03-مارس-2025
تستخدم إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية كورقة ضغط (رويترز)

تستخدم إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية كورقة ضغط (رويترز)

قرار حكومة الاحتلال منع دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة سيؤدي إلى تفاقم معاناة سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة. ويأتي هذا القرار في سياق استخدام إسرائيل للمساعدات الغذائية كسلاح ضغط، بهدف فرض شروطها في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.

فعلى الرغم من الزيادة المؤقتة في المساعدات خلال الهدنة التي بدأت في منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، إلا أن الاحتياجات الإنسانية لسكان القطاع لا تزال ضخمة، في ظل انهيار البنية التحتية ونقص الغذاء والماء والرعاية الصحية.

أشارت المحكمة الجنائية الدولية إلى وجود "أسباب معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل استخدمت التجويع كأسلوب من أساليب الحرب"

 

أثار قرار الحكومة الإسرائيلية بمنع دخول المساعدات إلى غزة استنكارًا واسعًا من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية، التي وصفته بأنه "عقاب جماعي محظور بموجب القانون الدولي".

مستقبل قاتم في ظل المفاوضات المتعثرة

وفي هذا السياق، علّقت مديرة منظمة "بلان إنترناشيونال" بالمملكة المتحدة، كاثلين سبنسر تشابمان، على تداعيات قرار إسرائيل وقف دخول المساعدات إلى غزة، معبرةً عن "هلعها إزاء التقارير التي تفيد بمنع وصول المساعدات الإنسانية مرة أخرى إلى القطاع".

وقالت: "لا تزال غزة غارقة في أزمة جوع كارثية، حيث يحتاج الأطفال بشدة إلى الغذاء والماء والمأوى. وبدون تدفق المساعدات الإنسانية، كما وُعد به بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، قد يلقى الآلاف حتفهم بسبب الجوع والأمراض المرتبطة به وحدها". وأضافت: "بعد أكثر من 15 شهرًا من المعاناة التي لا يمكن وصفها، حصل الفلسطينيون في غزة أخيرًا على بصيص أمل ضعيف".

ودعت قادة العالم إلى "بذل كل ما في وسعهم للتوصل إلى حل فوري ودائم، وضمان وصول المساعدات الإنسانية الضرورية بأمان إلى جميع أنحاء غزة"، مشددةً على أن "أي تقاعس عن ذلك أمر غير مقبول".

تحذيرات من تداعيات القرار

تصريحات تشابمان جاءت في أعقاب إدانات مماثلة من قبل منظمات خيرية أخرى، مثل "أوكسفام" والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، التي تطالب بوصول المساعدات دون عوائق إلى جميع أنحاء قطاع غزة، لتلبية احتياجات الفلسطينيين الذين يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة بعد 16 شهرًا من الحرب.

وأكدت منظمة "أوكسفام" أن "قرار إسرائيل منع دخول المساعدات لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة مع بداية شهر رمضان هو عمل متهور من العقاب الجماعي، المحظور صراحةً بموجب القانون الدولي الإنساني".

من جانبها، أكدت منظمة "أطباء بلا حدود" أن "المساعدات الإنسانية لا ينبغي أن تُستخدم كأداة للحرب"، مشددةً على أن "بغض النظر عن المفاوضات بين الأطراف المتحاربة، فإن سكان غزة لا يزالون بحاجة ماسة إلى زيادة كبيرة في الإمدادات الإنسانية".

وقالت منسقة الطوارئ في المنظمة، كارولين سيجوين: "مرة أخرى، تمنع إسرائيل شعبًا بأكمله من الحصول على المساعدات، وتستخدمها كورقة مساومة. هذا الأمر غير مقبول، ومثير للغضب، وسيؤدي إلى عواقب مدمرة"، وأشارت إلى أن هذه التطورات تسببت بالفعل في ارتفاع أسعار المواد الغذائية داخل القطاع.

بدوره، قال مدير شبكة المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، أمجد الشوا، إن "الوضع الصحي في قطاع غزة كارثي". وأوضح أن مدينة غزة وحدها تحتوي على 180 ألف طن من النفايات الصلبة التي منعت السلطات الإسرائيلية إزالتها، مما أدى إلى فيضان مياه الصرف الصحي. وأضاف الشوا: "يترتب على ذلك آثار صحية خطيرة، خاصة في ظل الظروف المتدهورة التي تعيشها غزة حاليًا".

