24-فبراير-2020

من مسلسل الهيبة

بسبب أحداث الربيع العربي التي هزت استقرار شعوب المنطقة العربية على التوالي في تواريخ عدة منذ أواخر 2010، وأدت إلى ارتفاع حدة التفاعل بين الشعوب العربية بفعل إغلاق حدود وفتح أخرى بين الدول التي شهدت ثورات وانتفاضات وحروب أهلية؛ منذ ذلك الوقت، وحتى انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر في لبنان، بدأت العلاقة بين الدراما اللبنانية والسورية والمصرية تتخذ أشكالًا أكثر تداخلًا فيما بينها، وبدأت الدراما بشكل عام تنفتح على بعضها البعض عابرة كل الحدود طارحة قضايا عابرة للدول وتمس شرائح عربية مجتمعية كبيرة.

التفاعل الحاصل بين الدراما اللبنانية والسورية أغنى الدراما بشكل عام، وأوصلها إلى شرائح أكبر من الجمهور. المدير التنفيذي في شركة فالكون فيلمز المنتج رائد سنان قال لموقع "ألترا صوت": "الفن مثله مثل الرياضة ليس له لا دين ولا هوية واحدة، وليس هناك تفريق بين دراما لبنانية أو سورية، فكل أحد يمكن أن يضيف للعمل فني يعتبر بمثابة عامل إثراء للعمل الفني".

كان السوق اللبناني متنفس جيد للدراما السورية، وفي ذات الوقت استفاد لبنان من خبرات السوريين

يضرب سنان مثالًا عن الإنتاجات في هوليوود بقوله "نجد أن ممثلًا أتى من أستراليا إلى أمريكا للتمثيل في هوليوود، ولا نسمع أي أحد يتحدث عن كونه من أستراليا، أو من أصول وأعراق غير أمريكية، فنجد راسل كرو من أستراليا، وفاندام من بلجيكا، وأرنولد شوارزينيغر من النمسا.. وأعمالهم تحظى بمبيعات عالية في شباك التذاكر".

اقرأ/ي أيضًا: "بدون قيد".. دراما عن هوية ومصائر السوريين

يؤيد سنان الإنتاجات الدرامية المشتركة شرط ألا تكون الأحداث معلبة، ففي أحد المسلسلات ثمة عائلة واحدة من ثلاثة أخوة، وقد أدى أدوارهم ثلاثة ممثلين من جنسيات مختلفة لبنانية ومصرية وسورية، وهذا ما يربك العمل والمشاهد على حد سواء حسب قوله.

بالنسبة له، فالإنتاجات المشتركة على صعيد الشركات الإنتاجية أيضًا أمر جيد، فكل شركة إنتاجية لديها خبرة السوق المحلية لناحية الممثلين المحليين ومواقع التصوير والمخرجين المتاحين وطبيعة الجمهور المحلي والتسويق وغيرها من العناصر الأسياسية لنجاح الإنتاج.

وبرأيه، حين يكون هناك عمل مشترك يتطلب التصوير في أكثر من بلد فيفضل أن يكون هناك تعاون بين شركات الإنتاج المختلفة التابعة للبلدان تلك للخروج بأفضل منتج درامي. فكل الأطراف مستفيدة من الإنتاجات المشتركة إما لناحية زيادة عدد القنوات التي ستعرض هذه الأعمال المشتركة، وبالتالي الوصول إلى شريحة أكبر من الجماهير في عدة دول، وتقديم الأفضل لهذا الجمهور حيث بإمكانه مشاهدة أفضل الممثلين من عدة دول كسوريا ولبنان ومصر على سبيل المثال، مما يغني المحتوى الدرامي.

وهناك استفادة أيضًا للممثلين من هذه الإنتاجات المشتركة، ففي سوريا، عندما بدأت الاضطرابات التي رافقت الثورة تتصاعدُ بدأ التراجع في الإنتاج الدرامي بشكل ملحوظ، وكان السوق اللبناني متنفس جيد للممثلين والإنتاج السوري للدخول إليه، وفي ذات الوقت استفاد لبنان من خبرتهم في الدراما ما رفع من جودة الدراما اللبنانية، ويمكن القول بأنها معادلة وفق "رابح - رابح" والكل مستفيد.

