28-سبتمبر-2017

القوات الإسبانية تمنع مغاربة من العبور إلى مدينة مليلية المحتلة (أرشيفية/ عبدالحق سينا/ أ.ف.ب)

في العادة، تحرص كل من إسبانيا والمغرب على التعبير عن متانة العلاقة بينهما، إلا أنه في الواقع ثمة حديث عن توتر صامت في العلاقات بين الطرفين، خصوصًا بعدما أشار وزير الداخلية الإسبانية إلى رغبة بلاده فرض تأشيرة على المغاربة القاطنين بمدينتي الناظور وتطوان، ليرد المغرب بوصف إسبانيا بـ"المستعمر"، في تصعيد للخطاب يدل على أن العلاقات بين البلدين ليست في أحسن أحوالها.

تصاعدت حدة الخلافات بين إسبانيا والمغرب بعد إعلان الأولى رغبتها في فرض تأشيرة دخول لسبتة ومليلة على سكان الناظور وتطوان

وكان "خوان إيغناسيو زوديو"، وزير الداخلية الإسباني، قد صرح قبل أيام أن سلطات بلاده عازمة على التفاوض مع المغرب لمراجعة ما أسماها بـ"الاعفاءات والامتيازات" الممنوحة لعمالتي تطوان والناظور في اتفاقية "شينغين" لدخول سبتة ومليلة المحتلتين من طرف الإسبان، إذ إن سكان المدينتين يدخلان سبتة ومليلة بجواز سفر مغربي فقط، دون الحاجة لتأشيرة دخول.

اقرأ/ي أيضًا: هجمات برشلونة.. كيف يتحول الشخص العادي إلى إرهابي؟ 

هذا التصريح الإسباني، والرد المغربي عليه بوصف إسبانيا بـ"المستعمر"، يدل على "وجود أزمة بين المغرب وإسبانيا فيما يتعلق بتدبير بعض الملفات بين البلدين"، حسبما قال فؤاد فرحاوي، الباحث في الشؤون الاستراتيجية الأفروآسيوية خلال حديثه لـ"ألترا صوت".

ومن الملاحظ أن الحديث الإسباني هذا، جاء بعد العملية الإرهابية التي تعرضت لها مدينة برشلونة منتصف آب/أغسطس الماضي، إذ تدعي التقديرات الأمنية الإسبانية ضرورة "ضبط المنافذ الحدودية" للتقليص من احتمالية ولوج "عناصر إرهابية".

فرحاوي يصف التقديرات الأمنية الإسبانية بـ"الادعاءات غير المقعنة"، مُوضحًا: "لوجود تعاون أمني مغربي قوي بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، ما يدل على أن وراء الإجراءات الإسبانية أهداف أخرى".

ويذكر أن خوان خيسوس فيفاس، رئيس الحكومة المستقلة لسبتة المحتلة، يتشبت بمراجعة ولوج سكان تطوان والناظور للمدينة، علمًا بأن الطلب تُقرر فيه كل من الحكومتين الإسبانية والمغربية إضافة إلى الاتحاد الأوربي. 

وعلى ما يبدو فإن المقترح يأتي بسبب الضغط الكبير الذي يعرفه معبر باب سبتة، إذ يعبره أكثر من 20 ألف شخص بشكل يومي، من بينهم الآلاف من ممتهني التهريب المعيشي، دون أن ننسى ارتفاع عدد الوفيات في صفوف النسوة،  كما أن قرار فرض التأشيرة على المغاربة رفضه رجال الأعمال الإسبان الذين يدر عليهم التهريب المعيشي أرباحًا كبيرة.

ماذا يجري بين البلدين؟

وبعد إعلان إسبانيا عن عزمها فرض تأشيرة لدخول سبتة ومليلة المحتلتين، على مواطني الناظور وتطوان المعفيين منها؛ وجّه مصطفى الخلفي، الناطق باسم الحكومة المغربية، انتقادات للسلطات الإسبانية، ولأول مرة وصفت الحكومة المغربية إسبانيا  بـ"المستعمر"، ما يؤكد بالفعل أن العلاقة بين البلدين متوترة.

وخلال ندوة صحفية، قال مصطفى الخلفي، إن "ما يحصل على الحدود الاستعمارية شمال المغرب، لا يمكن أن يستمر دائمًا.

