07-مارس-2020

يدخل لبنان مع إعلان الإفلاس في حالة اقتصادية معقدة (Getty)

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية، حسان دياب، تعليق سداد الاستحقاقات المالية على بلاده والبالغة 4.6 مليار دولار خلال عام 2020، وذلك بدءًا من الاستحقاق القادم الذي كان من المفترض سداده بعد يومين في 9 مارس/آذار الجاري، وهو ما يوصف اقتصاديًا بحالة الإفلاس.

إن قرار الحكومة اللبنانية بالتوقف عن دفع سداد أقساط الديون هو ما يوصف إعلاميًا بقرار الإفلاس، وهو قرار سيكون له تبعات كبيرة

وفي خطاب تلفزيوني ألقاه مساء السبت، قال دياب إن الدين العام المُستحق على بلاده تخطى 90 مليار دولار تزامنًا مع تدني الاحتياطي بالعملة الصعبة، والذي أدى إلى الضغط على الأوضاع الاقتصادية للبنانيين، مُشيرًا إلى تقديرات البنك الدولي التي تتنبأ بوصول نسبة الفقر بين الشعب اللبناني إلى أكثر من 40 بالمائة، والذي حمل مسؤوليته لما قال إنها "السياسات المطبقة التي ثبت عجزها"، موضحًا بأن كل 1000 ليرة من إيرادات الدولة يذهب أكثر من 500 ليرة منها على خدمة الدين، وهو النهج الذي لم يكن ممكنًا أن يستمر بعد أن بات لبنان على مشارف أن يصبح البلد الأكثر مديونية في العالم نسبة إلى حجم الاقتصاد.

اقرأ/ي أيضًا: اليوروبوندز على الأبواب.. لبنان يدفع، لا يدفع؟

وفي إشارة إلى مسؤولية القطاع المصرفي عما وصل إليه الاقتصاد قال دياب "إننا لا نحتاج قطاعًا مصرفيًا يفوق بأربعة أضعاف حجم اقتصادنا، ويجب إعداد خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وسنعمل على حماية الودائع في القطاع المصرفي خاصة ودائع صغار المودعين الذين يشكلون أكثر من 90% من الحسابات، وعلينا وقف النزيف المالي وسنقدم مشروع قانون لتنظيم العلاقة بين المصارف والعملاء لتصبح أكثر عدلًا وإنصافًا".

ومن الجدير بالذكر أن القطاع المصرفي اللبناني يعتبر سادس أكبر نظام مصرفي في العالم من حيث حجم الأصول نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وكان من المفترض أن تُسدد الحكومة القسط المستحق لما يُسمى بـ "سندات يوروبوندز" يوم الاثنين القادم، وهي سندات خزينة بالعملة الأجنبية، كانت تبلغ قيمة قسطها 1.2 مليار دولار منها ما يقرب من 800 مليون دولار لدائنين بالخارج، بينما يستحق للبنوك والمصارف المحلية الجزء الآخر.

ووصف دياب قرار بلاده بالقرار الصعب الذي جاء بعد دراسات معمقة لعدد من الخيارات المتاحة، وكان هذا القرار هو اليوم السبيل الوحيد لوقف نزيف الاقتصاد، والذي سيتزامن مع إطلاق برنامج شامل للإصلاحات، موضحًا بأنه لم يكن في استطاعة الحكومة الدفع للدائنين في الخارج بينما يعجز اللبنانيون عن الحصول على أموالهم من المصارف أو تأمين الرعاية الصحية أو شراء الخبز.

وفي حديث للجهات الأجنبية لا سيما الدائنين، قال رئيس الحكومة "إن الدولة غير قادرة على تسديد الاستحقاقات المقبلة، وستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها بما يتناسب مع المصلحة الوطنية عبر خوض مفاوضات حسنة النية"، مُشيرًا إلى أن أكثر من 50 دولة تخلفت عن سداد ديونها ومن ثم طبقت الإصلاحات اللازمة وقد تعافت من أزمتها، وهو الذي تُصمم عليه الحكومة اللبنانية عبر برنامج إصلاحي يرتكز على معالجة الدين.

