بدأ الخبراء والحقوقيون إثارة الأسئلة حول إن كان هناك آلية قانونية يمكن للسوريين اللجوء إليها لاستعادة أموالهم التي نهبتها عائلة الأسد، منذ استيلاء الرئيس الأسبق، حافظ الأسد، على نظام الحكم في سوريا في عام 1970. هذه الأسئلة أتت عقب فرار ابنه، بشار الأسد، من البلاد بعد دخول فصائل المعارضة السورية إلى دمشق، خاصة في ظل التقارير التي تتحدث عن هروبه إلى موسكو، حاملًا معه مئات الملايين من الدولارات وسبائك الذهب.
وبحسب تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأميركية في عام 2022، فإن حجم ثروة عائلة الأسد تُقدر ما بين مليار إلى ملياري دولار أميركي، لكنها تشير إلى أن هذه التقديرات غير دقيقة، كما أنها لا تستطيع تأكيدها بشكل مستقل، معتقدة أن ثروة العائلة "منتشرة ومخبأة في العديد من الحسابات والمحافظ العقارية والشركات والملاذات الضريبية الخارجية"، ورجح التقرير أن "تكون أي أصول متواجدة خارج سوريا ولم يتم الاستيلاء عليها أو حظرها، مسجلة تحت أسماء مستعارة أو باسم أفراد آخرين لإخفاء الملكية والتهرب من العقوبات".
وتعليقًا على الأرقام الهائلة التي تشير إلى الأموال التي نهبها الأسد الابن من سوريا قبل هروبه إلى موسكو، يوضح أمين سر غرفة تجارة إدلب السابق، محمد نبيه السيد علي، في حديثه لموقع "العربي الجديد" بالقول: "سمعنا من أكثر من مصدر عن سرقة الأسد أطنانًا من الذهب وعشرة مليارات دولار، وطبيعي لأي شخص أن يرفض تصديق الأرقام الكبيرة للوهلة الأولى، ولكن حين يفكر بالأمر لا يرفضه، بل وبقليل من المنطق سيصدقه"، وفق قوله.
قامت عائلة الأسد بإخفاء الأموال التي نهبتها من جيوب السوريين في العديد من الحسابات والمحافظ العقارية والشركات والملاذات الضريبية الخارجية
وبيّن السيد علي أنه "من الخطأ الظن أن المسروقات التي غادر بها الأسد هي من احتياطي المصرف المركزي فقط"، لافتًا إلى أن "جلها من أتاوات كانت تتم جبايتها من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين على مدى سنوات، مضافة إليها عائدات المخدرات (الكبتاغون)، التي كانت تصدّر للمنطقة العربية والعالم، ومصادر أخرى عديدة".
ونقل "العربي الجديد" عن رجل أعمال من مدينة اللاذقية، فضّل عدم ذكر اسمه، أنه اعتُقل أربع مرات "بمكان أمني" قرب غرفة تجارة في حي الحريقة الدمشقي، مؤكدًا أنه "كان شرط الإفراج عنه دفع 200 ألف دولار للمصرف المركزي، ويأخذ خلالها ورقة موقعة (وصل تسليم) يأتي به إلى فرع الخطيب الأمني بدمشق ليتم الإفراج عنه، والسماح له بالعودة لأعماله باللاذقية"، ويشير "العربي الجديد" إلى أن هذه الرواية أكدها رجال أعمال عدة تعرضوا لعمليات ابتزاز مشابهة.
وحول الآلية القانونية التي يمكن للحكومة السورية القادمة اللجوء إليها لاستعاد الأموال التي نهبتها عائلة الأسد، يوضح عضو هيئة التفاوض السورية، المحامي طارق الكردي، أن "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2005، هي الإطار الأنسب للمضي بهذا الملف، لكن عدم الاعتراف بالمعارضة ممثلة للشعب وأسبابًا أخرى صعّبت الأمر".
ويضيف الكردي لافتًا إلى أن آلية استرداد الأموال المنهوبة من خزائن الدول تشمل أربع مراحل، والتي لخصها بـ"تعقب هذه الأموال"، بالإضافة إلى "التأكد من الاستحواذ على هذه الأموال عبر ضبط التدابير الضرورية لهذه الأموال، وما يسمى بالفصل في النزاع والحكم القضائي والنهائي، وإرجاعها الى البلد المعني".
