04-أبريل-2017

دير سيدة النورية (غسان العلي/Panoramio)

يستظل دير سيدة النورية بالجبال، ويستظل البحر بدير سيدة النورية. وينير الدير كل من الجبال والبحر والبيوت القريبة والبعيدة وقلوب المؤمنين الذين يقصدونه من لبنان والعالم بحثًا عن السلام. بُني الدير في منطقة حامات على ساحل منطقة البترون قبل خمسة قرون ومنحته "الأعجوبة" اسمه. وشُيّد على جرف صخري شاهق ومن تحته بحر يلتقي معه في زاوية تسعين درجة، بعد أن كان الظهور المفاجئ، وجاء الاسم الذي أصبح وجهةً محلية وعربية وعالمية لتقديم النذور وتلاوة الصلوات والتعبد.

كنيسة الدير التابعة للروم الأرثوذكس، يزورها المؤمنون من ديانات مختلفة ويرفعوا الصلاة والدعاء كل على طريقته وبلغته فيها

ارتفعت جدران دير سيدة النورية بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر بسواعد شديدة ومن الحجارة الصخرية قمحية اللون لتلتف حول باحة داخلية مكشوفة للشمس تتوسطها نافورة، ومن فوقها التقت القناطر في سقف معقود، فحمل اسم "سيدة النورية" أو سيدة "النور"- العذراء مريم، التي يُقال إنها ظهرت لرجلين كادا أن يغرقا في البحر، فأنارت لهما طريق العودة الآمنة إلى الشاطئ. فيما يعود تأويل آخر تاريخ بناء الدير إلى القرن السادس بعد الميلاد حيث كانت العذراء تنير الجبل الذي يعرف باسم "رأس الشقعة" خلال العواصف ليتنبّه البحارة الذين يمخرون المتوسط إلى الصخور الخطرة فيتجنبوها.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. عيون أرغش ورحلة البحث عن سحر الطبيعة

كنيسة دير سيدة النورية التابعة للروم الأرثوذكس بازيلكية التصميم، يزورها المؤمنون من ديانات مختلفة ليتوزعوا على مقاعدها الخشبية ويرفعوا الصلاة والدعاء كل على طريقته وبلغته فيها. بكلمات معدودات أو بوح مسهب تتخلله دموع أو تقاطعه ابتسامات. لكل منهم حاجته، شكره، ومحبته لله التي تفيض في أجواء الخشوع.

وعلى جانب دير سيدة النورية درج حاد العلو يقود إلى مغارة في الصخر تقع خلف الصوامع، وهي أساس الدير ومن قبله الأعجوبة/الأسطورة. وهي مزوّدة بالمقاعد ويخرج عبر بابها ونافذتيها نسيم محمّل بأريج البخور وعبق البحر الصافي المتوسط الزرقة.

حديقة الدير المطلّة على البحر الشاسع والواسع تفضي إلى شيء من الأفق أو كله، وتمنح الزوار متعة التواصل مع الأزرق الكبير المتصل والمتواصل بين البحر والسماء ومن حوله خضرة اليابسة وتعرجات جبالها ومن فوقها القمم. وكأن فعل الإيمان لا ينتهي داخل الكنيسة أو المغارة أو بهو الدير وصوامعه، بل يُستأنف أمام هذا المشهد البديع وما يستحضره، بين الواقع والمتخيّل، من تجسيد للمتناقل على الألسن والمدوّن في التاريخ والمحفوظ في الذاكرة عن هذا المَعلم الذي يُعدّ أحد أبرز وجهات السياحة الدينية في لبنان.

في العطل الأسبوعية أو الموسمية، في المناسبات الدينية والأعياد، يتوافد الزوّار من مختلف الأعمار إلى دير سيدة النورية. البعض يزور المكان للمرة الأولى فيطرح الكثير من الأسئلة ويعبر عن إعجابه وشدة انبهاره من المشاهد والمشاهدات بعبارات تنمّ عن الدهشة والسرور. البعض الآخر تتجدد زيارته للمكان كلما أتيح له ذلك، فيجول في ردهاته ويمرّ على تفاصيله، بفرح الاكتشاف المتجدّد والذهول أمام عجائبيته التي يختصرها المكان ويزكيها الزمان.

اقرأ/ي أيضًا:

متحف الصابون في صيدا.. باللون والعطر والأبجدية

البلفيدير في تونس.. تاريخ مهمل