أضيف الملف اللبناني إلى مهمات الدبلوماسي الأميركي توماس براك، الذي يحمل الجينات اللبنانية و"الحمض النووي اللبناني الجميل "على حد تعبيره، إلى جانب مهمته الأساسية كسفير لبلاده في تركيا وموفد خاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب في سوريا.
قام براك بإطلالته الأولى على الساحة اللبنانية، حيث حطّ في بيروت كبديل للمبعوثة السابقة مورغان أورتاغوس، في مرحلة حسّاسة من تاريخ الشرق الاوسط الذي يشهد أعنف حرب منذ عقود، بين إسرائيل وإيران، والتي تشبه في تداعياتها الحروب العربية الإسرائيلية في عامي 1967 و1973.
وعلم موقع "الترا صوت" من مصادر رسمية لبنانية، أن براك أبلغ المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم أنه سيتابع الملف اللبناني في هذه المرحلة إلى حين تعيين شخص بديل عنه، وقد تكون له زيارة ثانية إلى بيروت قريبًا.
لبنان خارج الحرب
شغلت الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران حيّزًا كبيرًا من المباحثات، حيث ركّز باراك، بحسب معلومات "الترا صوت"، على ضرورة تجنيب لبنان الدخول فيها، ومواصلة كل الإجراءات التي يقوم بها لبنان الرسمي.
علم موقع "الترا صوت" من مصادر رسمية لبنانية، أن براك أبلغ المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم أنه سيتابع الملف اللبناني في هذه المرحلة إلى حين تعيين شخص بديل عنه
وسمع براك كلامًا واضحًا من المسؤولين اللبنانيين، في القصر الجمهوري والسراي الحكومي وعين التينة وكليمنصو، أن لبنان ليس في وارد الدخول في آتون الحرب الدائرة.
كما نقل براك رسالة أميريكة صريحة حول خطورة تورّط لبنان، قائلًا بوضوح ردًا على سؤال حول احتمال دخول حزب الله في الحرب القائمة: "علينا أن نناقش الأمر لكن أستطيع أن أقول نيابة عن الرئيس ترامب، وهو كان واضحًا جدًا في التعبير عنه، إن ذلك سيكون قرارًا سيئًا للغاية".
حزب الله: لسنا على الحياد
التحذير الأميركي للبنان قابله موقف عالي السقف من حزب الله، الذي أعلن أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أنّنا "لسنا على الحياد وسنكون إلى جانب إيران بكل أشكال الدعم"، داعيًا "كلَّ الأحرار والمستضعفين والمقاومين والعلماء وأصحاب الرأي السديد إلى رفع الصوت عاليًا والالتفاف حول القيادة الأشرف والأنبل للإمام الخامنئي"، وفق تعبيره.
وشدّد قاسم، على أنّنا "إلى جانب إيران في مواجهة هذا الظلم العالمي لأنَّنا مع استقلالنا وتحرير أرضنا وحريَّة قرارنا وخياراتنا"، مضيفًا أنًنا "نُعبّر عن موقفنا إلى جانب إيران وقيادتها وشعبها ونتصرف بما نراه مناسبًا في مواجهة هذا العدوان الإسرائيلي الأميركي الغاشم".
هذا الموقف يعيد لبنان إلى دائرة المواجهة بطبيعة الحال إذا قرّر الحزب الدخول في مواجهة جديدة مع إسرائيل دعمًا لإيران. وإن كانت كل المؤشرات الميدانية تستبعد قدرته على فتح جبهة جنوب لبنان بعد استبعاده من منطقة جنوب الليطاني بالكامل، تنفيذًا لاتفاق وقف اطلاق النار والقرار 1701. إلا إذا كان لدى الحزب خيارات أخرى لدعم طهران عسكريًا.
مسؤولية إسرائيل
يشكّل لبنان محطة اهتمام لواشنطن من منطلق موقعه الجغرافي على حدود فلسطين المحتلة، والسعي الأميركي الدائم لضمان أمن إسرائيل، لا سيما عند حدودها الشمالية.
وفيما توفّر الولايات المتحدة كل الدعم الذي تطلبه تل أبيب، سمع براك في لبنان تحميلًا مباشرًا لإسرائيل مسؤولية عدم تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل، من خلال استمرارها باحتلال التلال الخمس في جنوب لبنان.
وأن اجراءات الجيش اللبناني لسحب السلاح من منطقة جنوب الليطاني وتطبيق كامل بنود القرار 1701 اصطدمت برفض إسرائيل الانسحاب من المناطق اللبنانية المحتلة، وأن المدخل للحل وبسط سلطة الدولة اللبنانية يبدأ بشكل أساسي من فرض واشنطن على تل أبيب الانسحاب الكامل وغير المشروط، وحينها يمكن الحديث عن موضوع حصر السلاح وتقوية موقف الدولة اللبنانية. وهذا الموقف أعلنه أمام براك رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي أخذ على عاتقه مسألة الحوار مع حزب الله حول سلاحه.
براك الهادئ
وبناء على هذا المشهد السياسي والعسكري المعقّد، يكتسب الحراك الاميركي على خط لبنان أهمية خاصة. وفي هذا السياق، أشارت مصادر حكومية لبنانية، لـ"الترا صوت"، إلى أن "أجواء براك خلال زيارته كانت إيجابية، وكان هادئًا في طروحاته".
وشدد على أهمية مواصلة الدولة اللبنانية القيام بالإصلاحات التي بدأت بها وبسط سيادتها الكاملة على كل أراضيها.
وشرح رئيس الحكومة نواف سلام لبراك، بحسب المصادر، الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة اللبنانية، وأنه مستمر بتطبيق هذه الخطوات، التي أيّدها براك وأعلن استعداد واشنطن مساعدة لبنان في كافة المجالات، والمهم الاستمرار بهذا المسار.
ضبط الحدود مع سوريا
على صعيد آخر، حضر ملف الحدود اللبنانية السورية بشكل أساسي في اللقاءات. وانطلاقًا من مهمته السورية أولًا، تطرّق براك إلى ضرورة التعاون مع سوريا لضبط الحدود بين البلدين وترسيمها.
ولفتت المصادر الحكومية إلى أن الرئيس سلام أكد أمام براك أن لبنان حريص على عدم الانخراط بالحرب الدائرة، والتنسيق مع سوريا من أجل ضبط الحدود، التي تشهد انضباطًا كبيرًا بعد كل الاجتماعات التي حصلت والتنسيق والتعاون بين البلدين، وأن هذه الإجراءات مستمرة.
ولا بد من التوقّف باهتمام عند المهمة اللبنانية السورية المشتركة في جعبة براك، وعمّا إذا كان الأميركي يقارب الملفين بتلازم. وإلا ما سبب إحالة لبنان إلى الموفد الرئاسي نفسه وعدم تعيين مبعوث آخر لمتابعة الاستحقاقات اللبنانية الكثيرة والمتشعّبة من الأمن إلى السياسة والاقتصاد والإصلاحات؟
"لقاء رائع"
سُئِل السفير براك لحظة وصوله من القصر الجمهوري إلى مقرّ الرئاسة الثانية، عن أجواء لقائه برئيس الجمهورية، فأجاب بكلمة واحدة رائع (Fantastic).
هذا الإطراء الأميركي غير المألوف قد يعكس لباقة دبلوماسية من سفير متمرّس، لكنه يثير تساؤلًا مشروعًا: إلى أي مدى ستكون الأيام المقبلة "رائعة" فعلًا بالنسبة للبنان، في ظل التطورات الإقليمية الخطيرة؟ وهل سينجو البلد من تبعاتها فعلًا؟