07-مارس-2023
getty

القلق يدور حول إمكانية أن يكون التخفيف من العقوبات مدخل نظام الأسد من أجل إعادة تعويمه في المجتمع الدولي (Getty)

يجادل قطاع عريض من السوريين أن هاجس النظام السوري إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب أجزاء من سوريا وتركيا كان وظلّ دائمًا هو العقوبات الدولية المفروضة عليه، وليس معاناة الشعب السوري.

منذ الأيام الأولى للزلزال المدمر، ظهر سعي النظام السوري لاستغلال معاناة الشعب السوري من أجل رفع "العقوبات" عنه وتطبيع وجوده من جديد

ومنذ الزلزال، لم يبادر النظام بأي إجراء للتخفيف من معاناة المتضررين بل دعا منذ اليوم الأول للكارثة "لرفع العقوبات الغربية عليه"، وعلى الرغم من تفطّن المجتمع الدولي لإرادة النظام السوري لاستغلال ذلك المنفذ فقد قامت الولايات المتحدة ودول أوروبا بتخفيف قيود مصرفية لمدة ستة أشهر ضمن متطلبات السماح بإدخال المساعدات إلى سوريا. 

ومن شأن تلك التخفيفات والتسهيلات أن تمنح للنظام ممثلًا في رأسه بشار الأسد ومقرّبيه فرصةً لتحقيق مكاسب وامتيازات مالية، حيث أشار تقرير حديث لنيويورك تايمز إلى مخاوف من أن يتمكن الأسد ومقرّبوه من "تحقيق مكاسب مالية كبيرة"، خاصّة أنه "لم تُطبَّق إجراءات حماية أو آليات رقابة لمنع حكومة النظام من استغلال تخفيف القيود المصرفية من أجل نقل الأموال إلى داخل البلاد وإلى خزائنها". 

ورغم أن الضرر الأكبر من الزلزال كان في مناطق سيطرة المعارضة، إلّا أنّ المساعدات تأخرت بالدخول إليها لفترة طويلة، رغم مناشدات الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، والمنظمات الحقوقية، التي أشارت إلى أت المجتمع الدولي خذل الشمال السوري.

ويدور القلق من تخفيف العقوبات، من تمديده لفترة أطول، بالإضافة إلى أن يكون مقدمةً لإعادة اندماج نظام الأسد بشكلٍ كامل في المجتمع الدولي، بدون عقاب له على كافة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت على مدار سنوات من حربه على الثورة السورية.

getty

وبحسب تحذيرات أطلقتها المعارضة السورية ونشطاء دوليون حذَّروا أيضاً من أنَّ النظام "سيحرف مسار المساعدات الإنسانية التي يجري إرسالها إلى ضحايا الكارثة الطبيعية لأجل استخداماته الخاصة".

إلاّ أن وزارة الخارجية الأمريكية ادّعت أن لدى وزارة الخزانة "أدوات لمنع إساءة استغلال تخفيف العقوبات"، دون توضيح طبيعة تلك الإجراءات بحسب صحيفة نيويورك تايمز التي نقلت عن أندرو تابلر، وهو باحث أول بمعهد واشنطن ومستشار سابق للشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية، قوله: "النظام، الذي يستغل الزلزال بالفعل لتحقيق مكاسب سياسية، سيستخدم ذلك من أجل إعادة الإعمار وتوطيد موقفه".

getty

وتجادل المعارض السورية، أنّه بمقدور نظام الأسد الآن "نقل الأموال إلى داخل سوريا تحت مظلة المساعدات الإغاثية المرتبطة بالزلزال واستخدامها بدلاً من ذلك في إعادة بناء المباني التي دُمِّرَت، وهو الدمار الذي تسبَّب به نظام بشار الأسد وداعمه العسكري الرئيسي روسيا".

كما يجادل خبراء ومسؤولون أمريكيون سابقون بأن التخفيف الذي وافقت عليه الدول الغربية للعقوبات لم يكن ضروريًا، وذلك لأن نظام العقوبات الغربية يضم بالفعل "استثناءات للسماح بدخول المساعدات الإنسانية".

