28-مايو-2019

لا يزال ملف جوليان أسانج يثير كثيرًا من الجدل (Getty)

ما زال ملف مؤسس منصة ويكليكس جوليان أسانج، يثير كثيرًا من الجدل، وكذا الاتهامات الموجهة له من وزارة العدل الأمريكية. ولعل المفارقة الأساسية في هذا الملف، تكمن كما يوضح جيمس ريزن في هذا المقال المترجم عن موقع ذي إنترسيبت، في إمكانية استخدام نفس النمط من الاتهامات لإدانة أي صحافي في أي مؤسسة إعلامية.


الديموقراطية الحقة لا تسمح للحكومة بتقرير من هو الصحفي. الأمة التي تمنح زعيمها سلطة اتخاذ هذا القرار تضع أقدامها على أول طريق الديكتاتورية.

يحصل ويكيليكس على مواد من مصادر داخل الحكومات والمنظمات ثم ينشرها للعلن، إما على منصته نفسها أو بإرسالها إلى كبريات وسائل الإعلام. وبذلك مثل وسيطًا بين المصادر والناشرين والمراسلين

من هذا المنطلق، فإن لائحة الاتهام الأمريكية الجديدة ضد جوليان أسانج تهدد الحرية في أمريكا. فقد وجهت إدارة ترامب لأسانج، وفقًا لقانون التجسس، تهمة التآمر لتسريب وثائق سرية. تركز لائحة الاتهام على جهوده المزعومة لتشجيع المحللة السابقة بالاستخبارات العسكرية تشيلسي مانينغ على تسريب وثائق سرية له ولويكيليكس قبل عقد من الآن. 

اقرأ/ي أيضًا: جوليان آسانج: مستعد لأي مصير

نشر العديد من هذه الوثائق التي شملت تقارير عسكرية وبرقيات لوزارة الخارجية الأمريكية لاحقًا من على منصة ويكيليكس، لكنها شكلت كذلك أساسًا لتقارير صحفية لهيئات ووسائل إعلامية كبرى مثل نيويورك تايمز والغارديان، اللتين نشرتا بعض هذه الوثائق. ساعدت تسريبات مانينغ في تسليط الضوء على الحقيقة المخفية بشأن الحروب في العراق وأفغانستان والحرب العالمية على الإرهاب بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وكان من بين الوثائق المسربة مقطع فيديو سري لمروحيات عسكرية أمريكية هجومية تقتل عشران المواطنين من بينهم اثنان من صحفيي رويترز في بغداد عام 2007، وشملت كذلك أكثر من 250 ألف برقية لوزارة الخارجية الأمريكية، والتي تظل حتى الآن مصدرًا مهمًا للصحفيين والباحثين الذين يدرسون السياسة الخارجية الأمريكية.

حولت وثائق مانينغ ويكيليكس إلى لاعب جديد غريب في الساحة الصحفية الحديثة. يحصل ويكيليكس على مواد من مصادر داخل الحكومات والمنظمات ثم ينشرها للعلن، إما على منصته نفسها أو بإرسالها إلى كبريات وسائل الإعلام. وبذلك مثل ويكيليكس وسيطًا بين المصادر والناشرين والمراسلين.

هل يصبح مؤسس المنصة أسانج، صحفيًا على هذا الأساس؟ أثار هذا السؤال سجالًا لم يخمد حتى الآن.

لا يريد الصحفيون أن تجيب الحكومة على هذا السؤال، ولا يجب على الأمريكيين أن يرغبوا بذلك أيضًا. فإذا أصبح للحكومة كلمة في تحديد ماهية الصحافة، ما الذي سيمنعها من إصدار أحكام مشابهة ضد أي منصة أو وسيلة لا تعجبها تغطيتها؟

تقول لائحة الاتهام إن أسانج وويكيليكس "حصل وسعى للحصول ونشر معلومات أخفتها الولايات المتحدة، بسبب الأخطار الكبيرة المحدقة بالأمن القومي للولايات المتحدة، في حالة الكشف عنها".

يكاد يكون هذا هو التعريف الحرفي لعمل مراسل قضايا الأمن القومي في كبريات الوسائل الإعلامية. ألق نظرة على صفحات النصائح في معظم المنصات الإعلامية الجديدة وسترى تشابهًا ملحوظًا بين ما يطلبه الصحفيون وما سعت له ويكيليكس.

