13-فبراير-2017

من احتجاجات الأساتذة في القطاع الرسمي (جوزيف براك/أ.ف.ب)

كما كل القطاعات في لبنان، للتعليم أيضًا أزمته الحادة. فمع كل موسم يطل القطاع على قضية تعيد فتح ملفات عالقة، أحدها يتعلق بالسياسة التربوية "المهترئة" أو بملف الأساتذة ومتفرعات نقاباتهم وعدم قدرة الوزارة على حل عقدة "التثبيت" أو تعقد ملفات التعاقد مع أساتذة جدد. فقطاع التعليم في لبنان له قصته. منذ بداية تأسيس وزارة التربية في أولى عهد الشهابية، ومع تفريخ المدارس في المناطق، فقد وقع التعليم في "مأسسة" الطائفية والمحاصصة، ثم جاء صعود المدارس الخاصة، أو ما يعرف التعليم الخاص، ليقضي على آخر بشائر "المدرسة الرسمية"، والتي رغم كل المحاولات لإنقاذها من التدهور إلا أنها بقيت رهينة سياسة فاسدة على اعتبار أن الوزارة "قبان وازن" لدى الوزراء التابعين حزبيًا، فقاموا بالعبث فيها وتعيين من غير المستحقين وتوظيف فائض داخل إداراتها، وهو ما زاد من حجم الهدر وطبعًا من "مأساة" التعليم الذي دفع بكثيرين إلى ترك المدرسة وزيادة ظاهرة التسرب المدرسي وتراجع نسب الملتحقين بالمدارس.

وقع قطاع التعليم اللبناني في "مأسسة" الطائفية والمحاصصة، ثم جاء صعود المدارس الخاصة، ليقضي على آخر بشائر "المدرسة الرسمية"

ومثّل إضراب متعاقدي التعليم الأساسي الرسمي والمستعان بهم، إحدى المنغصات على الأهالي الذين راحوا يسألون عن مصير مدارس أولادهم ومسيرة تعليمهم هذا العام. فككل عام هناك "موجة" جديدة، أو كما يقول الأهالي، "موجات" تخرج إلى العلن وتطيح بالتعليم فيقضي الطلاب نصف أيامهم في البيوت. ومن يتعلم هم فقط أولاد "الخاص" الذين تنهك المصاريف أهاليهم وتضع جيوبهم في تهديد دائم.

اقرأ/ي أيضًا: 3 ملايين دولار لإصلاح التعليم في لبنان..ما الجدوى؟

وكان الإضراب قد دفع بالمدارس الابتدائية والمتوسطة في كل لبنان إلى الإغلاق، أو أربكها بالحد الأدنى، وأبقى عشرات آلاف التلامذة خارج صفوفهم. الالتزام كان مرتفعًا من المتعاقدين الذين يبلغ عددهم، بحسب آخر دراسة لوزارة التربية للعام الدراسي (2015-2016) 9422 معلمًا، أما المستعان بهم فعددهم 1899 أستاذًا في العام نفسه. وهو رقم يبرز حجم "الفساد" الإداري القائم في وزارة التربية. فهؤلاء تم تعيينهم وفق "سلل" طائفية وحزبية من أجل المحاصصة المبدئية القائمة في بلد الشرائع.

ووفق مصادر "ألترا صوت" فإن الأساتذة الذين دعوا إلى التظاهر يعانون من "عدم تثبيتهم في ملاك وزارة التربية"، إضافة إلى "عدم صرف مستحقاتهم المتأخرة"، متطلعين إلى "حل مسألة العقود معهم". وكان وزير التربية السابق إلياس بو صعب، أصدر تعميمًا منع فيه أي تعاقد مع أساتذة من دون موافقة الوزارة. وفي السنة نفسها (2014-2015) تم التعاقد على حساب موازنة التربية مع نحو 65 أستاذًا في وادي خالد ووُقع ملف الحاجات للنائب بهية الحريري وعقود 34 أستاذًا فقط.

وكان بوصعب فتح باب التعاقد تحت بند إجراء مقابلات للمعلمين، على أن يتم التعاقد مع الناجحين في هذه المقابلات، ولكن لأسباب مجهولة لم يتم توقيع العقود معهم وبقيوا تحت مسمى "المستعان بهم"، وتقاضوا مستحقاتهم على حساب الدول المانحة. وفي عام 2016-2017، بقي الوضع على ما هو عليه، فيما استوجبت الاستعانة ببعض الأساتذة الجدد لسد الحاجة لهذه السنة.

دفع الإضراب بالمدارس الابتدائية والمتوسطة في كل لبنان إلى الإغلاق وأبقى عشرات آلاف التلامذة خارج صفوفهم

ورفعت اللجنة مطالبها إلى مدير عام التربية فادي يرق ومدير التعليم الابتدائي جورج حداد وتتمثل بالآتي: إقفال باب التعاقد نهائيًا والتوظيف بحسب الحاجة بشكل دوري، عدم تنظيم أي مباراة تثبيت في مجلس الخدمة المدنية، سواء مفتوحة أو محصورة، وإيجاد حل للمتعاقدين يضمن لهم حقوقهم ويرفع الغبن عنهم. العودة إلى مبدأ الإعداد التربوي وتثبيت المتعاقدين كافة، وخصوصًا من تجاوز السن القانونية (44 سنة)، بعد إخضاعهم لدورة إعداد لمدة سنة واحدة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية لحملة الإجازات، وفي دور المعلمين والمعلمات لغير حملة الإجازات، تنتهي بامتحان تقويمي بمضمون منهاج دورات الإعداد.

 إضافة إلى أنه سيتم إدخال المتعاقدين الناجحين في دورات الإعداد تباعًا إلى الملاك وفق معيار الكفاءة والسن على أن يشمل الأمر معلمي المواد الإجرائية المجازين. وتوقيع عقود المتعاقدين في التعليم الأساسي والثانوي والمواد الإجرائية في جلسة مجلس الوزراء، الأربعاء المقبل، تمهيدًا لدفع المستحقات عن الفصل الدراسي الأول، وتحديد مواعيد ثابتة للدفعات التالية. وإنهاء بدعة المستعان بهم واعتبارهم متعاقدين من تاريخ مباشرتهم التعاقد لأول مرة مطلع العام الدراسي الماضي، للحفاظ على حقوقهم في التثبيت وضم الخدمات. ويبدو أن أزمة التعليم في ظل حكومة سعد الحريري وعهد ميشال عون لن تكون أولوية، مع غياب أي رؤية واضحة. حيث يتوافق الكثير من التربويين على أن إصلاح التعليم لا يحتاج إلى كلفة مالية إضافية، بل إلى استخدام أمثل للموارد المتاحة، سواء في الموازنة العامة أو عبر المشاريع التي تمولها الجهات المانحة.

اقرأ/ي أيضًا:

المدارس في مصر.. سوق تجارية بلا تعليم

هل يستعيد أولاد المهاجرين في الكبر لغة آبائهم؟