05-يوليو-2017

يعيش لاجئو عرسال تحت وطأة الانتهاكات اللبنانية التي وصلت للقتل والتعذيب (Getty)

صدمت الصور القادمة من مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود اللبنانية، النشطاء السوريين، واللبنانيين المناصرين لهم، لتبقى محفورًة على ذمة مثلث الذاكرة القمعية من الضاحية الجنوبية معقل حزب الله وسط بيروت، مرورًا بقصر بعبدا مقر الرئيس ميشال عون، وصولًا إلى القصر الجمهوري مقر إقامة رئيس النظام السوري بشار الأسد في قلب العاصمة دمشق، بعد أن أظهرت الصور التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، أجساد اللاجئين العارية وهم ممدون على الأرضية الترابية، بحجة البحث عن عناصر منتمين للتنظيمات المتشددة المقاتلة في سوريا ضد النظام السوري.

 

عرسال.. مأساة السوريين الفارين من مقتلة حزب الله

منذ أيار/مايو 2013، عندما اقتحم حزب الله اللبناني مدينة القصير في ريف حمص الشرقي، معلنًا تدخله رسميًا في سوريا؛ لجأ معظم المدنيين السوريين وبعض مقاتلي المعارضة السورية إلى بلدة عرسال اللبنانية، التي يملك سكانها علاقات اجتماعية وطيدة مع سكان المدن القريبة من الحدود اللبنانية، حيثُ أقيمت فيها مخيمات لإيواء اللاجئين السوريين الذين فروا من مدنهم، نتيجة الاقتحامات التي نفذها مقاتلو الحزب لمساندة النظام السوري في قمع المدنيين. 

لجأ كثير من المدنيين السوريين من سكان ريف حمص إلى بلدة عرسال اللبنانية، بعد اقتحام حزب الله لمدينة القصير السورية

وتعتبر بلدة عرسال أكبر البلدات التابعة لقضاء "بعلبك الهرمل"، حيثُ تقدر مساحتها بـ400 كيلومتر، وتشترك مع سوريا بشريط حدودي يبلغ 50 كم. وحتى ما قبل اندلاع الاحتجاجات ضد النظام السوري، كانت البلدة مركزًا لتهريب البضائع الأجنبية من أجبان وسجائر وملابس، إلى مدن ريف دمشق الغربي أي الزبداني ومضايا وسرغايا، ومنهم إلى سائر الأسواق الشعبية الدمشقية.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا سرّب "حزب الله" صور عرضه العسكري في القصير؟

لكنها مع بدء العمليات العسكرية المدعومة من مقاتلي حزب الله، تحولت مأوى للاجئين السوريين، ولم يمنع وقوعها داخل الأراضي اللبنانية، النظام السوري من استهدافها بالطيران الحربي، بحجة قصف مواقع لفصائل المعارضة.

شهدت جرود عرسال لأول مرة، في حزيران/يونيو 2015، اشتباكات عنيفة بين جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا) من طرف وحزب الله من طرف آخر، واستمرت لفترات متقطعة بين الطرفين، تخللها عمليات اعتقال متبادلة بينهما. 

وفي أيار/مايو الماضي، أعلن الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، أنهم بدؤوا تفكيك مواقعهم في جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان، بعد انتهاء مهمتهم فيها. ونقل موقع قناة "المنار" الذراع الإعلامي للحزب، أن الجيش اللبناني استلم المواقع العسكرية غرب بلدة الطفيل وجرود بريتال وحام ومعربون، وذلك بعد أن تمكن النظام السوري بدعم إيراني وروسي، من استعادة السيطرة على كافة المناطق المتاخمة للحدود السورية مع لبنان في ريف دمشق الغربي.

لاجئو عرسال.. الهدف القائم للجيش اللبناني

تحت عنوان فضفاض تناقلته الصحف اللبنانية هو: "قضّ المضاجع"، نفّذت عناصر "الفوج المجوقل" للجيش اللبناني، نهاية حزيران/يونيو المنصرم، عمليات دهم لمخيمات اللاجئين السوريين في بلدة عرسال، بحجة البحث عن أشخاص منتمين لتنظيمي جبهة النصرة والدولة الإسلامية (داعش)، بناءً على معلومات وردته عن نية إعداد مجموعات تتبع للتنظيمين المتشددين، عبوات وأحزمة ناسفة في مخيمي النور والقارية، بجرود عرسال.

وبحسب البيان الصادر عن الجيش اللبناني، فإن عملية المداهمة أسفرت عن تفجير أربعة انتحاريين لأنفسهم، فيما قالت وسائل إعلام أخرى، إن خمسة أشخاص فجّروا أنفسهم، بينهم قيادي في جبهة النصرة هو "أبو عائشة" وآخر قاضٍ شرعي في التنظيم هو "أبو عبادة". وبحسب وسائل إعلام، فإنّ عمليات المداهمة أدت لإيقاف أكثر من 150 لاجئ سوري في مخيمات عرسال، وجرح أكثر من 10 عناصر بالجيش اللبناني، فضلًا عن إصابات في صفوف اللاجئين، بينهم أطفال.

