30-أبريل-2023
Deportation of Syrian refugees in Lebanon

اللاجئون السوريون في لبنان خلال ترحيل سابق عام 2022

تصاعدت في الآونة الأخيرة في لبنان مرة أخرى حملات التشويه والشيطنة بحق اللاجئين السوريين، وزادت وتيرة مطالبات المتشددين بترحيلهم قسرًا وإعادتهم لسوريا بذريعة أن "سوريا أصبحت آمنة"! وبلغت الحملات حد وصف اللجوء بالاحتلال تحت ما يسمى "الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديمغرافي السوري"!، وبات شغل الذباب الالكتروني الشاغل تعليق جميع مشاكل الدولة الهيكلية منذ تأسيسها برقبة اللاجئ، في عملية ممنهجة تشتت الانظار عن فساد الطبقة الحاكمة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وأزماتها السياسية والاقتصادية.

هذه ليست المرة الأولى التي تتصاعد فيها هذه الحملات ولكن المخيف هذه المرة أنه على ما يبدو أن حكومة تصريف الأعمال انتهزت الفرصة للبدء في تنفيذ خطة حكومية سابقة تهدف إلى إعادة 15 ألف لاجئ سوري شهريًا إلى سوريا، قائلة على لسان وزير الدولة لشؤون النازحين أن "الحرب انتهت والبلد أصبح آمنًا"، ولم ينتظر الجيش اللبناني طويلًا لمداهمة منازل عائلات سورية وقام بترحيل عشرات اللاجئين الذين دخلوا البلاد بشكل غير نظامي أو ممن انتهت صلاحية بطاقات إقامتهم.

واجه اللاجئون السوريون المرحلون إلى سوريا بين 2017 و2021 انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واضطهادًا على يد النظام السوري والميليشيات التابعة له

ومع صمت وانسحاب مريب لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين يبدو أن الحكومة اللبنانية ماضية في عمليات الترحيل في تجاهل واضح لمبدأ عدم الاعادة القسرية الذي ينطبق على اللاجئين أو ملتمسي اللجوء بغض النظر عن الاعتراف الرسمي بوضعهم القانوني، والمنصوص عليه صراحة في أحكام القوانين والمعاهدات الدولية، واتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكول 1967. حيث يشير المبدأ على أن لكل فرد يدخل أراضي دولة أخرى، حتى وإن كان بطريقة غير مشروعة، الحق في تقديم طلب الحصول على اللجوء وحتى في حال رفض الطلب، لا يجوز ترحيل الشخص أو إعادته قسرًا أو تسليمه إلى دولة أخرى، إن وجد أنه سيواجه خطر المعاملة اللاإنسانيّة أو التعذيب. ولا يمكن للبنان التذرع بأنه غير موقع على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، حيث أنه بصفته طرف في "اتفاقية مناهضة التعذيب"، فهو ملزم بعدم إعادة أو تسليم أي شخص معرض لخطر التعذيب. كما أن لبنان ملزم أيضا بمبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي.

وبغض النظر عما يروج له البعض فإن سوريا ليست آمنة بعد، فقد أشار تقرير "هيومن رايتس ووتش" الذي أصدرته في تشرين الأول/أكتوبر 2021، إلى أن اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا بين 2017 و2021 واجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واضطهادًا على يد النظام السوري والميليشيات التابعة له.

وأشار تقرير آخر أصدرته منظمة العفو الدولية في أيلول/سبتمبر من 2021، إلى إخضاع لاجئين سوريين سابقين للتعذيب والاغتصاب والإخفاء إثر عودتهم إلى وطنهم. وسبقهم عام 2018، وزير شؤون النازحين في لبنان آنذاك، معين المرعبي الذي عرض صور قال إنها لسوريين عادوا إلى سوريا وقتلهم النظام.

وللأسف، لا يبدو أن لبنان يقف وحيدًا في إجبار اللاجئين على العودة، مع تنامي التخوفات من تسارع إعادة اللاجئين قسرًا من دول أخرى مثل تركيا والدنمارك. يقدر بأن لبنان يستضيف حوالي مليونا لاجئ سوري، وعلى الرغم من جميع الضغوطات التي قد تفرضها أزمة اللجوء والاعباء التي تحملتها المجتمعات المضيفة والتي يتفهمها الجميع، لا يمكن أن يكون الحل في اضطهاد الضحايا والعنصرية ضدهم وإعادتهم قسرًا. اللاجئون أكثر الناس رغبة في العودة الى أوطانهم، ولكن إلى أوطان مستقرة وليس العودة إلى جحيم قد يلقون حتفهم فيه، وعلى المجتمع الدولي العمل على إيجاد حلول طويلة الأجل لأزمة اللجوء، بدلًا من التضحية باللاجئين وإجبارهم على العودة إلى وضع غير مستقر وخطير. كما يجب على المجتمع الدولي عدم إجبار أحد على العودة قبل حل المشاكل الجذرية التي تسببت في نزوحهم أصلًا، وتحقيق العدالة الانتقالية وإزالة جميع العوائق التي تقف في طريق عودتهم. وكأفراد علينا التحلي بقليل من الإنسانية والأخلاق عند التعامل مع اللاجئين في منطقة عانت كثير من دولها من نزاعات وحروب أجبرت الملايين على النزوح.