24-يناير-2017

تكتظ بيروت بالمشاريع التجارية على حساب سكانها الفقراء (باتريك باز/أ.ف.ب)

جدد المستأجرون القدامى في لبنان، حركة احتجاجهم، في اليومين الماضيين، وهم يرفعون الصوت عاليًا حول قضية لا تزال شائكة. ومع الحكومة الجديدة، وعلى ضوء التفاهمات السياسية القائمة، يحاول هؤلاء الضغط ضد قرار مجلس النواب في إقرار قانون الإيجارات الجديد، الذي غدا واقعًا أليمًا لعائلات تعيش تحت خط الفقر.

يرفض المستأجرون القدامى قرار مجلس النواب اللبناني بتنفيذ قانون الإيجارات الجديد الذي وصفوه بـ"التهجيري"

وانطلق المستأجرون في مسيرة من أمام مقرّ الاتحاد الوطني لنقابات العمال باتجاه جسر الكولا، حيث قطعوا الطريق، قبل أن يتوجّهوا إلى منزل رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة. وطلبوا من بري لقاءً، لكن طلبهم جوبه بالرفض. لا سيما أن رئيس مجلس النواب كان قد وعهدهم بإحقاق تعويضات عادلة لهم، وبأنه لن يقر القانون إلا إذا تمت إعادة صياغته بشكل ينصفهم هم والمالكين على حد سواء. وهذا لم يحصل بالطبع.

ويُخطط المُستأجرون لجملة من التحركات التي سيُنظمونها خلال الأيام المُقبلة. من ضمنها وقفة احتجاجية مساء الخميس في شارع الحمرا، ليُطالبوا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعدم "توقيع القانون"، حيث لا يزال الرهان على العهد الجديد قائمًا، وذلك في إعادة النظر في صيغة القانون، الذي وصف بـ"التهجيري"، حيث ستطرد عائلات من بيوتها المستأجرة وتصبح في الشارع.

اقرأ/ي أيضًا: قطاع الأدوية في لبنان.. "مافيا" تقتل المواطنين

وبعد مُضيّ سنة و9 أشهر على وضع لجنة الإدارة والعدل النيابية تعديلاتها على قانون الإيجارات الجديد، أقرّ مجلس النواب التعديلات، وأضاف عليه فقرة تتعلّق بإنشاء "حساب" لدعم المُستأجرين القُدامى، الذين لا يتجاوز دخلهم خمسة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور، على أن لا تطبّق أحكام القانون على هذه الفئة من المُستأجرين إلى حين إنشاء الصندوق وإيجاد آلية لتمويله خلال الأربعة أشهر المُقبلة.

وهذا "الحساب" هو نفسه الصندوق المُخصّص لمُساعدة المُستأجرين، الذي نصّت عليه المادة 3 من القانون، التي تقضي بإنشاء صندوق خاص للإيجارات السكنية يكون تابعًا لوزارة المالية وتُمسك حساباته لدى مُديرية الخزينة في هذه الوزارة. يهدف هذا الصندوق إلى مُساعدة جميع المُستأجرين المعنيين بالقانون، الذين لا يتجاوز معدل دخلهم الشهري 5 أضعاف الحد الأدنى للأجور (كان 3 أضعاف في صيغة القانون القديمة)، وذلك عن طريق المُساهمة في دفع الزيادات كليًا أو جزئيًا حسب كل حالة. هذا الصندوق تمت صياغته كبديل من الحق الطبيعي للمُستأجر بالتعويض، والذي أسقطه المُشرّع عبر هذا القانون.

المستأجرون الفقراء سيجدون أنفسهم بسبب القانون الجديد في الشارع بلا مأوى لحساب مالكين أثرياء سيحولون المباني إلى مشاريع تجارية

ووفق المعلومات، فإنه عند طلب الاستفادة من مُساهمة الصندوق، يجري تحديد معدل الدخل العائلي الشهري، أي مجموع دخل القاطنين في المأجور وليس المُستأجر المعني بالعقد، ما يعني أنه يكفي أن يكون شخصان يقطنان المأجور ويعملان ويكون مجموع دخليهما نحو 3 ملايين ليرة كي يُسقط حقهم في الاستفادة من مُساعدات الصندوق.

يصوّر عدد من النواب هذه "الصيغة" على أنها مُنصفة للمُستأجرين "الفُقراء"، إلا أن إقرار التعديلات بالصيغة الحالية للقانون لا يُلغي الإجحاف الذي لحق بالمستأجرين المحرومين من حقهم في التعويض، ولا ينفي الانحياز لمصالح المُضاربين العقاريين، الذين اشتروا أبنية بأسعار بخسة، مُراهنين على صدور القانون كي يُحققوا أرباحًا خيالية. وهو ما يُقدّمه لهم هذا القانون، إذ سيُحرّر العقود بعد تسع سنوات، والذي سيدفع نحو ترك آلاف المُستأجرين القدامى بيوتهم من دون أيّ ضمانة تحفظ لهم حقهم في السكن.

وفي هذا السياق، أخذ رئيس الحكومة سعد الحريري على عاتقه مسألة إنشاء الحساب/الصندوق، وقيل إنه خلال 3 إلى 4 أشهر سيتم إنشاؤه. 85% من المستأجرين القدامى تنطبق عليهم شروط الاستفادة من الصندوق، 75% منهم يستفيدون كليًا و25% استفادة جزئية، وذلك استنادًا إلى أن نحو 70% من العائلات اللبنانية لا يتجاوز دخلها السنوي 10 آلاف دولار، وفق وزارة المالية.

وقد مر القانون في محطات عديدة مُنذ صدوره في أيار/مايو عام 2014، مرورًا بقرار إبطال بعض مواده من قبل المجلس الدستوري، وصولًا إلى البلبلة التي أحدثها طوال سنتين وأكثر، كانت تُنبئ بالانحياز لمصالح كبار المالكين وللمضاربين العقاريين. وليس قرار النيابة العامة التمييزية المتخذ في 17 شباط/فبراير عام 2015، والمتعلّق بتأمين المؤازرة للخبراء المكلفين من قبل مالكي العقارات والأبنية المؤجرة، لدخول المساكن من دون رضا ساكنيها، ومن دون قرارات قضائية، بهدف إجراء عمليات تخمين المآجير لتحديد بدل الإيجار، إلا دليلًا على ميل السلطة إلى فرض القانون الذي يُنصف المالكين، فضلًا عن الميل الواضح، الذي كان لدى كثير من القضاة، إلى تطبيق القانون قبل حسمه في مجلس النواب.

اقرأ/ي أيضًا:

مافيا النقل في لبنان.. طُرُق ارتزاق ملتوية

التدفئة في لبنان.. من قال وداعًا "للصوبيا"؟