والمثير في عمليات الدهم الأخيرة، أنها جاءت متزامنة مع تصريحات قيادات في الأحزاب اللبنانية، من ضمنها حزب الله طبعًا، تدعو للتنسيق بين النظام السوري والحكومة اللبنانية، لاتفاق على خطة تفضي بعودة اللاجئين السوريين إلى المناطق الآمنة، بالإضافة إلى حملة تحشيد قادها عدد آخر من قادة الأحزاب الموالين للنظام السوري، على رأسهم رئيس حزب "التوحيد العربي" الدرزي وئام وهاب، عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر.

 

 

ورغم انتقاد نشطاء سوريين ولبنانيين للأحداث التي رافقت عمليات الدهم للاجئين السوريين الفارين من مناطقهم، نتيجة العمليات العسكرية التي يشارك فيها حزب الله بشكل واسع في كافة الخارطة السورية؛ إلا أنّ تطورًا جديدًا برز أمس الثلاثاء، عندما أعلن الجيش اللبناني عن 4 جثث للاجئين، دفن منها ثلاثة بشكل متكتم، وكانوا قد قتلوا تحت التعذيب في أقبية الجيش اللبناني، وهم بين المعتقلين ضمن عمليات الدهم الأخيرة. وتشير مصادر عدة إلى ارتفاع عدد المعتقلين المقتولين تحت التعذيب صباح اليوم الأربعاء، إلى عشرة لاجئين استنادًا إلى تواتر الأنباء أن جثثًا أخرى محفوظة في الثلاجات مع جثث الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم.

وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يُقتل فيها هذا العدد من اللاجئين السوريين تحت التعذيب في أقبية المعتقلات اللبنانية، ما يمثل انتهاكًا واضحًا لمواثيق حقوق الإنسان الدولية. وكما درجت العادة، فقد نفى الجيش اللبناني تعرض اللاجئين للتعذيب، مبررًا موتهم بأنّ "عددًا منهم يعاني مشاكل صحية مزمنة قد تفاعلت نتيجة الأحوال المناخية"، زاعمًا أن التقارير الطبية الشرعية أثبتت ذلك. إلا أن البيان حمل في مضمونه صدفة معاناة جميع المعتقلين المتوفين لـ"أمراض مزمنة"!

الصور تُكذّب رواية الجيش اللبناني

في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء، نشرت مجموعة "العمل لأجل المعتقلين السوريين"، صورًا لأحد المعتقلين المتوفين تحت التعذيب، والُمسلّمة لذويه في مخيمات اللاجئين السوريين، حيثُ بيّنت تعرض مناطق في جسده لكدمات ناتجة عن الضرب كما يتضح، بالإضافة لجرح كبير في مرفق اليد اليمنى، ما يدلل على تعرض المعتقلين للتعذيب بأساليب مشابهة لتلك المستخدمة داخل أقبية أجهزة المخابرات السورية.

وعقب انتهاء عمليات الدهم التي تعرضت لها مخيمات اللاجئين، انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت اللاجئين الذكور ممدين على الأرض بأجسادهم العارية، وينتشر حولهم مجموعة من عناصر الجيش اللبناني. وهذه ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها صور بهذه القساوة، إذ إن معظم المخيمات التي تشرف عليها منظمات تابعة للأمم المتحدة في عرسال، تعرضت في فترات مختلفة لعمليات مماثلة، بذريعة البحث عن عناصر في صفوف الجيش السوري الحر أو التنظيمات المتشددة.

وفيما تعالت الأصوات المطالبة باحترام حقوق اللاجئين السوريين في مخيمات عرسال، رفضت مخابرات الجيش اللبناني دخول محامية للمخيمات من أجل حصولها على توكيل من أهالي الضحايا، لـ"متابعة موضوع جثث المعتقلين المودعة في برادات مستشفيات زحلة وبعلبك"، وفق ما كتب مدير المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان (لايف) نبيل الحلبي، الذي أضاف: "المعتقل المتوفى يجب أن يتابع ذووه أو من ينوب عنهم قانونيًا إجراءات إلزامية كتشريح الجثة وبيان سبب الوفاة تحت إشراف النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، وهذا لم يتم، ويدل مما لا يدع مجالًا للشك، على أن السلطات اللبنانية تخفي الأسباب الحقيقية للوفاة، وتضع نفسها في شرك الاتهام".