وتقول لائحة الاتهام أيضًا إن "موقع ويكيليكس طلب صراحة الحصول على مواد سرية محظورة ومقيد الوصول إليها حتى أيلول/سبتمبر 2010". واليوم لدى كل وسائل الإعلام الكبرى تقريبًا، صناديق استلام آمنة، بإمكان المصادر توصيل المعلومات إليها بسرية. كانت ويكيليكس قد روجت لهذه التقنية للحصول على تسريبات مجهولة المصدر، لكنها اليوم ممارسة صحفية شائعة.

وتقول لائحة الاتهام "إن أسانج روج لويكيليكس لتشجيع الأشخاص الذين لديهم صلاحية الحصول على معلومات محمية أو سرية، على منحها لويكيليكس لكشفها علنًا". تقريبًا كل مراسل مختص بالأمن القومي يظهر على التلفاز ويلقي خطابات أو يقوم بجولات للترويج لكتبه وأعماله وأملًا في الحصول على مصادر جديدة.

كل هذه الاتهامات تطرح سؤالًا واحدًا، هو إن كان بإمكان الحكومة توجيه الاتهام لأسانج لأنه حصل على وثائق مسربة، ما الذي سيمنعها من توجيه الاتهام للمراسل المختص بالـ CIA في جريدة نيويورك تايمز لارتكابه نفس الجريمة؟

بدأت إدارة أوباما تحقيقًا حكوميًا بشأن أسانج وويكليكس فيما يخص تسريبات مانينغ، لكن ظلت مشكلة كيفية التفريق بين ويكيليكس وبقية وسائل الإعلام مؤرقة بالنسبة لهم.

أما إدارة ترامب فلا تكبحها مثل هذه المعضلات. فدونالد ترامب يرى في الإعلام عدوًا للشعب، واتهام أسانج يفتح الباب أمام وزارة العدل في إدارته لملاحقة بقية الهيئات الصحفية.

تكمن المفارقة الكبرى، في أن ترامب أعلن صراحة حبه لويكيليكس خلال حملة 2016 الرئاسية، عندما عمل ويكيليكس وسيطًا بين كيانات روسية مشبوهة تقف خلفها الاستخبارات الروسية، ووسائل الإعلام الأمريكية في نشر رسائل البريد الإلكتروني المخترقة ووثائق أخرى من حملة هيلاري كلينتون والحزب الديموقراطي.

أما مسألة علم ويكيليكس وأسانج بحقيقة أنهم يحصلون على المواد بشكل غير مباشر من الاستخبارات الروسية فما زالت قيد النظر. لكن لا شك أن نيويورك تايمز والانترسبت وهيئات إعلامية كبرى تجاهلت  مصدرها وجمعت المواد المسربة ونشرتها في خضم حملة 2016 الرئاسية، وكانت النتائج حسنة بالنسبة لترامب.

لكن القضية التي رفعتها الحكومة ضد أسانج لا علاقة لها بدوره في تمرير الوثائق التي سرقها الجواسيس الروس للمساعدة في فوز ترامب بانتخابات 2016. لكنها تركز بدلًا من ذلك، على أعماله المبكرة، التي سلطت الضوء على الجوانب المظلمة من الحرب على الإرهاب.

اقرأ/ي أيضًا: جوليان آسانج معتقلًا في لندن.. مرحبًا في "مزرعة الأخ الأكبر"

الطبيعة الانتقائية للاتهامات الموجهة ضد أسانج تدل على أن هذه قضية مسيسة صنعتها وزارة العدل التي يرأسها خادم ترامب ويليام بار. وفي مسعاها لملاحقة أسانج بسبب دوره في خلق صحافة رائدة، تجاهلت وزارة العدل في إدارة ترامب الحالة الوحيدة المعروفة التي تعاون فيها أسانج، ربما عن غير قصد مع وكالة استخبارات أجنبية. 

الطبيعة الانتقائية للاتهامات الموجهة ضد أسانج تدل على أن هذه قضية مسيسة صنعتها وزارة العدل التي يرأسها خادم ترامب ويليام بار، في مسعاها لملاحقة أسانج بسبب دوره في خلق صحافة رائدة

ولكن نظرًا لأن تسليط الضوء على هذه الزاوية قد يطرح أسئلة جديدة عن الصلات المزعومة بين ترامب وروسيا، فمن غير المرجح على الإطلاق أن تسلك وزارة العدل هذا الدرب. بدلًا من ذلك، ستسعى لاتهامه بنشر وثائق سرية ساعدت في توعية المواطنين الأمريكيين بأفعال حكومتهم. يجب على كل الصحفيين وكل المواطنين الأمريكيين أن يقلقوا من هذا الأمر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جوليان آسانج.. صحافي نادر على طريقته

كيف عرّى جوليان أسانج التلفيق والفبركة في مؤسسات إعلامية كبرى؟