وبحسب مسؤول أمريكي في وزارة الخارجية فإنّ الدافع وراء التخفيفات الجديدة هو "تعبير دول أوروبية وعربية ومجموعات إغاثية عن قلقها من إمكانية منع العقوبات لهم من تقديم المساعدة المرتبطة بالزلزال لسوريا"، وبالفعل، وحسب ذات المسؤول، فقد رفضت "بنوك عديدة إتمام المعاملات المالية مع سوريا خوفًا من مخالفة العقوبات، بالرغم من كونها موضع إعفاء".

ومع ذلك فقد قامت دول، خاصة عربية، بإرسال مساعدات للنظام السوري، عبر الطائرات والشاحنات إثر الزلزال، والتي ظهرت بوادر أولية على استخدام الزلزال كغطاء للتطبيع مع نظام الأسد، فقد رفعت تونس على سبيل المثال، تمثيلها الدبلوماسي لدى نظام الأسد، مستغلةً ظروف الزلزال.

getty

نظام الأسد يحرف المساعدات

ووفقًا لشهادة أكثر من جهة فقد قام النظام السوري في أكثر من واقعة وحادثة بمنع وصول المساعدات وتدفقها نحو مناطق سيطرة المعارضة.

وفي هذا الصدد أكدت ناتاشا هول، الباحثة في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لنيويورك تايمز أنّ حكومة الأسد "تحرف بصفة منتظمة مسار المساعدات لأغراضها الخاصة، بما في ذلك نقل بعضها إلى الجيش".

وأكّدت ناتاشا هول وجويل رايبيرن، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا أن "نظام الأسد ينقل على نحوٍ متزايد العقوبات عبر منظمتين ذاتيّ صلات وثيقة بالدائرة المُقرَّبة للأسد هما: الهلال الأحمر السوري، والأمانة السورية للتنمية".

getty

ونقلت نيويورك تايمز عن سوريان يعملان في توزيع المساعدات في مناطق سيطرة النظام تأكيدهما أنهما شاهدا بالفعل "عناصر النظام السوري وهي تحرف مسار المساعدات في الأسابيع القليلة التي أعقبت الزلزال". وكانت تقارير سورية عدة قد تحدثت منذ الأيام الأولى للزلزال عن قيام النظام السوري بسرقة المساعدات الانسانية وبيعها.

وذكر الشاهدان أنّ "معظم المساعدات قد نُقِلَت إمَّا إلى المكاتب الحكومية في المحافظات أو الأمانة السورية للتنمية، وهي منظمة مرتبطة بزوجة الرئيس، أسماء الأسد"، وأردف الشاهدان "أنّ تلك المجموعة، بدورها، قد خزَّنت جزءاً لا بأس به من الإمدادات التي حُرِّف مسارها، مُضيفين أنَّ جزءًا ضئيلًا فقط أوصِل إلى ضحايا الزلزال". 

وتقديم الصحيفة مثالًا على هذه المخاوف، مثل مصادرة الأمانة السورية للتنمية 100 صندوق من حليب الأطفال، بزعم حاجتها للفحص.

بدورها، تحدثت السياسية الكردية ورئيسة مجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد، الذي يدير مناطق الأكراد شمال شرق سوريا، عن إرسال 100 شاحنة إلى الأحياء الكردية في مدينة حلب، وتقول إن النظام السوري احتجز الشاحنات لمدة 10 أيام، قبل أن يسمح لها بالمرور، بشرط الحصول على 60 شاحنة من أصل 100، وتضيف إلهام أحمد: "لا نعرف ماذا فعل النظام بها، لا نعرف ما إذا ذهبت إلى المنكوبة أم لا".

يدور القلق من تخفيف العقوبات، من تمديده لفترة أطول، بالإضافة إلى أن يكون مقدمةً لإعادة اندماج نظام الأسد بشكلٍ كامل في المجتمع الدولي، بدون عقاب له على كافة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت على مدار سنوات من حربه على الثورة السورية

يشار إلى أنّ منظمة هيومان رايتس ووتش قد أكّدت في تقرير لها صادر عام 2019 أن النظام السوري "وضع سياسة وإطارًا قانونيًا يسمحان له بحرف مسار المساعدات من أجل تمويل فظائعه، ومعاقبة مَن يعتبرهم معارضين، وتقديم الفائدة للموالين"، بحسب المنظمة الحقوقية الدولية.