02-ديسمبر-2019

طالب المحتجون اللبنانيون بوقف التلكؤ في تشكيل الحكومة (Getty)

انطلقت أمس الأحد، مسيرات ضخمة وتجمعات كبيرة في شوارع وساحات لبنان، في اليوم السادس والأربعين للانتفاضة تحت اسم "أحد الوضوح"، مُطالبين السُلطة بالكف عن التلكؤ في تشكيل الحكومة والبدء في تنفيذ مطالب الحراك، ذلك التحرك الذي تُصاحبه ظروف اقتصادية وسياسية متأزمة قابلتها السُلطة بكثير من التجاهل والمراوغة والقمع.

أصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا دعت فيه الجيش ومخابرات الجيش والشرطة العسكرية بوضع حد لما وصفته بعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب

وفي تمام الساعة الثانية ظُهرًا تجمع المئات من المتظاهرين عند كل من المتحف الوطني، وساحة ساسين والمصرف المركزي حيث اتجهوا إلى ميدان السوديكو للتجمع الكبير الذي انطلق نحو ساحتي الشهداء ورياض الصُلح حيث الاعتصام تحت اسم "أحد الوضوح"، رافعين عدة مطالب كان منها "تشكيل حكومة انتقالية لا تتمثل فيها أحزاب السُلطة تقوم باتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الانهيار الاقتصادي، واستقلال القضاء ليقوم بملاحقة الفاسدين واستعادة الأموال المسروقة، وإسقاط فزّاعة الحرب الأهلية التي رددتها أحزاب السُلطة، والتأكيد على وحدة الانتفاضة الشعبية وسلميتها ورفض العنف تجاهها من قبل أفراد منتمين للأحزاب"، في الوقت الذي تجمع الآلاف من المتظاهرين في ساحات الاعتصام في كل من طرابلس وصيدا وبعلبك والنبطية والشوف، رافعين لافتات وشعارات تدعو لاستكمال الانتفاضة التي انطلقت في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: الثنائي الشيعي في واقع الانتفاضة اللبنانية

على صعيد آخر، انطلقت مسيرتان متعارضتان نحو القصر الجمهوري في بعبدا، حيث وصلت مسيرة من المتظاهرين ضد السُلطة الحاكمة للتظاهر أمام القصر، في الوقت الذي تجمع المئات من داعمي رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، دعا إليها التيار الوطني الحُر رافعين صوره ولافتات مؤيدة له ولصهره وزير الخارجية في وزارة تصرف الأعمال، جبران باسيل، وقامت فرقتان من قوات الجيش بصنع فاصل بين التجمعين منعًا لحدوث أية مواجهات أو اشتباكات، إلا أن اشتباكات محدودة قد وقعت بين الطرفين من ناحية ومناوشات أخرى بين بعض المتظاهرين المعارضين وقوى الجيش من جهة أخرى مما أدى إلى إصابة بعض المتظاهرين.         

وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت بيانًا حصل "ألترا صوت" على نسخة منه دعت فيه الجيش ومخابرات الجيش والشرطة العسكرية بوضع حد لما وصفته بعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة للمتظاهرين السلميين. حيث قالت بأنه قد جرى اعتقال العشرات من المحتجين من قبل الجهات السابقة في جميع أنحاء لبنان وإن كثير من هؤلاء قد تعرض للضرب المبرح والإهانات والإذلال وعصب العينين والاعترافات القسرية والاحتجاز في أماكن مجهولة، حيث تم منعهم من التواصل مع المحامين أو الاتصال بعائلاتهم، أو تلقي الرعاية الطبية، وتمّ تفتيش هواتفهم، كما تعرض شخصان لعمليات إعدام وهمية، وفق ما قال البيان.

وقد شهدت العاصمة بيروت توترًا كبيرًا بين المتظاهرين وقوات الأمن بعد انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لعملية القبض على الناشطة دانا حمود يوم الجمعة الماضي أمام المصرف المركزي بعد مشادة بينها وبين أحد ضباط الشرطة، وقد تجمع العشرات من المتظاهرين أمام بوابة ثكنة الحلو التي قيل بأنها مُحتجزة أمامها حيث وقعت اشتباكات بالأيدي بين قوات الشرطة والمتظاهرين. لاحقًا أطلقت السُلطات السبت سراح الناشطة بعد توقيعها على تعهد بعدم التعرض لقوات الأمن حيث تم استقبالها بمظاهرة كبيرة بمنطقة الأشرفية.

وكانت مظاهرات مضادة أخرى قد اندلعت اليومين الماضيين صابها جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي كان محورها اللاجئين والنازحين في لبنان، حيث  شهد مقر سفارة الاتحاد الأوروبي بمنطقة زقاق البلاط بالعاصمة بيروت تجمع فريقين من المتظاهرين طالب الأول بعودة النازحين السوريين والفلسطينيين إلى بلادهم رافضين توطينهم ومحملينهم مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وقد أفادت إحدى المشاركات إلى أن وفد منهم قد توجه إلى المسؤولين بالسفارة لتقديم رسالة بهذا الشأن، بينما ندد الفريق الثاني الذي تظاهر في مواجهتهم بتلك الشعارات التي وصفوها بالعنصرية وغير الإنسانية رافضين تحميل النازحين مسؤولية الأزمة الاقتصادية ورافضين أيضًا المطالبات بترحيلهم، حيث إن أرض بعضهم مُحتلة في فلسطين والآخرين ينتظرهم خطر شديد على حياتهم في سوريا.

كما انطلقت السبت مسيرتان نسائيتان من منطقتي "الأشرفية" وخندق تحت شعار "الجار قبل الدار" حاملين ورود بيضاء، بعد مظاهرة مماثلة بين نساء منطقتي "عين الرمانة" و"الشياح" للتنديد بالدعوات الطائفية التي خرجت على مواقع التواصل على إثر المناوشات التي حدثت بين سكان عين الرمانة والشياح، قائلين بأن الفتنة الطائفية ودعوات الحرب الأهلية هي صنيعة السُلطة وأحزابها للقضاء على الحراك وإن لبنان يحتاج شبابه في بنائه وليس لقتال بعضهم بعض.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لا توجد قيادة للانتفاضة في لبنان؟

تأتي كل تلك التحركات والتوترات بينما لا يزال الوضع السياسي ضبابيًا بعد تأجيل الاستشارات النيابية المُلزمة الممهدة لتشكيل الحكومة الجديدة، تلك الاستشارات التي قالت مصادر سياسية إنها كان من المفترض أن تتم الأسبوع الماضي إلا أن ذلك لم يتم وسط أنباء عن خلافات حادة بين أضلع السلطة حول شكل ومضمون الحكومة القادمة، وتمسك بعض الأحزاب بتمثيلها في الحكومة لتكون حكومة "تكنو سياسية"، في الوقت الذي يصر البعض الآخر على أن تكون تكنوقراط بشكل بحت.

لا يزال الوضع السياسي في لبنان ضبابيًا بعد تأجيل الاستشارات النيابية المُلزمة الممهدة لتشكيل الحكومة الجديدة، التي قالت مصادر سياسية إنها كان من المفترض أن تتم الأسبوع الماضي

وهو ما أثر على الأزمة الاقتصادية وزاد الوضع تأزيمًا وأثّر على سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة اللبنانية، حيث وصل سعر الدولار الأمريكي إلى 2300 ليرة لبنانية في السوق السوداء مقابل 1500 ليرة فقط في السعر الرسمي، وهو ما اثّر على كل جوانب الحياة في لبنان.