04-نوفمبر-2022
مصنع لافارج في حلب

أقرت شركة لافارج الفرنسية بمساعدتها منظمات "إرهابية" في سوريا من بينها تنظيم داعش في الفترة ما بين عامي 2013 و2014 ووافقت على إثر ذلك بدفع غرامة مالية قدرت بحوالي 778 مليون دولار لوزارة العدل الأمريكية.

تم الاعتراف بتهمة التآمر في تقديم دعم مادي قدرت قيمته بأكثر من 10 ملايين دولار أمريكي لداعش وجبهة النصرة ووسطاء في الفترة ما بين آب/ أغسطس 2013 وتشرين الأول/ أكتوبر 2014 بهدف ضمان عدم توقف عمل الشركة في البلاد.

عملاقة صناعة الإسمنت لافارج وشركتها الفرعية "لافارج للإسمنت سوريا"، والتي حُلت عقب الكشف عن انخراطها في تمويل جماعات مسلحة في سوريا، أصدرتا بيانا وافقتا فيه على الاعتراف بتهمة التآمر في تقديم دعم مادي قدرت قيمته بأكثر من 10 ملايين دولار أمريكي لداعش وجبهة النصرة ووسطاء في الفترة ما بين آب/ أغسطس 2013 وتشرين الأول/ أكتوبر 2014 بهدف ضمان عدم توقف عمل الشركة في البلاد.

مكتب النائب العام الأمريكي، بريون بيس، أصدر بيانا قال فيه إن "مديرين في لافارج للإسمنت سوريا اشتروا مواد يحتاجها مصنع الإسمنت في منطقة الجلبية في الشمال السوري، من موردين يتبعون لداعش، كما دفعوا "تبرعات" شهرية لداعش وجبهة النصرة ليتمكن الموظفون والزبائن والموردون من عبور نقاط التفتيش المنتشرة حول المصنع."

لافارج في حلب
مصنع لافارج في حلب (Getty)

وأضاف أن الشركة "وافقت أخيرا على تقديم الأموال لداعش حسب كمية الإسمنت التي كانت الشركة تبيعها لزبائنها، وهي أموال شبهتها كل من لافارج ولافارج للإسمنت سوريا بالضرائب".

لافارج الفرنسية، التي كانت قد اندمجت عام 2015 مع شركة هولسين السويسرية، تخضع منذ عام 2017 للتحقيق على خلفية نشاطها في سوريا. ورغم خطورة الاتهامات التي اعترفت بها، إلا أنها ليست جديدة، إذ يحفل تاريخ الشركة وفروعها بسجل طويل من الاتهامات بشبه الفساد وممارسة انتهاكات حقوقية.

قمة جبل الجليد

مطلع العام الحالي، نشرت صحيفة ذا ميل النيجيرية تحقيقا كشفت فيه أن لافارج أفريقيا، التي تتركز أعمالها في ولاية كروس ريفر جنوبي البلاد، مسؤولة عن انتهاكات عدة من أبرزها التسبب بانهيارات وتشققات في بيوت السكان المحليين بالإضافة إلى انهيارات أرضية بسبب عمليات التفجير، كما سجلت حالات وفاة نتجت عن التفجيرات المباغتة وتطاير الأحجار.

وكشف التحقيق عن انتهاكات بيئية للشركة تسببت بمشاكل صحية للسكان المحليين، كان من أبرز تلك الانتهاكات التسبب بانتشار الغبار الكثيف وتلويث مصادر المياه الرئيسية التي يرتوي منها السكان المحليون ومواشيهم، بمخلفات عملية استخراج الحجر الجيري، وإتلاف المحاصيل الزراعية التي يعتاش عليها السكان.

وأضاف التقرير أن لافارج أفريقيا تعتبر مصدرا أساسيا ولكن غير قانوني لخزينة الدولة في نيجيريا، إذ تقدم الشركة ملايين الدولارات لجهات حكومية عدة على شكل إتاوات وضرائب، وفي الوقت ذاته اتهمت الشركة بارتكاب انتهاكات لحقوق العمال والموظفين.

اتهامات مشابهة كشف عنها تقرير معمق لموقع حبر نشر قبل عامين عن نشاطات الشركة في الأردن، إذ أشار إلى صفقات شابتها تهم فساد بين الشركة وجهات حكومية، بالإضافة إلى دور الشركة في التسبب بمشاكل بيئية وباستخدام الفحم الحجري في مصنعيها المقامين في منطقي الرشادية والفحيص على أراضٍ تعتبر من بين الأغنى بالثروة النباتية في البلاد، وهو ما أجبر الشركة على دفع تعويضات بقيمة 45 مليون دينار أردني في الفترة ما بين عام 2007 و2019 بعد رفع دعاوى قضائية ضدها من قبل متضررين.

