كيف يمكن للبستنة أن تساعدك على العيش بصحة أفضل ولمدة أطول؟
13 مايو 2025
تشير الأبحاث التي نشرتها شبكة "بي بي سي" البريطانية إلى أن البستنة لا تقتصر فوائدها على زراعة النباتات فقط، بل تمتد لتشمل تحسين الصحة العقلية والبدنية، خاصة لدى كبار السن والمصابين بالخرف. وفي إطار ذلك، بدأت بعض الدول مثل النرويج في تبني مفهوم المزارع العلاجية لمساعدة مرضى الخرف على استعادة جزء من حياتهم الاجتماعية والنفسية.
وتعد ماريان روغستاد إحدى المستفيدات من هذه المبادرات. بعد أن عاشت معظم حياتها كموظفة فندق في سويسرا، عادت إلى النرويج حيث تم تشخيصها بالخرف. سرعان ما أصبحت ماريان منعزلة حتى انضمت إلى مزرعة علاجية خارج أوسلو. وبحسب الشبكة البريطانية، فالمزرعة أسستها عائلة برينغسجورد، رأت في العمل الزراعي وسيلة لتمكين مرضى الخرف من استعادة حيويتهم الاجتماعية والشعور بالانتماء.
لا تقتصر فوائد البستنة على زراعة النباتات فقط، بل تمتد لتشمل تحسين الصحة العقلية والبدنية، خاصة لدى كبار السن والمصابين بالخرف، أوسلو، يعصرون التفاح معًا (المصدر: هنرييت برينججورد)
وتعتبر النرويج رائدة في العلاجات الطبيعية، ففي عام 2015، أطلقت النرويج خطة وطنية لرعاية مرضى الخرف، تضمنت تقديم خدمات مثل المزارع العلاجية، المعروفة بـ Inn på tunet، والتي تعني "في الساحة". وتهدف هذه المزارع إلى دمج الأنشطة الزراعية مع العلاجات النفسية والاجتماعية.
وفقًا لدراسة أجرتها جامعة إدنبرة، فإن الأشخاص الذين يمارسون البستنة يظهرون تحسنًا في قدراتهم العقلية على المدى الطويل مقارنة بمن لا يمارسونها، وتشمل هذه القدرات:
- تحفيز القدرات العقلية: تتطلب البستنة عمليات ذهنية معقدة مثل التخطيط والتذكر، مما يعزز الوظائف التنفيذية في الدماغ.
- تنشيط الدماغ: لوحظ ارتفاع مستويات بروتين BDNF المسؤول عن نمو الخلايا العصبية، بالإضافة إلى بروتين VEGF الذي يرتبط بتحسين الوظائف العقلية.
كما تحدثت الشبكة البريطانية عن دراسة أجرتها جامعة نيو ساوث ويلز عام 2006، أشارت إلى أن الأشخاص الذين يمارسون البستنة بانتظام يقل لديهم خطر الإصابة بالخرف بنسبة 36%. وتناولت أيضًا دراسة أمريكية شملت 800 راهبة أظهرت أن الأنشطة العقلية المنتظمة، بما في ذلك البستنة، ساهمت في تقليل احتمالية الإصابة بمرض الزهايمر.
ويشير الباحث روجر أولريتش، أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة تشالمرز في السويد، إلى أن الطبيعة تعمل كعامل مهدئ للأعصاب وتقلل من التوتر. حتى مشاهدة النباتات من النافذة ثبت أنها تقلل من مستويات القلق وتحسن الحالة المزاجية. وتنطلق هذه الفوائد من نظرية أن البشر تطوروا ليجدوا الراحة في الطبيعة، وهو ما أطلق عليه الباحثون مفهوم الاستعادة الطبيعية.
وتشير الدراسات إلى أن البستنة ليست مفيدة فقط للعقل، بل أيضًا للجسد، فالأشخاص الذين يمارسون البستنة لأكثر من ساعة أسبوعيًا تقل لديهم مخاطر السكتة القلبية بنسبة 66%. والأنشطة مثل الزراعة والري والتقليم تساعد في تحسين القوة العضلية والمرونة والقدرة على التحمل. والبستنة أيضًا تعد مؤشرًا قويًا على كثافة العظام، مما يقلل من مخاطر السقوط والإصابات.
وتمثل مزارع الرعاية استعادة الاستقلالية والاندماج الاجتماعي، فتقول هنرييت برينغسجورد، التي تدير إحداها إن "الناس يحبون العمل في المزرعة لأنهم يرون نتائج عملهم. وحتى إذا نسوا ما فعلوه، فإنهم يشعرون بالسعادة لأنهم قضوا يومًا جيدًا".
ففي المزرعة، يشعر المرضى بأنهم جزء من المجتمع من جديد، حيث يعملون معًا على زراعة الخضروات ورعاية الحيوانات. هذه الأنشطة لا تعزز فقط القدرة على التذكر، بل تعطي المرضى أيضًا شعورًا بـ الإنجاز والانتماء.
ومن خلال دمج البستنة في البرامج العلاجية، يمكن تحسين الصحة العقلية والجسدية للأشخاص، خاصة كبار السن ومرضى الخرف. وبينما تظهر الأبحاث الجديدة تأثير الطبيعة والبستنة على تحسين الوظائف العقلية والبدنية، فإن المبادرات مثل المزارع العلاجية تسهم في تحويل هذه الفوائد إلى جزء لا يتجزأ من الرعاية الصحية.