وفي محاولة للضغط على اللاجئين في مخيمات عرسال، من أجل عودتهم إلى مناطق سيطرة النظام، في ظل الاختلاف الذي يشهده اجتماع "أستانا 5" بين الوفود المشاركة؛ سُجّل بعد يومين من مداهمات الجيش اللبناني، وقوع حادثتي حريق في مخيمي تل سرحون في بر إلياس ومخيم الرائد في قب إلياس، ما أودى بحياة طفلين، وسقوط عدد من الجرحى، بالإضافة إلى احتراق أكثر من 30 خيمة، دون أن تُعرف الأسباب الكامنة وراء اندلاع الحرائق في المخيمين، في ظل موجة التحشيد الشعبي التي يقودها حزب الله مع حلفائه للضغط على رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، للتنسيق مع النظام السوري من أجل عودة اللاجئين إلى سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: المشهد السوري بعد أستانا

وأطلق نشطاء سوريون نداءً طالبوا من خلاله الحكومة اللبنانية بـ"تحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية تجاه اللاجئين، والمنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقيات والقوانين الدولية، تجاه ما حدث في مخيم عرسال"، داعين إلى "تأمين المأوى للعائلات المشردة، والإفراج عن المعتقلين تعسفًا، والعمل على محاربة خطاب الكراهية والعنصرية الذي يتعرض له اللاجئ السوري في لبنان، والالتزام بالمواثيق الكفيلة بصون كرامة المدنيين أينما كانوا"، كما توجهوا للأمم المتحدة، مطالبين بـ"تأمين الحماية للاجئين السوريين وفق القوانين والأعراف الدولية الناظمة لحقوق اللاجئ حتى عودتهم إلى ديارهم".

أصوات تؤيد انتهاكات الجيش اللبناني.. وأخرى تحذف تغريدتها!

كان من أكثر الداعمين لمداهمات الجيش اللبناني، الوزير الأسبق وئام وهّاب، الذي قال عنها، إنّ "جوزيف عون (قائد الجيش)، أكمل ما بدأتُه، وعالج بؤرة عرسال، رأفة بأهلها، وكلنا معك ولا تلتفت إلى المنافقين"، مُعلقًا على قضاء المعتقلين اللاجئين تحت التعذيب، بقوله: "نستغرب الحملة على الجيش بسبب بعض الموقوفين على أساس أنهم أعضاء جمعية مار منصور الخيرية. الجيش خط أحمر ومن لا يحب ذلك الله معو فليغادر لبنان".

أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، فقد قال في تغريدة له على تويتر: "التعذيب لا يولد إلا التطرف. وجب التمييز بين الإرهاب واللاجئ السوري"، قبل أن يحذفها، ليكتب بدلًا عنها: "سحبت التعليق طوعًا كي لا يُفسّر على غير ما يتحمل"، فيما اعتبر جبران باسيل، وزير الخارجية والمغتربين، ورئيس التيار الوطني الحر، أن "الإرهاب يتغطى بالنزوح، ويستعملونه غطاءً ليمارسوا أفعالهم الإرهابية، لذلك علينا مواجهة النزوح بجرأة وقرار حازم من الدولة اللبنانية". 

ويُعرف عن باسيل معارضته الحادة منح الجنسية اللبنانية لأطفال الأم اللبنانية المتزوجة من سوري أو فلسطيني، كما يعرف عنه أنه من أكثر الأصوات التي تحارب تواجد السوريين في لبنان.

عديد السياسيين وقادة الأحزاب اللبنانية أيدوا مداهمات عرسال، وعلى رأسهم وزير الخارجية جبران باسيل العدو اللدود للاجئين السوريين

أما الرئيس اللبناني ميشال عون، عمّ الوزير باسيل من ناحية الزوجة، فقال عبر تغريدة غير بريئة: "عندما حاصر محمد الفاتح القسطنطينية، كان أهلها منشغلين بالجدل حول جنس الملائكة. هو الجدل البيزنطي الذي لا ينتهي ويصرف الجهد عن الجوهر، فاجتنبوه". وهو ما يبدو أنه رد على المدافعين عن الانتهاكات التي تعرض لها اللاجئون في مخيمات عرسال.

اقرأ/ي أيضًا: فوبيا اللاجئين السوريين في لبنان.. عنصرية من الوزير قبل المواطن

أما نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، فقد دعا بعد يومين من عمليات الدهم لمخيمات عرسال، الحكومة اللبنانية للتنسيق مع النظام السوري من أجل تسهيل عودة اللاجئين "طوعًا إلى المناطق الآمنة داخل سوريا"، مشددًا على أن "الحل الأمني لا يكفي وحده ويتطلب هذا الحل حلًا سياسيًا واجتماعيًا". 

هكذا إذن يتحمل اللاجئون السوريون في لبنان أثمانًا لا طاقة لهم بها، تخدم أجندات لا طائل لهم فيها، لتضاف إلى رزنامة الأثمان التي ترتبت عليهم منذ إجبارهم على رحلة اللجوء نتيجة حرب الأسد وحلفائه، التي عسكرت ثورتهم واختطفتها، ويصطفون بذلك مع مظلومي وضحايا الحسابات اللبنانية وتحالفات "مشايخ وقبضايات" السياسة اللبنانية الذين دفعوا أثمانًا شبيهة منذ ما قبل قبل صبرا وشاتيلا وقبل تل الزعتر، وتستمر عقلية التوحش العنصري وممارسته بعد نهر البارد وعين الحلوة لتصل اليوم إلى عرسال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اللاجؤون السورين في البازار اللبناني

لبنان: "جدار العار" يشعل جبهات الـ"سوشيال ميديا"