ويجدر الإشارة هنا إلى الأمر لا يتوقف فقط على الأموال التي نهبتها عائلة الأسد خلال العقود التي حكمت فيها سوريا، إذ إن تقرير الخارجية الأميركية أشار أيضًا إلى أن ابن خال الأسد الابن، رامي مخلوف، الذي سيطر على حصة كبيرة من الاقتصاد السوري مستفيدًا من الفساد العام لمسؤولي النظام السوري ومساعدتهم، قدّرت المصادر المفتوحة للخارجية الأميركية ثروته ما بين 5 و10 مليارات دولار.
من جانبه، يؤكد الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، نصر الحريري، أن "استعادة الأموال المنهوبة هي من أهم الملفات المثيرة للجدل التي يجب متابعتها، نتيجة السرقات التي تمت خلال حقبتي حكم الأسد، الأب حافظ والابن بشار، في ظل وجود معلومات حول اختلاس أموال الدولة وموارد البلد وتهريبها للخارج".
ويشير "العربي الجديد" إلى أن تقارير منظمة الشفافية الدولية والخبراء تقدّر الأموال المهربة منذ آذار/مارس 2011 بنحو 100 مليار دولار، والتي تشمل سرقة موارد النفط والغاز، بالإضافة إلى تهريب الأموال العامة بعد دخول نظام الأسد إلى قطاعات الاقتصاد وجني الأموال عبر الفساد والمخدرات ومصادرة ممتلكات المعارضين والمهجرين، وتهريب تلك الأموال إلى دول عدة، منها لبنان وروسيا وبيلاروسيا وسويسرا.
ويعتقد القانوني السوري، صخر بعث، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "باب أمل استعادة الأموال المنهوبة للشعب السوري مفتوح اليوم أكثر من السابق"، موضحًا أن من بين الأسباب التي يمكن أن تساعد على استعادتها "فقدان الأسد الشرعية، ولكون السوريين باتوا ممثلين عن ملكياتهم وحقوقهم"، لافتًا إلى أن "الأمر يختلف عن الفترة السابقة قبل هروب الأسد، حيث كانت الدول تعترف بشرعيته وتحاول تسويقه".
📊 الأضرار التي سببها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بالاقتصاد منذ اندلاع الثورة السورية. pic.twitter.com/AEerfsim97
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 12, 2024
وينوه بعث في حديثه إلى أن "الدول المستضيفة والموظفة لأموال الأسد ومخلوف، وسويسرا بمقدمتها، تنشط منذ أعوام للتخلص من صورة الملاذ الآمن لأموال الطغاة"، ويستند القانون السوري في حديثه إلى إستعادة نيجيريا للأموال التي اختلسها الديكتاتور، ساني أباشا، مضيفًا أن هناك "أمل كبير أمام السوريين، خاصة بعدما انكشفت شبكات الاختلاس والفساد وأموال المخدرات وهروبه مع ممتلكات السوريين".
ويشدد بعث على أنه قبل الحديث عن دعاوى قضائية وطنية أو دولية لاستعادة الأموال المنهوبة "لا بد من تحقق شرطين لإنجاح عملية الاسترداد، الأول أن يثبت انتهاك الدستور والقوانين، والثاني أن تكون هذه الأموال قد أودعت في الخارج، سواء في بنوك أو مشاريع، خلافًا لمعايير الشفافية"، لافتًا إلى أن "شرعية حكومة ما بعد الأسد وشكلها مهمان، سواء لجهة النزاهة أو للجدية بملاحقة الأموال"، نظرًا لوجود "أمثلة لم تفلح باسترداد أموال الشعوب كالعراق، وأمثلة أخرى أعادت ولو بعض الأموال، وخاصة في أفريقيا".
وكان رئيس الحكومة الانتقالية السورية، محمد البشير، قد قال في مقابلة مع صحيفة "إل كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، أمس الأربعاء، إن "خزائن الدولة لا تحتوي إلا على نقود بالليرة السورية، التي تعادل قيمتها نحو 35 ألف ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد"، مضيفًا "ليست لدينا أي عملة أجنبية، أما فيما يتعلق بالقروض والسندات فنحن ما زلنا نجمع البيانات. لذا نعم نحن في وضع مالي سيئ للغاية".