12-يوليو-2016

أحد طائرات إف-16 التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي (Getty)

مر الذراع الجوي للجيش الإسرائيلي بمراحل عديدة قبل أن يتبنى استراتيجيته الحالية. التقرير التالي من "ذا ناشونال انترست" يتحدث عن قصة محاولة إسرائيل صناعة طائرتها المقاتلة الخاصة، قبل أن تتحول بعد ذلك إلى التخصص في صناعة إلكترونيات وذخائر الطائرات.

منعت الولايات المتحدة إسرائيل من تطوير طائرتها المقاتلة الخاصة "لافي"، وفي المقابل أعطتها عدد كبير من طائرات إف-16

__

منذ الستينيات، لعب الذراع الجوي للجيش الإسرائيلي دورًا محوريًا في الدفاع عن إسرائيل. مكنت قدرة القوات الجوية الإسرائيلية على تأمين ساحة المعركة والسكان المدنيين من الهجمات الجوية المعادية. في نفس الوقت، أثبتت القوات الجوية الإسرائيلية حيازتها لمدى استراتيجي، حيث استطاعت مهاجمة أهدافٍ حيوية على مسافاتٍ بعيدة.

أتت هيمنة القوات الجوية الإسرائيلية من خلال التدريب الفعّال وضعف خصومها ونهجٍ مرن تجاه التصميم والشراء. عبر السنوات، اختبر الإسرائيليون استراتيجياتٍ عديدة لملء قواتهم الجوية بالمقاتلات، من بينها الشراء من فرنسا والشراء من الولايات المتحدة وصناعة الطائرات بأنفسهم. في نهاية المطاف يبدو أنهم استقروا على مزيجٍ من الخيارين الأخيرين، بفاعلية كبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل وعضوية الاتحاد الأفريقي..احتمالات وتداعيات

القاعدة التكنولوجية المبكرة لإسرائيل

في سنواتها الأولى، حصلت إسرائيل على أي أسلحة يمكنها الحصول عليها من أي مشترين تجدهم. عنى ذلك أن القوات الجوية الإسرائيلية كانت تستخدم عادةً طرازاتٍ متعددة، حصلت على أغلبها من منتجين أوروبيين. لكن بحلول أواخر الخمسينيات، ضمنت إسرائيل علاقات نقل أسلحة مع عدة دول، أهمها المملكة المتحدة وفرنسا.

أثمرت العلاقة مع فرنسا في نهاية المطاف، حيث نتج عنها نقل معدات عسكرية ذات تكنولوجيا متطورة، من بينها مقاتلات الميراچ (وأيضًا مساعدة تقنية كبيرة للبرنامج النووي الإسرائيلي). شكلّت طائرات الميراچ تلك العمود الفقري للقوات الجوية الإسرائيلية في حرب عام 1967، والتي دمرت فيها إسرائيل أغلب القوات الجوية لجيرانها في الساعات الأولى للمعركة.  

لكن في نفس العام، فرضت فرنسا حظر أسلحة على إسرائيل، ما ترك تل أبيب في مأزق. احتاج الجيش الإسرائيلي إلى المزيد من المقاتلات، وسعى إلى الحصول على قدراتٍ لم تستطع الميراچ توفيرها، من بينها القصف الأرضي متوسط المدى. وسط هذه الظروف، تبنى الإسرائيليون الاستراتيجية العتيقة التي تقضي بسرقة ما يحتاجونه.

لتكملة الطائرات الموجودة لديهم، حصل الإسرائيليون على مخططات فنية للميراج من خلال التجسس (ربما مع تغاضي بعض السلطات الفرنسية). نتج عن المشروع طائرتين من إنتاج شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، هما نيشر وكفير. استخدمت الثانية محركاتٍ أقوى ذات تصميمٍ أمريكي، وقد خدمت لفترة بصفتها المقاتلة الرئيسية للذراع الجوي للجيش الإسرائيلي. حظيت كلا الطائرتين بنجاحٍ تصديري، حيث حصلت الأرجنتين على النيشر بينما حصلت كولومبيا والإكوادور وسريلانكا على الكفير.