النجم السوري

قبل دخول العنصر السوري كان المسلسل اللبناني ضعيفًا، والمسلسل اللبناني بكل عناصره صناعة وطنية بامتياز من كل النواحي. سبب الضعف مرده أن لبنان بلد صغير وقدراته الإنتاجية محدودة، وغير قادر على تقديم إنتاجات ضخمة لأن السوق اللبناني محدود ولا يستوعب الإنتاجات الضخمة. وطالما أن إنتاج المسلسل محدود وغير ضخم فذلك سيترك نقصًا في العديد من العناصر، وسيفتقد لعدد من المعايير الإنتاجية ما يضعف العمل الدرامي، وحين يتسم العمل بالضعف يصعب حينها عليه خرق الأسواق العربية ومنافسة باقي الإنتاجات الضخمة. لهذه الأسباب كان المسلسل اللبناني دائمًا متقوقعًا داخل الجغرافيا اللبنانية، مما جعل عجلة الدراما اللبنانية بطيئة مقارنة بدول أخرى حصلت فيها قفزات مميزة في الإنتاج.

الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية التي جرت بعيد ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر أثرت بشكل كبير على الإنتاج الدرامي في لبنان

يرى سنان، أن "دخول العنصر السوري مع النجوم السوريين الذين يحظون بقاعدة جماهيرية عربية جعلت المسلسل اللبناني الذي يعمل فيه نجوم سوريين وسوريات يحظى بمجال مشاهدة أكبر وجمهور أوسع مما أدى إلى انتشار المسلسل اللبناني في الوطن العربي". ويضيف "طالما أن المسلسل يعود بمردود مالي أكبر فسيؤدي ذلك إلى الاستثمار أكثر في المجال الدرامي وزيادة النفقات وتحسين جودة العمل الدرامي من النواحي الإنتاجية كافة".

الدراما اللبنانية بعد الانتفاضة اللبنانية

الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية التي جرت بعيد ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر أثرت بشكل كبير على الإنتاج الدرامي في لبنان. يرى سنان أن الإنتاج انخفض إلى الربع، أي بمقدار تراجع ثلاثة أرباع عن المسلسلات اللبنانية التي كان من المتوقع عرضها في رمضان. وأما المسلسلات المشتركة فما تزال قيد التنفيذ ويعود ذلك لارتباطها بعقود مع المحطات العربية.

اقرأ/ي أيضًا: نبتدي منين الحكاية.. دراما الطبقة المخملية السورية

وذكر "أن هناك مشكلة تمويلية كبيرة تعاني منها المحطات اللبنانية حيث تسود أحاديث عن عدم قدرة بعض المحطات اللبنانية على شراء المسلسلات الدرامية اللبنانية لعرضها في رمضان 2020 على شاشاتها".

وأما بخصوص مستقبل الدراما في لبنان والمنطقة العربية، فيشرح المنتج رائد سنان أن المستقبل واعد بالنسبة لإنتاج الديجيتال، فكلما ازدادت الأوضاع الاقتصادية صعوبة، وفي ظل تراجع الإعلانات، وانخفاض تمويلات المحطات، سيؤدي ذلك إلى تقليص حجم النفقات على الإنتاجات الدرامية المخصصة للمحطات التلفزيونية. أما إذا أردنا الوصول إلى دراما لبنانية وعربية قوية فلا بد من الانتقال إلى إنتاجات الديجيتال على طريقة نتفليكس التي صارت منصة عالمية، مما يخلق إيرادات مالية مباشرة من المشتركين/الزبائن الذين يودون متابعة هذه المنصات، دون الدخول في وسيط التلفزيونات والإعلانات وغيرها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدكتاتور العربي في دراما وليد سيف

جمال سليمان: السوق لا يريد أن يتحدث عن سوريا