كما يكشف التقرير عن تسريحات عمالية بالجملة وبأقل التكاليف، وعن سياسات الشركة التي جعلتها تحتكر السوق وتحقق أرباحا خيالية وسط شبهات فساد.

تورط بهجمات داخل فرنسا

اتهامات أخرى طالت الشركة أيضا في بلدها الأم، إذ اتهمت لافارج بارتباطها بالعقل المدبر لسلسلة هجمات باريس التي استهدفت مواقع عدة وأسفرت عن مقتل 130 مدنيا وإصابة 368، وتبنى تنظيم داعش المسؤولية عنها. 

يشير تلفزيون تي آر تي التركي في وثائقي بعنوان "المصنع"، إلى أنه وفقا لحوالي نصف مليون وثيقة حصل عليها من مصادر فرنسية، فإن العقل المدبر للهجمات، والذي أطلق عليه لقب أبي لقمان، حضر اجتماعات لمجلس إدارة شركة لافارج.

الوثائقي أضاف أن مسؤولين في لافارج تدخلوا في التحقيق الذي أجري بعد الهجمات، كما تدخلوا بمضمون التقرير الذي أعده المحققون، وأشار إلى أن أبا لقمان كان على صلة بكل من المخابرات الفرنسية ولافارج على حد سواء.

التقرير وصف أبا لقمان بأنه كان عضوا في "مجلس إدارة ظل" تضمن أيضا ضباطا في المخابرات الفرنسية وموظفين في لافارج وأعضاء في داعش، وذكر أن أبا لقمان حصل على أرباح من عمليات البيع التي كانت تقوم بها الشركة.

تواطؤ رسمي فرنسي

يشير تحقيق وزارة العدل الأمريكية إلى أن مديري لافارج الذين ظهرت أسماؤهم في المراسلات المباشرة مع داعش كان يتواجد بعضهم في فرنسا في حين يتواجد البعض الآخر في دول في الشرق الأوسط، إلا أنه مع ذلك لم تشمل العقوبات التي أعلن عنها أيا منهم، كما أن الشركة الأم سارعت إلى إدانة ممارساتهم والتبرؤ منها.

إلا أن الوثائق التي حصل عليها تي آر تي تشير إلى أن مسؤولين فرنسيين كانوا على علم بعلاقات لافارج مع داعش والنصرة إلا أنهم غضوا الطرف عنها ولم يحاسبوا بعد ذلك، بل إنهم استمروا في مناصبهم وارتقى بعضهم ليشغل مناصب عليا في البلاد.

من بين هؤلاء المسؤولين إيمانويل ماكرون الذي استلم في تلك الفترة حقيبة الاقتصاد ثم أصبح رئيسا للحكومة بعد ذلك، إذ وافق على منح لافارج قروضا وتسهيلات ما كانت لولاه لتصل إلى الشركة بسبب العقوبات الأوروبية والدولية التي كانت مفروضة على الجهات العاملة في سوريا.

مصنع لافارج

في هذا السياق، تنقل الجزيرة نت عن رئيس منظمة "عدالة وحقوق بلا حقوق"، فرانسوا دوروش، قوله إن المخابرات الفرنسية كانت على علم بعلاقة لافارج مع تنظيم الدولة، وأنها غضت الطرف عنها من أجل الحفاظ على عمليات فرنسا العسكرية في سوريا والحصول على معلومات وأخبار من تلك المنطقة، بالإضافة إلى الحفاظ على موطئ قدم لفرنسا في الشرق الأوسط.

 في حين يقول أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة السوربون، جمال بن كريد، إن المخابرات الفرنسية لم تكن على علم فقط بهذه العلاقة المشبوهة، بل كانت تعمل جنبا إلى جنب مع شركة لافارج وتتعاون مع تنظيم الدولة وبقية الجماعات المتطرفة، وهذا طبعا بمباركة وصمت السلطات الفرنسية لكي تحافظ على مصالحها التجارية والاقتصادية.

"القضية في المحكمة لا تنقل القصة كاملة."

هذا الرأي يؤكده ضابط مخابرات أردني شارك في عمليات تجسس كانت تجريها وكالات مخابرات غربية في سوريا، إذ نقلت عنه الغارديان قوله إن مصنع لافارج للأسمنت في سوريا كان يستخدم لجمع المعلومات عن الرهائن المحتجزين لدى داعش، وكان من بينهم الطيار الأردني معاذ الكساسبة والمواطن البريطاني جون كانتلي اللذان قتلا لاحقا من قبل داعش.

الصحيفة نقلت عن الضابط قوله إن "القرار كان أكبر من لافارج"، وأن "القضية في المحكمة لا تنقل القصة كاملة."