يذكر أن محكمة العدل الدولية أصدرت أمرًا لإسرائيل بضرورة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، في حين أشارت المحكمة الجنائية الدولية إلى وجود "أسباب معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل استخدمت التجويع كأسلوب من أساليب الحرب"، في إشارة إلى الاتهامات المتزايدة حول استخدام إسرائيل للمساعدات كأداة ضغط سياسي.

اعتراف ضمني

لطالما نفت إسرائيل الاتهامات التي وجهتها إليها المنظمات الإغاثية خلال العملية العسكرية التي استمرت 15 شهرًا في غزة، بشأن استخدامها الغذاء كسلاح حرب، مؤكدةً أن العوائق التي تواجه الإمدادات كانت نتيجة عوامل أخرى. ومع ذلك، لم يحاول مكتب نتنياهو، أمس الأحد، إخفاء أهداف الحكومة الإسرائيلية من منع دخول المساعدات أو تبرير ذلك، بل أوضح أن الهدف الأساسي هو تحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات.

تدمير واسع النطاق ونقص في الإمدادات الأساسية

وفقًا للمنظمات الإغاثية، يعاني سكان غزة من أوضاع معيشية كارثية بعد أن دمرت الحرب 70% من المباني في القطاع، مما أدى إلى تشريد أعداد هائلة من العائلات الفلسطينية. وخلال فترة الهدنة، دخل ما يقارب 600 شاحنة يوميًا محملة بحوالي 57 ألف طن من الغذاء، وهو مستوى مماثل لما كان يصل إلى القطاع قبل الحرب. إلا أن الوضع الآن أكثر خطورة، إذ إن السكان يعانون من سوء التغذية، وفقدوا قدرتهم على إنتاج أي جزء من غذائهم بسبب الدمار الواسع.

وفي ظل استمرار الحصار، شهدت أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفاعًا حادًا، حيث أفاد السكان بأن الأسعار تضاعفت فور إعلان إسرائيل وقف دخول المساعدات. وتشير التقارير الأممية إلى أن 876 ألف فلسطيني في غزة يعانون من مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي، بينما يواجه 345 ألف منهم خطر المجاعة.

نقص المياه وتدهور الوضع الصحي

إلى جانب أزمة الغذاء، تواجه غزة كارثة مائية وصحية تهدد حياة السكان. فقد أشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن الإنتاج المائي لا يتجاوز 25% من مستواه قبل الحرب، مما دفع السكان إلى الاعتماد على الآبار غير الكافية لتلبية احتياجاتهم. كما حذرت منظمات الإغاثة من تراكم 180 ألف طن من النفايات الصلبة في غزة، وسط تعطل عمليات الصرف الصحي، مما يزيد من انتشار الأمراض والأوبئة.

أما القطاع الصحي، فهو يمر بأسوأ أزماته، حيث تشير التقارير إلى أن 80% من البنية التحتية الصحية قد دُمرت، وأن 1000 من الكوادر الطبية قتلوا خلال الحرب. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، هناك 14ألف فلسطيني بحاجة ماسة إلى إجلاء طبي، من بينهم 4,500 طفل، وهو أمر بات شبه مستحيل في ظل استمرار الحصار.

إدانة دولية واستمرار التوترات

من جانبه، أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، داعيًا إلى استئناف فوري للمساعدات الإنسانية وضمان وصولها دون عوائق إلى المحتاجين.

في ظل هذه التطورات، لا تزال مفاوضات وقف إطلاق النار تواجه عقبات كبيرة، حيث تسعى الدول العربية في القمة المقبلة في القاهرة إلى التوصل إلى خطة إعادة إعمار طويلة الأمد. ومع ذلك، فإن استمرار الحصار وتشديد القيود على المساعدات يثير تساؤلات حول جدوى أي جهود دبلوماسية لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة.

بينما تستمر إسرائيل في تصعيدها والتهديد بالعودة للحرب، يواجه سكان غزة أوضاعًا كارثية تهدد حياتهم اليومية. فبدون تدفق المساعدات الإنسانية، ومع انهيار البنية التحتية الأساسية، تزداد المخاوف من وقوع كارثة إنسانية قد تكون الأسوأ في تاريخ القطاع.