30-سبتمبر-2016

لاجئات سوريات يتحدين الظروف بأعمال تقهر الرجال(جوخان ساهين/Getty)

مئات الآلاف من اللاجئين السوريين هجروا بلدانهم وقراهم الجميلة واستوطنوا في بلاد الأغراب وقراها "الشرسة"، ومن تلك البلاد تركيا، التي فتحت أبواب "مملكتها" في وجوه السوريين القادمين كالسيل الجارف والهاربين من الموت الأسدي، ليقعوا بين أيادي الشعب التركي وفي دكاكينه ومعامله ومزارعه ويتخذون من أكواخ تركيا سكناً لهم ولعائلاتهم ومن حاراتها وبيوتها الإسمنتية القديمة المهترئة ملجأ لهم ولأجسادهم المتعبة.

لكل عائلة من عائلات اللاجئين السوريين ظروف لا تتشابه مع غيرها لكن تبقى أصعب التجارب معاناة النسوة ونضالهن لتوفير حياة كريمة

وفي مدن وقرى قريبة من سكنهم، انتشروا بصمت وألم وحزن فأصبحت شمسهم وهواؤهم في أنطاكيا واسكندرون وغازي عنتاب والريحانية وكركهان وكيليس وأورفا واسطنبول وغيرها من المدن السعيدة بوجود السوريين وأموالهم ومعاملهم فيها.

اقرأ/ي أيضًا:  عودة الطلاب السوريين في تركيا: تطورات ومخاوف

ولكل عائلة من أولئك اللاجئين ظروف لا تتشابه فيما بينهم أبداً فالفوارق شاسعة، فمن عائلات ميسورة الأحوال لملمت ممتلكاتها وأتت إلى تركيا للعيش ببذخ، إلى عائلات جلبت معها مالاً ساعدها على حماية أفرادها من العوز وهم يبحثون عن عمل يسند حياة عائلاتهم، أو عائلات كان معها رأس مال كاف لافتتاح دكان أو مطعم صغير أو مشروع استثماري يجر ربحًا للعيش في بلد كتركيا، وصولًا إلى عائلات ليست غنية وفي نفس الوقت ليست فقيرة عاشت بضعة شهور من الصرف والاستهلاك ريثما أوجدت لها أعمالاً في متاجر وأسواق تركيا.

لكن هناك أيضًا عائلات قد بلغت خط الفقر وبعضها تجاوزه بكثير، وتلك مصيبتها كبيرة، لولا أن الحظ حالفها فوصلت تركيا بأمان وكلفة أقل فأمست تعمل كل نهار معتمدة على عرق جبينها ومجهودها العضلي الذي لا تملك غيره من أجل تلبية متطلبات الحياة اليومية والتغلب على مشاكلها ومنغصاتها. مشاهد كثيرة وروايات واقعية ستظل محفورة في الذاكرة، يحملها اللاجئون السوريون معهم أينما حلوا ولعل المرأة السورية أهم شخصيات تلك الروايات المكتوبة بالدم والدمع. "ألترا صوت" رصد ما يحدث على أرض الواقع في هذا التقرير.

أم عبدو، تجاوزت الأربعين وهي  من ريف حماة، تسكن مع عائلتها في كركهان. تقول لـ"الترا صوت" بعد تنهيدة طويلة: "لساني يعجز عن الوصف، كنا نعيش حياة جيدة في إحدى قرى حماة ولدينا مزارع قمح وشعير وبئر ارتوازي نعتمد عليها بعد وفاة زوجي الذي ترك لي ثلاثة شبان وابنتين ولم نكن نتوقع أن نهجر مزارعنا ونترك بيوتنا، التي نهبت، ونسكن في بلد أجنبي وكل ظننا كان أن المسألة لأيام أو أشهر ولكننا في السنة الرابعة ونحن هنا قابعون".

وتتابع أم عبدو: "بعدما صرفنا أموالنا في تركيا على أجور البيوت وفواتير الكهرباء والمياه ولم يتبق لدينا إلا ما يكفينا لشهر واحد أو اثنين، وبعدما كنا نعمل في أرضنا ومزارعنا أصبحنا نعمل عند الغرباء وفي مزارعهم، نقوم بالتعشيب وقطف القطن والخضروات وهذا العمل الوحيد الذي يتقنه أولادي وبناتي، اضطررت أنا أيضًا للعمل وأن أكون سندًا لأبنائي خاصة بعد زواج ابني الكبير واستقلاله في منزل لوحده ومرض ابني الأوسط حيث بقيت مع بناتي وابني الأصغر نعمل في المزارع ونعاني من جشع الناس وظلم العباد، الذين يتحكمون بنا ويطمعون أحيانًا".