ساعد هذا الاستثمار على دفع تطوير قطاع الصناعات الجوية الإسرائيلي، ما كان له تبعاتٍ كبيرة على بقية الاقتصاد الإسرائيلي. لا يدفع استثمار الدولة الكثيف في تطوير التكنولوجيا العسكرية بالضرورة ابتكاراتٍ أوسع في مجال التكنولوجيا المدنية. لكن في هذه الحالة، شكّل استثمار الدولة عمودًا رئيسيًا لبداية تشكل قطاع التكنولوجيا المدنية في إسرائيل. بالنسبة لكثيرين، أشار نجاح الكفير إلى أن إسرائيل تستطيع الاعتماد على نفسها في مجال الصناعات الجوية، ما يقضي على الحاجة إلى الاعتماد على داعمٍ أجنبي.

رغم ذلك، استمرت إسرائيل في الاستثمار بكثافة في الطائرات الأجنبية. بدأ الجيش الإسرائيلي في الحصول على طائرات F-4 فانتوم في أواخر الستينيات، وF-15 إيجل في منتصف السبعينيات. تسبب وصول الأخيرة إلى إسرائيل عن غير قصد في حدوث أزمةٍ سياسية، حيث هبطت الطائرات الأربع الأولى بعد بداية الساباث (السبت)، وهو اليوم الذي يمتنع فيه اليهود عن العمل. أسفر الجدل الذي أعقب ذلك عن إسقاط حكومة إسحاق رابين الأولى. لكن الكثيرين في إسرائيل، مدفوعون بالنجاح النسبي لكفير وآملين في المزيد من تطوير قطاع التكنولوجيا المتطورة في إسرائيل، اعتقدوا أن البلاد يمكن أن تطمح إلى تطوير مقاتلة خاصة بها.

اقرأ/ي أيضًا: نتنياهو يفتح إفريقيا.. سر الزائر والزيارة

هنا تأتي لافي. مثل مثيليه في كلٍ من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، اعتقد الذراع الجوي للجيش الإسرائيلي أن مزيجًا من المقاتلات الخفيفة والثقيلة سوف يخدم احتياجاته على أكمل وجه. قاد ذلك إلى تطوير اللافي، وهي مقاتلة خفيفة متعددة الأدوار يمكنها أن تكمل طائرات F-15 إيجل التي استمرت إسرائيل في الحصول عليها من الولايات المتحدة. ملأت اللافي الفجوة التي سوف تهيمن عليها F-16 فايبر في نهاية الأمر. احتوت الطائرة بعض الأنظمة المرخصة من قِبل الولايات المتحدة، وكانت تشبه بصريًا طائرة F-16 مع تصميمٍ مختلف للأجنحة.

لكن البيئة العسكرية-التكنولوجية كانت قد تغيرت. تطلب تطوير طائرة لافي من الصفر (أو من الصفر تقريبًا) استثمارًا هائلًا من الدولة في طائرةٍ لم تكن لها أفضلية كبيرة، إذا وجدت من الأساس، على طائرة F-16 جاهزة. علاوةً على ذلك، كانت الولايات المتحدة تأخذ قيود التصدير على محمل الجد أكثر بكثير من فرنسا، وكان لديها حزمة أدوات أخطر بكثير لفرض الالتزام بها. على الرغم من التفاؤل المبدئي بشأن الآفاق التصديرية لطائرة لافي، سرعان ما أصبح واضحًا للإسرائيليين أن الولايات المتحدة لن تسمح بتصدير مقاتلة تحوي مكوناتٍ أمريكية على نطاقٍ واسع. كون اللافي كانت لتتنافس مباشرةً مع F-16 فاقم المشكلة.

