العام، سيكون ذا تأثير سلبي على جميع العمال الذي يتقاضون راتبًا يبلغ 5880 شيكل، أي الحد الأدنى للأجر في إسرائيل، خاصةً في ظل موجة الغلاء في الأسعار.

ووفقًا لتوقعات اقتصادية، فإنّ تجميد الحد الأدنى للأجور العام المقبل، سيحرم العمال من زيادة تربو على 300 شيكل شهريًا.

أضرار اقتصاد دولة الاحتلال

وفقًا لتقرير آفاق النمو العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، فإنّ التوقعات بشأن الاقتصاد الإسرائيلي ترجّح انخفاض نمو إلى 0.7 خلال العام الجاري. والسبب في ذلك مستوى الإنفاق العسكري الكبير لتمويل الحرب على غزة ولبنان.

كما أفادت توقعات صندوق النقد الدولي أنّ مستوى الإنفاق الحكومي الإسرائيلي سيكون هو الأعلى، لدعم الاقتصاد من جهة، وتغطية كلفة العدوان من جهة ثانية. يشار إلى أنّ هذه التوقعات تظل غير نهائية بسبب مواصلة إسرائيل عدوانها على غزة ولبنان، وبالتالي استمرار الزيادة في الإنفاق.

تراجع عائدات السياحة

تراجعت السياحة الوافدة إلى "إسرائيل" بأرقام غير مسبوقة، حيث أفادت بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي عن فترة النصف الأول من العام 2024، بأن عدد السياح الوافدين بلغ نصف مليون فقط، مقابل مليوني سائح وافد خلال الفترة نفسها من العام الماضي 2023، بنسبة تراجع بلغت 75 بالمئة.

وتشكل السياحة 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما قيمته 36 مليار دولار أمريكي، في وقت تتجه 10 بالمئة من الفنادق لغلق أبوابها نهائيا بحلول 2025، بحسب تقرير للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية.

وبلغت الأزمة، وفق مركز الدراسات الفلسطيني، إلى حد أن شركات تأمين عالمية، وخاصة أوروبية وأميركية رفضت في أكثر من مناسبة بيع بوليصات تأمين للمسافرين إلى "إسرائيل"، مضيفًا أنه "حينما يجري الحديث عن نصف مليون سائح، واستنادًا إلى تقارير وإحصائيات عبر السنين، فإنه بالإمكان الاستنتاج أن النسبة الأكبر من هؤلاء، هم إما أقارب مواطنين، أو سياحة دينية يهودية".

وكانت آخر مرة سجلت فيها "إسرائيل" ذروة بالسياحة الوافدة في 2019، حينما بلغ عدد السياح الإجمالي 4.5 ملايين، قبل أن تتلقى السياحة ضربة حادة أسوة بدول العالم في العامين التاليين، بفعل جائحة كوفيد-19 العالمية.

عودة التضخم

بينما كانت "إسرائيل" تتحضر لاتباع "الفيدرالي الأميركي" بخفض أسعار الفائدة، بعد هبوط التضخم دون ثلاثة بالمئة خلال الشهور الماضية، إلا أن أسعار المستهلك قفزت مجددًا، فيما قفز تضخم أسعار المستهلك السنوي في "إسرائيل"، عند 3.6 بالمئة خلال آب/أغسطس الماضي، صعودًا من 3.2 بالمئة في تموز/يوليو السابق له، مسجلًا أعلى مستوياته منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وعجزت السوق الإسرائيلية عن تلبية الطلب على سلع حيوية، بصدارة الخضار والفاكهة وبعض السلع المعمرة، بسبب أزمة البحر الأحمر، إلى جانب ارتفاع أسعار السكن، وأرقام التضخم هذه المسجلة في آب/أغسطس الماضي، تعتبر الأعلى منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما سجلت في ذلك الوقت 3.7 بالمئة، وهو أول شهور العدوان الإسرائيلي على القطاع.

وشملت الزيادات البارزة في الأسعار في آب/أغسطس الماضي، الخضروات الطازجة، التي ارتفعت بنسبة 13.2 بالمئة، بسبب استمرار أزمة الملاحة في البحر الأحمر، والنقل بنسبة 2.8 بالمئة، وزيادات في مجموعات أخرى بنسب متباينة.

وتضامنًا مع غزة التي تواجه حرب إبادة جماعية يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، استهدفت جماعة "أنصار الله الحوثي" اليمنية بالصواريخ والطائرات المسيّرة سفن شحن إسرائيلية، أو مرتبطة بها في البحر الأحمر، فضلًا عن استهدافها البوارج الحربية الأميركية المتمركزة في البحرين المتوسط والأحمر.

ومع تسجيل نسب تضخم مرتفعة، تتجاوز هدف بنك إسرائيل البالغ ثلاثة بالمئة، فإن البنك سيدخل في أزمة تحفيز الاقتصاد، والذي يعد أحد أبرز أركانه خفض أسعار الفائدة، وبين الحفاظ على تضخم ضمن السيطرة، والذي يتم برفع أسعار الفائدة.

أزمة عقار

أما أسعار المساكن التي زادت بنسبة 0.9 بالمئة على أساس شهري في مؤشر التضخم لشهر آب/أغسطس الماضي، فهي الزيادة الثامنة على التوالي، بينما بلغت الزيادة 5.8 بالمئة على أساس سنوي. وارتفعت أسعار المساكن والإيجارات في عديد المناطق خاصة وسط "إسرائيل"، لأسباب عدة أبرزها عمليات النزوح من مستوطنات الشمال الحدودية مع لبنان، والنزوح من مستوطنات الجنوب المحاذية لقطاع غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وإلى جانب النزوح من الشمال والجنوب وأثره على أسعار المساكن والإيجارات، فإن غياب أكثر من 90 ألف عامل فلسطيني في قطاع البناء منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أذكى المخاطر من نشوب أزمة نقص عقارات.

وتشير تقديرات لاتحاد المقاولين في "إسرائيل"، إلى أن سوق العقارات قبل الحرب كان يعاني نقصًا بـ40 ألف عامل، بينما اليوم فإنه يعاني نقصًا بـ130 ألف عامل، بسبب غياب العمالة الفلسطينية.

التصنيف الائتماني

إلى ذلك، خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية، تصنيف "إسرائيل" على المدى الطويل "من A+ إلى A"، بعد أيام قليلة من تخفيض وكالة موديز تصنيف "تل أبيب" الائتماني، في ضربة قوية للاقتصاد.

وكالة "ستاندرد آند بورز"، التي تعتبر من أكبر شركات التصنيف الائتماني في العالم، غيرت نظرتها المستقبلية لاقتصاد "إسرائيل" من مستقرة إلى "سلبية"، وأرجعت القرار الصادر، الثلاثاء الماضي، إلى المخاطر الأمنية المتزايدة، في ظل تصاعد الأحدث في الصراع مع "حزب الله"، بالإضافة إلى خطر اندلاع حرب مباشرة مع إيران.

وكانت وكالة "موديز" قد خفضت تصنيف "إسرائيل" الائتماني، الجمعة الماضية، "من A2 إلى Baa1"، وأبقت على نظرتها المستقبلية السلبية حيال التصنيف، بحسب ما ذكرت وكالة "الأناضول"، وكتبت موديز في تقرير أن "المحرك الرئيسي لخفض التصنيف هو وجهة نظرنا بأن المخاطر الجيوسياسية قد تزايدت بشكل كبير، إلى مستويات عالية للغاية، مع عواقب سلبية مادية على الجدارة الائتمانية لإسرائيل في الأمد القريب والبعيد".