19-يناير-2022

(Getty)

 تصدّرت أخبار قيام مواطن لبناني باقتحام أحد المصارف في منطقة البقاع الغربي، وتمكنّه من الحصول على وديعته المصرفية بقوة التهديد، اهتمامات اللبنانيين في اليومين الأخيرين، وتباينت وجهات النظر بين من أيّدوا الخطوة التي قام بها وهم الأغلبية، مؤكدين على حقه في الحصول على أمواله التي يحتجزها المصرف، وبين من رفض الأسلوب الذي استخدمه الساعي وتعريضه حياة موظفي المصرف للخطر.

في التفاصيل، اقتحم المواطن عبد الله الساعي (37 سنة) مصرف BBAC في بلدة جب جنين البقاعية، وقام بسكب البنزين في أنحاء الصرف، مهددًا بإضرام النار وحرق المصرف في حال لم يحصل على أمواله أو جزء منها، متخذًا من الموظفين رهائن له، لتخضع إدارة المصرف وتسلمه مبلغ خمسين ألف دولار أمريكي نقدًا، ويخرج بعدها من المصرف ويعطي المبلغ إلى ذويه، ويسلم نفسه إلى الأجهزة الأمنية.

لاحقًا أصدرت النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، قرارًا بضبط مبلغ الـ 50 ألف دولار، الذي استحصل عليه الساعي من وديعته، لكونه ناتج عن جرم بحسب تعبيرها، سيما وأنه اتّخذ موظفي المصرف كرهائن، إضافة إلى رشّه مادة البنزين والتهديد بإضرام النار بالمصرف، دائمًا بحسب النيابة العامة، وقد توجهت قوة من الدرك لاسترجاع المبلغ من زوجته، لكنها توارت عن الأنظار فصدر بحقها بلاغ بحث وتحرٍ. وقد تداول الناشطون أخبارًا عن لجوء عائلة الساعي إلى مبنى جمعية المودعين والاحتماء داخلها، والتأكيد أنهم سيواجهون بالقوة أي محاولة سلب مبلغ الـ50 ألف دولار أمريكي منهم.

فور الإعلان عن إتمام عبد الله الساعي مهمته والحصول على وديعته، وتوقيفه من قبل الأجهزة وإصدار قرار النيابة باسترجاع المبلغ، أطلق الناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان وسم #كلنا_عبدالله_الساعي، وأعرب من خلاله معظمهم عن وقوفهم إلى جانب الساعي، وتأييد حقه في استرداد وديعته، في ظل تقاعس الدولة اللبنانية عن القيام بمهامها، كما طالبو بإيجاد حلّ لقضية أصحاب الودائع بالدولار الأمريكي التي تحتجزها المصارف منذ العام 2019.

في أبرز التعليقات في هذا المجال، أعلنت جمعية المودعين اللبنانيين، التي تعنى بمتابعة ملفات أصحاب الودائع، من خلال صفحتها على تويتر اتفاقها مع شقيقة عبد الله الساعي على عدم تسليم المال للسلطات الأمنية مهما كلف الأمر.

ونشرت الجمعية في تغريدة أخرى صورة لعبد الله الساعي وعلّقت عليها بالقول : " لن يسجن صاحب الحق ويبقى السارق حر طليق. أصبحت هذه قضيتنا".

وأشار الناشط السياسي والأستاذ الجامعي باسل صالح، إلى أن رابطة المودعين وجمعية المودعين دعت إلى تجمع أمام قصر العدل في بيروت دعمًا لعبدالله الساعي، ومنعًا لاستضعاف المودعين وأصحاب الحق.

واستغرب الناشط نصير جنبلاط منطق القضاء في لبنان الذي يصف عبد الله الساعي بعد تمكنه من استعادة وديعته بالمعتدي، فيما المصارف التي سرقت جنى أعمار اللبنانيين ونكرت الودائع (وهي أمانات لديها) تكون هي الضحية؟"، وتساءل جنبلاط " أي عدل تحكمون به يا ساسة؟ مضيفًا " كلّنا #عبدالله_الساعي لاسترجاع ودائعنا ".

من جهتها وصفت المغردة إيليفيا خليل القاضي منيف بركات الذي يتولى قضايا المصارف، بالذراع القضائي لمافيا المال والمنظومة السياسية المجرمة بحسب تعبيرها.

وقالت المغردة لما محمد إن عبد الله الساعي استرد وديعته، وإن الطريقة التي استخدمها قانونية بقدر ما طريقة احتجاز الودائع بالمصارف قانونية. واعتبرت أن الساعي لا يجب أن يكون في السجن طالما أنه لم يتمّ سجن أي من المصرفيين.

المودعون مصرّون على الحصول على ودائعهم بالدولار

انفجرت أزمة المودعين في لبنان خريف العام 2019، مع بدء تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي، وإعلان المصارف أنها لن تعيد الأموال إلى أصحاب الودائع بالدولار الأمريكي، أي بالعملة نفسها التي أودع بها المبلغ، بل بالليرة اللبنانية وبسعر صرف يحدده مصرف لبنان، وبسقف شهري محدد، الأمر الذي رأى فيه الحقوقيون والناشطون خرقًا لقانون النقد والتسليف، واحتجازًا لأموال الناس بغير وجه حق، بالإضافة إلى اتهامهم للمصارف بالمساهمة في انهيار الاقتصاد، من خلال تسليفها الدولة للأموال بفوائد مرتفعة، وجنيها لأرباح هائلة خلال سنوات قليلة، في الوقت الذي ترفض المصارف اليوم تحمّل جزء من الخسائر وإعطاء الناس ودائعها وحقوقها، وقد شكلت قضية المودعين أحد أهم الشعارات التي رفعها اللبنانيون خلال انتفاضة 17 تشرين 2019.

أصحاب الودائع في لبنان يصنّفون إلى صنفين هما صغار المودعين، أي أصحاب الودائع دون خمسين ألف دولار أمريكي وكبار المودعين الذي تفوق قيمة ودائعهم هذا الرقم. وقد احتلت قضية المودعين حيزًا هامًا من مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، وصدرت العديد من التعاميم من مصرف لبنان في محاولة لمعالجة هذا الملف، ومن بينها رفع قيمة الدولار البنكي عدة مرات، في الوقت الذي يصرّ أصحاب الودائع على الحصول على أموالهم بالدولار الأمريكي " كاش "حصرًا، تطبيقًا لقانون النقد والتسليف الذي يتيح لهم الحصول على ودائعهم بالعملة الأساسية للوديعة لحظة وضعها في المصرف، كما أنهم يرفضون استخدام مصرف لبنان لـ " دولاراتهم" لتخفيض سعر الصرف أو دعم السلع الغذائية وما إلى ذلك، فذلك هو واجب الدولة ومسؤوليتها وليس مسؤوليتهم. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لا "لولار" في لبنان بعد اليوم.. كيف تفاعل اللبنانيون مع قرار المصرف المركزي؟

انهيار لبنان متتابع.. أزمة المازوت تشلّ مختلف القطاعات وتهدد حياة اللبنانيين