ردت الحكومة المغربية على تصريحات وزير الداخلية الإسباني، بوصف إسبانيا للمرة الأولى بـ"المستعمر"

والواقع أنه منذ مدة كان هناك حديث عن توتر صامت في العلاقات المغربية الإسبانية، كما يقول فؤاد فرحاوي، "وقد كان القرار المغربي حول دمج المجال البحري للصحراء في نطاق المياه الإقليمية المغربية، خلال تموز/يوليو الماضي، إحدى الموضوعات الخلافية بين إسبانيا والمغرب، لكون الحدود البحرية مع جزر الكناري لم يتم ترسيمها بعد"، حسبما قال.

اقرأ/ي أيضًا: ترسيم الحدود البحرية للصحراء.. ضربة استباقية من المغرب ضد البوليساريو

وأضاف فرحاوي: "يبدو أن مثل هذا القرار يخلف تداعيات استراتيجية، خاصة وأن المنطقة تشهد جهود لاستكشاف الطاقة، ولاشك أن اسبانيا تتوجس من نفوذ قوى دولية أخرى على مصادر الطاقة في قبالة السواحل الصحراوية المغربية".

وفي الوقت الذي تجاوزت فيه شركات نفطية عالمية، المقاربة الإسبانية التي تربط بين النزاع في الصحراء والاستثمارات، تقوم إسبانيا بمناورات بحرية في المنطقة، بحجة مكافحة التهريب والهجرة السرية نحو جزر الكناري، وذلك بالتعاون مع البحرية الموريتانية، وهو بوصف فرحاوي "يُعد استفزازًا وتجاهلًا للمغرب".

سباق الحوض المتوسطي

وما يثار من أزمة صامتة بين المغرب وإسبانيا حول الحدود البحرية في الجنوب، يثار أيضا في الشمال، وعلى وجه التحديد مع مليلية وسبتة المحتلتين.

وفي هذا السياق، يعتقد فؤاد فرحاوي، أنه "لم يكن صدفة أن ينشر الإسبان في تموز/يوليو الماضي، مقطع الفيديو المتعلق بعملية اعتقال الجنود المغاربة، عندما اندلعت الأزمة حول جزيرة المعدنوس عام 2002".

بعد ذلك تداولت وسائل إعلام، نقل إسبانيا تجهيزات من جزيرة النكور المحتلة (المعروفة باسم صخرة الحسيمة)، نحو جزيرتي الحسيمة (مار والبحر) قبالة شاطئ الصفيحة، بغرض تدشين منشآت عليها في خرق للعرف بين البلدين، الذي يقضي بترك الجزيرتين على ما هي عليهما.

وصحيح أن إسبانيا نفت ما تم تداوله، إلا أن فرحاوي يرى أنه "لا ينبغي تجاهل مثل هذه التسريبات، خاصة وأن الحوض المتوسطي يشهد دينامية أمنية كبيرة منذ سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا، فانهيار الدولة هناك أحيت المنافسة بين القوى الأوروبية حول النفوذ البحري، ونشاهده بشكل واضح في المبادرات الأوروبية والأطلسية لمراقبة المياه الليبية بحجة مكافحة الهجرة السرية (الهجرة غير الشرعية)".

باحث في الشؤون الاستراتيجية: "التحركات الأخيرة تكشف رغبة إسبانيا فرض أجندة أمنية على المغرب باستغلال ملفي الإرهاب والهجرة السرية"

ويربط فرحاوي هذا بطلب السلطات الإسبانية، من السلطات المغربية، في أيار/مايو الماضي، السماح لطيرانها بالتحليق فوق المياه الإقليمية للمغرب، بحجة مكافحة الهجرة السرية، قائلًا: "مع هذا، ومن خلال إجراءاتها الأخيرة في الثغرين المغربيين، أظن إن إسبانيا ترغب في فرض أجندة أمنية على المغرب فيما يتعلق بالأمن البحري، مستغلة ملفي الإرهاب والهجرة السرية، وهو ما ينبغي التعامل معه بحذر شديد".

 

اقرأ/ي أيضًا:

تطورات خطيرة في إسبانيا.. كاتالونيا تتجه نحو الانفصال ومدريد تتحرك للردع

مسيحيو المغرب.. أقلية دينية غير معترف بها رسميًا!