اقرأ/ي أيضًا:  جبران باسيل ..العنصرية ضد السوريين كاستراتيجية

وفي أحد محلات الحلويات في مدينة غازي عنتاب، تقف لجين الحلبية، التي لم تتجاوز الثلاثين، نراها تنتقل من مكان إلى آخر لا تهدأ فهي تبيع وتحاسب الزبون وتوضب الحلويات وتترجم للزبون وبالكاد استطعنا أن نحدثها، فتقول، وهي تبتسم ابتسامة متعبة وحزينة: "عشت في سوريا حياة رفاهية، حيث كانت عائلتي من العائلات الغنية وكنت ابنتهم المدللة وبعد زواجي منذ سبع سنوات وبعد تأزم الوضع في البلد واشتعال الحرب، اصطحبني زوجي إلى مدينة غازي عنتاب واستقرينا فيها وبدأت رحلة البحث عن عمل".

تشتغل اللاجئات السوريات في تركيا في الطبخ والتجارة والزراعة وغيرها من الأنشطة وتتحدين الظروف الصعبة واللا إنسانية أحيانًا

وتضيف لجين لـ"الترا صوت": "عمل زوجي لا يكفي لسد متطلبات المعيشة مما جعلني مرغمة على العمل، أنا أوضب الحلويات وأبيع وأحاسب وأترجم ولا أجلس طيلة ساعات العمل الطويلة إلا ساعة الغداء والتي تسمى ساعة وهي تقدر بنصف ساعة فقط، فصاحب العمل لا يحب أن يراني جالسة، ولكني اعتدت على ذلك فالحياة تتطلب الكثير من الضروريات والأساسيات التي لا يستغنى عنها".

وفي مطبخ لمطعم فاخر في أنطاكيا، التقينا سعدية، والبالغة من العمر 46 عامًا، تقول وهي منهمكة في الطبخ: "سمع زوجي بأن هذا المطعم يبحث عن سيدة مختصة بالطبخ وعرض علي الفكرة فوافقت لأني أحب الطبخ وأتفنن فيه، أعجبوا بمأكولاتي وتابعت العمل في الطبخ ورغم أن ضغط العمل كبير إلا أنني أتحمل مشقة الدوام وروائح الطبخ لكي أعين زوجي في مسيرة الحياة الصعبة، فالأجور غالية والأسعار مرتفعة في تركيا".

أما س.خ، من ريف حمص، وقد رفضت الكشف عن اسمها، فتقول: "لقد عانيت كثيرًا مع أولادي فقد خرجنا من تحت الأنقاض أحياء واستشهد زوجي ببرميل الأسد المجرم واستطعت أن أهرب بأعجوبة من حواجز النظام مع أولادي، حيث دفعت الكثير من المال لعناصر الحواجز والأمن حتى وصلت إلى المناطق المحررة بأمان وانتقلت لمعاناة أخرى بعد اجتيازي للحدود التركية".

وتواصل: "دفعت ما تبقى معي من مال للمهربين الجشعين ووصلت إلى مدينة الريحانية على الحدود ولم أنتظر طويلاً حتى التزمت مع ورشة زراعية تعمل على قطف الخضروات فأنا المعيلة الوحيدة لأن أولادي صغار السن. لا أعاني من صعوبة في أعمال الزراعة فقد تعودت ولكن أرباب العمل هم المشكلة، حيث يوزعون علينا نحن العمال كل أسبوع أو ثلاثة أسابيع دفعة قليلة من المال بالكاد تكفينا للعيش خلال تلك الفترة".

ومن جانبها، تقول السيدة ض.ملاحي من حلب وهي تقيم في اسطنبول: "قلوبنا تعتصر ألماً نحن السيدات اللاتي وقعن في براثن الغربة وكل ما أصابنا ويصيبنا في هذه البلاد الغريبة بسبب جشع وإجرام النظام الأسدي الغادر وبمساندة دولية كبيرة، ولولا تلك المساندة لما صمد هذا المجرم وتفنن في القتل والتدمير، هذا هو الإرهابي الأكبر الذي جعل النساء السوريات يتجولن في الشوارع وأمام الجوامع يتسولن والكثير منهن تحولن من مدللات إلى عاملات عند الغرباء وعند من لا يرحم".

اقرأ/ي أيضًا:

السوريون وقصص الحنين.. سنرجع يومًا إلى حيّنا

تركيا.. اللاجئون في المزاد