وفي حديث لـ "ألترا صوت"، قال الباحث والخبير الاقتصادي وائل جمال "إن قرار الحكومة اللبنانية بالتوقف عن دفع سداد أقساط الديون هو ما يوصف إعلاميًا بقرار الإفلاس، وهو قرار سيكون له تبعات كبيرة لأنه سيتبعه توقف الدائنين عن إقراض الحكومة كمثل أي مقترض يُعلن عن عدم تسديد ديونه، فيتوقف الدائنون عن إعطائه المزيد من القروض، ومشكلة ذلك في الحالة اللبنانية وغيرها من الدول التي تعتمد على الاقتراض لسداد ديون قديمة أو تمويل العمليات الجارية للحكومة، أن الدولة تواجه مباشرة عجزًا كبيرًا في الموارد اللازمة للوفاء بالنفقات الجارية خاصة في حالة وجود عجز كبير في الموازنة، كما هي الحال في لبنان، كما يمكن حدوث بعض الإجراءات الأخرى مثل تجميد أرصدة الدولة في الخارج، وإذا كانت هناك أصول حكومية أو أرصدة للبنوك الحكومية في الخارج أو أي عوائد من أنواع أخرى ستتعرض للتجميد.

ويوضح جمال قائلًا: "خطورة هذه العملية وتلك الإجراءات أنها من الممكن أن تتسبب في سقوط حر لليرة اللبنانية وهو ما يستتبعه اتخاذ إجراءات عاجلة وضرورية لضمان استقرار العملة، كذلك في حال اعتماد الدولة على الاستيراد لتوفير الاحتياجات والسلع مثل المواد البترولية في لبنان، يكون هناك صعوبة في توفير هذه السلع للمواطنين، وهي سلع ضرورية للإنتاج والحركة والحياة لو كانت متعلقة بأشياء مثل الأدوية أو القمح أو الغذاء".

اقرأ/ي أيضًا: المصارف اللبنانية: إذلال الناس أو الإضراب

ويُشير الباحث إلى تاريخ مثل هذه الحالات، قائلًا "إن موضوع التوقف عن سداد الديون كان أمرًا شائعًا قديمًا قبل منتصف القرن العشرين وتكرر في سبعينات القرن الماضي خلال أزمة الديون العالمية، ولكن الآن أصبح الوضع أصعب بعد تطور النظام الرأسمالي العالمي والاعتماد على موضوع الإقراض، حيث أصبحت هناك صعوبة مكثفة بإعلان عدم السداد مهما كانت العواقب، والدول التي حدث فيها ذلك بشكل اضطراري مثل الأرجنتين لا تزال تعاني حتى هذه اللحظة من تبعاته حتى بعد الاتفاق على إعادة الهيكلة مع صندوق النقد الدولي والدائنين، ولا يزال هناك مشكلة سداد عندهم وغالبًا ستحتاج إلى إعادة هيكلة مرة أخرى".

في خطاب تلفزيوني ألقاه مساء السبت، قال دياب إن الدين العام المُستحق على بلاده تخطى 90 مليار دولار تزامنًا مع تدني الاحتياطي بالعملة الصعبة

النقطة الأهم والأخطر وفق وصف جمال هي المتعلقة بالمستقبل، حيث يشير إلى "المسألة الخاصة بإدارة المرحلة القادمة في مواجهة الضغوط، والسؤال حول من سيدفع الثمن وسيتحمل عواقب الاتفاقات القادمة مع الدائنين، هل سيتحمل عواقبها الناس والشعب في إطار خطة تقشفية وزيادة الضرائب على الشعب وتخفيض الأجور لتوفير الأرباح للقوى المحلية والدولية المالية المستفيدة والمسيطرة على الدين؟ أم أنك ستفعل إجراءات أخرى لتمكين هذه الفئات من الحياة بمعيشة أفضل تتحمل عواقبها الطبقات الأكثر ثراءً؟".