19-يوليو-2017

من وقفة سابقة ضد العنصرية في بيروت

عدتُ من لبنان أمسِ مملوءًا بالتوتر والغضب والسخط، في الوقت الذي يعود فيه المغترب عادةً من بلده الأمّ إلى مكان إقامته بكثير من مشاعر الحب والحيرة الدافعين إلى إنهاء تغربه، والعودة إلى الاستقرار في مكانه الطبيعي.

تتعامل البيئة اللبنانية مع اللاجئ السوري كآفة أو عنصر خطر

جاء ذلك نتيجة ما شاهدته بنفسي من مآسٍ يعيشها اللاجئون السوريون، لا سيما في منطقة البقاع، حيث تعيش عائلتي، وحيث قضيت الوقت الأكبر من إجازتي، ما أتاح لي الكثير من الفرص للالتقاء بالكثيرين منهم والاستماع إلى قصصهم، ومعاينة الواقع اللاإنساني الذي يعيشون فيه، وفوق كل ما هو فيه هناك بيئة كارهة تصر على التعاطي مع "السوري" كآفة وعنصر خطر، بالرغم من مساهمات اللاجئين في ازدهار الكثير من الاعمال التجارية.

اقرأ/ي أيضًا: اقتل سوريًا... أسبوع الكراهية

لم يختلف الأمر في مشاهداتي في البقاع أو في بيروت، أو في سواها، فاللاجئون السوريون خائفون ويعرفون تمامًا أنهم يعيشون على كف عفريت، اسمه لبنان، لا يكرمهم إلا بتقديم ما هربوا منه من ذلّ وهوان وخوف، وما ظنوا أنهم تركوه خلفهم في بلدهم المحترق.

في الوقت ذاته، سمعت أحاديث لبنانية داخلية عديدة، تعلق كل الأزمات على اللاجئين السوريين، بما يوحي أنهم كانوا يعيشون في جنة عدن قبل استضافة هؤلاء المدنيين من مستضعفي الحرب.

الغريب أن اللبنانيين لا يوفرون فرصة السؤال عن الطرق الأفضل للحصول على إقامة في أوروبا. ضمن هذا التناقض، بين بلد بمثابة "جنة" لمواطنيه يخربه شيطان اللجوء، وبين بلد "جحيم"، بالنسبة للمواطنين أنفسهم، لا ينقذهم منه إلا الهروب إلى أوروبا؛ بات اللبناني يعبّر عن أزمة حقيقية، لكنه يأبى الاعتراف بها. ويضع كل الوزر على اللاجئ السوري، رغم معرفة جميع اللبنانيين أن بلدهم حصل على مليارات الدولارات بسبب هؤلاء، وفوق هذا لم تصل إليهم، بل هم مأكولون مذمومون. ثم تجد أن إعلام مختلف أقطاب وفرقاء السياسة اللبنانية متفق على تعبير "النازح السوري"، لا "اللاجئ السوري"، والهدف من ذلك هو عدم تقديم المساعدة اللازمة والمستحقة للاجئين.

لم أستغرب الفيديو الذي انتشر أمس على وسائل التواصل الاجتماعي، فالجو اللبناني في الفترة الأخيرة يشهد جذبًا على هذا الصعيد، ترافق مع تصاعد دعوات القوى السياسية لإعادة اللاجئين الى سوريا، معطوفًا على غزوة الجيش اللبناني لمخيم عرسال، و"حوادث" الحرائق في بعض مخيمات البقاع. ولن يكون مستغربًا أن تحصل مثل هذه الأعمال اللاإنسانية نتيجة الشحن العام ضد السوري، وهي أجواء يشارك فيها الجميع، باستثناء قلة من العقلاء لا تجد من ينصت لها.

هذه الحوادث وما سبقها تجعلني أتساءل كلبناني: ما هو مستقبل العلاقات بين البلدين؟ هل سنكون يومًا مثل الكوريتين؟ أو مثل دول البلقان؟ وجوابي نعم، دم الحاضر وألمه سيظل صداه يتردد في المستقبل، وكل ما نفعله اليوم هو توريث الكراهية لأبناء الأيام القادمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"يا غريب كون أديب".. حملة عنصرية مسعورة ضد السوريين في لبنان

ديك "النهار".. حين يتقيأ عنصرية ضد السوريين