كييف في وضع صعب.. حصار في كورسك وماسك يلوح بقطع خدمات ستارلينك عن جيشها

باتت القوات الأوكرانية، التي توغلت آب/أغسطس الماضي في كورسك الروسية، محاصرة تقريبًا ومعرّضةً لخطر الانفصال عن خطوط إمدادها الرئيسية، بعدما شنت القوات الروسية هجومًا مضادا، استعادت على إثره بلدات ومواقع من منطقة كورسك التي كانت كييف تعلق آمالًا عريضة عليها في أي مفاوضات سلام مع روسيا، بوصفها أهم ورقة ضغط بحوزتها، يمكن أن تستعيد مقابلها بعض أراضيها الخاضعة للسيطرة الروسية.

لكنّ تعليق الولايات المتحدة الأميركية لمساعداتها العسكرية عن أوكرانيا، قلَب الأوضاع على كييف رأسًا على عقب، ولا يبدو أنّ الأمر سيقتصر على مجرّد كورسك، التي بات محتملًا أن تخسرها القوات الأوكرانية في غضون أيام، إذا لم تحدث مفاجأة، بل قد يمتد الأمر ليصل إلى إلحاق هزيمة نكراء بالأوكرانيين في الخطوط الأمامية للمعركة، مع تلويح الملياردير الأميركي إيلون ماسك بقطع خدمة ستارلينك عن الجيش الأوكراني، في حال لم يخضع زيلينسكي لإرادة السلام.

حيث كتب ماسك، اليوم الأحد، منشورًا على منصة "إكس" التي يملكها، قال فيه "إنّ نظام ستارلينك يعدّ العمود الفقري للجيش الأوكراني، وإذا أوقفته فمن المؤكد أنّ خطوطهم الأمامية ستنهار"، مضيفًا "إنّ ما أشعر بالاشمئزاز منه هو أننا وصلنا بعد سنوات من المذابح إلى طريق مسدود ستخسر فيه أوكرانيا حتمًا، وأي شخص يهتم ويفكر ويفهم مسار الأحداث حقًّا سيعمل على وقف الحرب".

محلل عسكري: لم يتبق الكثير حتى يتم تطويق القوات الأوكرانية أو إجبارها على الانسحاب. والانسحاب يعني خوض معركة خطيرة، حيث ستتعرض القوات للتهديد المستمر من قبل الطائرات بدون طيار والمدفعية الروسية

ويأتي نشر ماسك لهذه الرسائل، في ظل توتر العلاقات الأميركية الأوكرانية، واتخاذ ترامب قرارًا بوقف المساعدات الأميركية لأوكرانيا، بما فيها خدمة صور الأقمار الاصطناعية والمعلومات الاستخبارية، الأمر الذي أثّر على الأداء الحربي للقوات الأوكرانية.

وكشف تقرير لفايننشال تايمز أنّ دولًا أوروبية تسابق الزمن "لاستبدال خدمات ستارلينك في أوكرانيا" قبل اتخاذ ماسك قرارًا مشابهًا لقرار الإدارة التي يُحسب عليها.

وأكدت فايننشال تايمز أنّ "4شركات كبيرة لتشغيل الأقمار الاصطناعية وهي: SES في لوكسمبورج، Hisdesat في إسبانيا، وViasat، مالكة شركة Inmarsat البريطانية، وEutelsat/OneWeb الفرنسية، تجري محادثات مع الحكومات ومؤسسات الاتحاد الأوروبي حول كيفية توفير اتصال احتياطي لأوكرانيا" بديلًا لستارلينك.

لكنّ وزير الرقمنة الأوكراني، ميخايلو فيدوروف، يرى أنّ "استبدال أجهزة ستارلينك التي توجد منها أكثر من 40 ألف محطة تعمل في الجيش والمستشفيات والشركات ومنظمات الإغاثة، سيكون عملية شاقة"، وسيكون الزمن عاملًا حاسمًا، إذ كثّفت القوات الروسية من عملياتها، لقطف ما يمكن قطفه من نتائج، في ظل توقف المساعدات الأميركية عن الأوكرانيين.

يشار إلى أنه، وبواسطة خدمات ستارلينك، تحصل القوات الأوكرانية في مراكز القيادة والمواجهة "على تدفق مستمر من اللقطات المستخدمة لتوجيه الضربات بالمدفعية والطائرات بدون طيار"، يضاف إلى ذلك أنّ خدمات ستارلينك "أقل عرضة لأجهزة التشويش الروسية، مقارنة باتصالات الراديو التقليدي" حسب الخبير العسكري الأوكراني بافلو ناروزني.

مصير كورسك

أظهرت خرائط مفتوحة المصدر من Deep State، أن وضع القوات الأوكراني في كورسك تدهور بشكل حاد في الأيام الثلاثة الماضية، بعد أن استعادت القوات الروسية عدة مواقع، في إطار هجوم مضاد كاد يقسّم، حسب رويترز، القوة الأوكرانية الموجودة هناك بالآلاف، إلى نصفين، ويفصل المجموعة الكبيرة منها عن خطوط إمدادها الرئيسية.

ويأتي هذا الموقف الخطير بالنسبة لأوكرانيا، حسب رويترز، بعد أن علّقت واشنطن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف، "مما أثار احتمال إجبار قواتها على التراجع إلى داخل أوكرانيا، أو المخاطرة بالأسر أو القتل".

كما يأتي هذا التحول في ساحة المعركة في وقت تتعرض فيه كييف لضغوط أميركية متزايدة للموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار مع موسكو، ومع استمرار القوات الروسية في التقدم على طول أجزاء من خط المواجهة داخل أوكرانيا.

وقال باسي باروينين، المحلل العسكري في مجموعة بلاك بيرد ومقرها فنلندا، لرويترز: "الوضع بالنسبة لأوكرانيا في كورسك سيئ للغاية"، مضيفًا: "الآن لم يتبق الكثير حتى يتم تطويق القوات الأوكرانية أو إجبارها على الانسحاب. والانسحاب يعني خوض معركة خطيرة، حيث ستتعرض القوات للتهديد المستمر من قبل الطائرات بدون طيار والمدفعية الروسية"، وتابع باروينين "إذا لم تتمكن القوات الأوكرانية من استعادة الوضع بسرعة، فقد تكون هذه هي اللحظة التي يبدأ فيها نتوء كورسك في الاقتراب أخيرًا من جيب محاصر".

يشار إلى أن توغّل القوات الأوكرانية في كورسك آب/أغسطس الماضي، كان أخطر هجوم على الأراضي الروسية منذ الغزو النازي للاتحاد السوفييتي في عام 1941، وكان التوغل مصممًا لجلب الحرب إلى الروس العاديين، الذين حاول الكرملين حمايتهم من تداعيات القتال المستعر داخل أوكرانيا، منذ 3 سنوات.

وقد كان التوغل، حينها ولا يزال، محرجًا لموسكو وأثار تساؤلات غير مريحة حول قدرتها على حماية حدودها. وظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن يقول مرارًا وتكرارًا إن قواته ستستعيد السيطرة الكاملة على كورسك بالقوة، رافضًا أي فكرة لجعلها جزءًا من محادثات مستقبلية أوسع.