ازدهرت الصناعات الجوية الإسرائيلية عبر تطوير وتصدير مكونات الطائرات للاستخدام المحلي والخارجي، من بين تلك المكونات الذخائر والإلكترونيات

في أغسطس 1987 قتل مجلس الوزراء الإسرائيلي الطائرة لافي، ما تسبب في احتجاجاتٍ من قِبل الصناعات الجوية والعمال المرتبطين بالمشروع. رغم ذلك، فشل الجهد السياسي لإعادة إحياء الطائرة، وحصلت إسرائيل في نهاية المطاف على عددٍ كبير من طائرات إف-16. لكن في مماتها، ساعدت لافي على قتل الآفاق التصديرية للطائرة إف-22 رابتور؛ خوفًا من أن إسرائيل قد شاركت تكنولوجيا لافي (وبالتالي F-16) مع الصينيين (ما قاد إلى طائرة J-10 الصينية)، حظر الكونجرس الأمريكي أي تصدير للطائرة F-22. منع القرار إسرائيل والعديد من المشترين المحتملين من الحصول على الرابتور، واختصر بلا شك دورة الحياة الإنتاجية للطائرة.

بدائل

بدلًا من السعي وراء إنتاج مقاتلات خاصة بها، فضلّت إسرائيل مؤخرًا إدخال تعديلاتٍ كبيرة على الطائرة التي تشتريها من الولايات المتحدة. تلقت كلًا من F-15I "ثاندر" وF-16I "ستورم" ترقياتٍ كبيرة بحيث تلائمان المتطلبات الإسرائيلية. لدى كلا الطائرتين مدىً أكبر وإلكترونيات محسنّة، حيث مكّنا الجيش الإسرائيلي من القتال بفاعلية على مسافةٍ بعيدة من قواعده. F-15I، وهي نسخة معدلة من F-15E سترايك إيجل، هي أهم منصة قصف طويل المدى لدى الجيش الإسرائيلي. اتخذت القوات الجوية الإسرائيلية بالفعل خطواتٍ لجعل مقاتلة الهجوم المشترك F-35 أكثر ملاءمة لها، حيث تضمن ذلك تعديلاتٍ برمجية متقدمة.

استمرت شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية في تحقيق نجاحٍ هائل، رغم افتقادها مشروع مقاتلة كبير. ازدهرت الصناعات الجوية الإسرائيلية عبر تطوير وتصدير مكونات الطائرات للاستخدام المحلي والخارجي، من بين تلك المكونات الذخائر والإلكترونيات. أيضًا دخلت الصناعات الجوية الإسرائيلية بقوة إلى سوق الطائرات بدون طيار، محققةً نجاحًا كبيرًا داخل إسرائيل وخارجها. رغم فشل الطائرة لافي، إلا أن قطاع التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلي كان أداؤه جيدًا، حيث أفاد المشروع الاقتصاد المدني بصورةٍ ملحوظة. تركز السياسة الصناعية الإسرائيلية على هدفٍ واحد تحديدًا: دعم الاستثمار في الابتكارات المتطورة تكنولوجيًا التي تخدم كلًا من المجال العسكري والنمو الاقتصادي.

تعتمد الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية فيما يتعلق بالصناعات الجوية على سلامة علاقتها بالولايات المتحدة. ينطبق ذلك على إتاحة الطائرات، وعلى التطوير التقني المشترك المستمر بين البلدين. لحسن حظ إسرائيل، ليس هناك الكثير من الأسباب التي تدفع للاعتقاد بأن ذلك الجانب من التحالف الأمريكي الإسرائيلي سوف يخبو في أي وقتٍ قريب. أوقف التخوف بشأن سلامة الطائرة F-22 تصدير الرابتور، لكنه لم يسبب ضررًا للعلاقة بمجملها. وحتى إذا وقع غير الممكن تصوره، واحتاجت إسرائيل إلى البحث بعيدًا عن الولايات المتحدة، تعني احترافية الصناعة الإسرائيلية في تطوير مكونات الطائرات أنها لن تفتقر إلى شريك لفترةٍ طويلة.

اقرأ/ي أيضًا:

الإفراج عن سيف الإسلام القذافي.. حقيقة أم إشاعة؟

نفايات إيطالية في المغرب واستياء شعب