04-أبريل-2025
الذكاء الاصطناعي غروك 3

يتصاعد البخار الملوث للهواء من محطة طاقة في بلغراد، 7 فبراير 2012 (رويترز)

أثارت دراسة بعنوان "إعادة تقييم نقدي لفرضية الاحترار المناخي المرتبط بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون" جدلًا واسعًا في الأوساط العلمية، بعدما شككت في الفرضيات السائدة بشأن تغير المناخ. خلصت الدراسة إلى أن الشمس، وليس النشاط البشري، هي العامل الرئيسي وراء الاحتباس الحراري، وهو ما أثار انتقادات حادة. وتركزت الانتقادات على اعتماد الدراسة على مولد الذكاء الاصطناعي "غروك 3"، المملوك لإيلون ماسك، كباحث رئيسي، مما دفع العديد من العلماء إلى التشكيك في مصداقيتها ومنهجيتها العلمية.

"الشمس هي السبب في الاحتباس الحراري"

تزعم الدراسة أن الفكرة الشائعة بأن النشاط البشري هو المحرك الرئيسي للتغير المناخي بسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ليست مؤكدة. وفقًا للباحثين الذين استندوا إلى "غروك 3"، فإن كمية ثاني أكسيد الكربون التي يطلقها البشر لا تشكل سوى نسبة ضئيلة جدًا من إجمالي الكربون في الطبيعة، في حين تلعب العوامل الطبيعية مثل المحيطات والنباتات دورًا أكبر بكثير في تنظيم مستويات هذا الغاز في الغلاف الجوي.

تزعم الدراسة التي أنجزها مولد الذكاء الاصطناعي "غروك 3"  أن بعض البيانات المناخية جرى "تعديلها" لتظهر أن درجات الحرارة ترتفع بشكل أسرع مما هي عليه في الواقع

وتقدم الدراسة قراءة مغايرة للأبحاث المناخية المحكمة، إذ ترى أن البشر يطلقون نحو 10 مليارات طن من الكربون سنويًا، وهو ما يمثل 4% فقط من إجمالي انبعاثات الكربون الطبيعية، التي تتحكم فيها المحيطات والغابات وتصل إلى نحو 230 مليار طن سنويًا.

كما تدعي الدراسة أن خفض انبعاثات البشر بنسبة 7% خلال جائحة كورونا عام 2020 لم يؤثر بشكل ملحوظ على مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما يعزز، وفقًا لمعدّيها، فرضية أن الطبيعة هي العامل الأساسي في تنظيم هذا الغاز. من جهة أخرى، تشير بيانات الأقمار الصناعية إلى أن متوسط ارتفاع درجة الحرارة بلغ 0.13 درجة مئوية لكل عقد، وهو أقل بكثير من توقعات النماذج المناخية الرسمية، التي تقدر الزيادة بين 0.25 و0.5 درجة.

هل الشمس هي المحرك الأساسي للتغير المناخي؟

من بين أبرز المزاعم التي تسوقها الدراسة أن النشاط الشمسي مسؤول بنسبة تتراوح بين 50% و100% عن التغير المناخي الحالي، مشيرةً إلى أن التغيرات في نشاط الشمس، إلى جانب ظواهر طبيعية مثل "النينيو"، تفسر ارتفاع درجات الحرارة أكثر من انبعاثات البشر. كما تزعم أن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو قد يكون نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وليس العكس كما يعتقد معظم العلماء. بالإضافة إلى ذلك، تدّعي الدراسة أن بعض البيانات المناخية خضعت لـ"تعديلات" لتبدو وكأن درجات الحرارة ترتفع بوتيرة أسرع مما هي عليه في الواقع.

الذكاء الاصطناعي لا يفكر.. فهل يمكنه إنتاج بحث علمي؟

أثارت الدراسة جدلًا واسعًا نظرًا لاعتمادها على "غروك 3"، نموذج الذكاء الاصطناعي المملوك لإيلون ماسك، كباحث رئيسي، وهو ما جعلها تحظى باهتمام بعض الشخصيات المثيرة للجدل، مثل عالم الكيمياء الحيوية الأميركي روبرت مالون. إذ يرى مالون أن "استخدام الذكاء الاصطناعي في الأبحاث العلمية سيصبح أمرًا شائعًا"، معتبرًا أن هذه الدراسة قد تمثل "نهاية الخدعة المناخية"، في إشارة إلى تشكيكه في العلاقة بين الوقود الأحفوري والاحتباس الحراري.

لكن أستاذ العلوم البيئية، مارك نيف، أوضح في حديث لوكالة "الصحافة الفرنسية" أن "برامج الذكاء الاصطناعي اللغوية ليست قادرة على التفكير"، مضيفًا أنها مجرد "نماذج إحصائية تتنبأ بالكلمات أو الجمل بناءً على ما تم تدريبها عليه"، مؤكدًا في الوقت ذاته أن "هذه الدراسة ليست بحثًا علميًا حقيقيًا".

أما عالمة الأحياء الدقيقة الهولندية المقيمة في كاليفورنيا، إليزابيت بيك، والمتخصصة في النزاهة العلمية، فقد شككت في منهجية الدراسة، مشيرةً إلى أن "المعدّين لم يوضحوا كيفية توجيه الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات"، ما يثير تساؤلات حول مصادر المعلومات التي تم الاعتماد عليها.

"لا تتمتع بالمصداقية"

وفي السياق ذاته، أكد خبير الذكاء الاصطناعي، أشويني باندا، أن "من المستحيل التحقق مما إذا كان الذكاء الاصطناعي قد أجرى تحليلًا مستقلًا دون تدخل بشري"، مشيرًا إلى أنه "يمكن لأي شخص الادعاء بأن نموذج ذكاء اصطناعي أنجز دراسة بمفرده، وأنها بالتالي غير متحيزة".

ووفقًا للخبراء، فقد قُدمت الدراسة لمجلة "Science of Climate Change"، وحصلت على الموافقة خلال 12 يومًا فقط، وهي فترة قصيرة للغاية مقارنة بالإجراءات المتبعة في المجلات العلمية المحكمة. وفي تعليقها على ذلك، ترى المؤرخة المتخصصة في العلوم بجامعة هارفارد، ناومي أوريسكس، أن "استخدام الذكاء الاصطناعي هو أحدث خدعة لمنكري التغير المناخي لإضفاء مظهر التجديد على حججهم القديمة".

من جانبه، قال عالم المناخ في وكالة ناسا، غافين شميت، إنه "لم يتفاجأ" من قدرة الذكاء الاصطناعي على "إنتاج مواد رديئة الجودة"، مشددًا على أن تحليل الدراسة "لا يتمتع بأي مصداقية عند مقارنته بالمراجع العلمية الموثوقة".

عام 2024.. الأكثر احترارًا على الإطلاق

بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، كان عام 2024 الأكثر احترارًا على الإطلاق، إذ أشارت في بيان صدر في كانون الثاني/يناير الماضي إلى أن متوسط درجة الحرارة العالمية ارتفع بمقدار 1.55 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، مما يضع مستقبل المناخ العالمي في مأزق خطير.

كما أكدت الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، سيليست ساولو، أن ارتفاع درجة الحرارة العام الماضي كان مصحوبًا "بأحوال جوية مدمرة وقاسية، وارتفاع مستويات سطح البحر وذوبان الجليد"، مضيفة أن "كل ذلك مدفوع بمستويات قياسية من غازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية.

وسبق أن كشف تقرير أممي يرصد حالة المناخ العالمي أن تركيز ثاني أكسيد الكربون بلغ أعلى مستوى له في 800 ألف عام، وأن السنوات العشر الأخيرة كانت بين الأشد حرارة على الإطلاق. كما سُجلت درجات قياسية لحرارة المحيطات، وتضاعف معدل ارتفاع مستوى سطح البحر، مرجحًا استمرار الاحتباس الحراري حتى نهاية القرن الجاري، حتى في حال تقليل الانبعاثات.

أظهرت بيانات عام 2024 أن المحيطات واصلت الاحترار، ومستوى سطح البحر استمر في الارتفاع. كما يحذّر التقرير من ذوبان الغلاف الجليدي بمعدل مقلق، مع تراجع مستمر في الأنهار الجليدية، وانخفاض جليد بحر أنتاركتيكا إلى ثاني أدنى مستوياته المسجلة، في وقت يواصل فيه الطقس المتطرف التسبب بعواقب وخيمة عالميًا.