في وقت تتزايد فيه الضغوط القانونية على إسرائيل بسبب جرائمها في قطاع غزة، حيث لم تعد هناك دول كثيرة يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارتها دون أن يواجه خطر الاعتقال، لكن يبدو أن الأخير لا يزال يجد في بعض الزعماء اليمينيين المتطرفين حلفاء مستعدين لتقويض عمل مؤسسات القانون الدولي من أجل دعمه.
وفي هذا السياق، استقبل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استقبالًا رسميًا، بعد أشهر من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف دولية بحقّه، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
كان رئيس الوزراء المجري قد وجّه دعوة رسمية لنتنياهو لزيارة بودابست، في أعقاب قرار المحكمة، ما أثار انتقادات واسعة من الأوساط الحقوقية والدولية
ولم يكتفِ أوربان بذلك، بل أعلن انسحاب بلاده من المحكمة الجنائية الدولية، في خطوة اعتُبرت تحديًا صارخًا للعدالة الدولية. وكان رئيس الوزراء المجري قد وجّه دعوة رسمية لنتنياهو لزيارة بودابست، في أعقاب قرار المحكمة، ما أثار انتقادات واسعة من الأوساط الحقوقية والدولية.
ولهذا السبب، كان الاستقبال الحافل الذي حظي به نتنياهو من قبل أوربان، الذي يفاخر بأن بلاده هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تمارس فيها الديمقراطية غير الليبرالية، لافتًا للنظر ويثير العديد من التساؤلات.
للتنصل من مذكرة اعتقال نتنياهو.. رئيس الوزراء المجري يعلن قرار بلاده الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، والأخيرة تذكّر بأن #المجر "ملزمة بالتعاون" بشأن مذكرة التوقيف بحق نتنياهو. pic.twitter.com/pTxItsfuum
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 3, 2025
رسائل متعددة الأبعاد
بالنسبة لأوربان، الرسائل التي وجهها بهذا الاستقبال هي متعددة: إلى العالم، بأن المجر تفعل ما يحلو لها، حتى وإن كانت عضوًا في الاتحاد الأوروبي؛ إلى موسكو وبكين، بأن بودابست منفتحة على التعاون؛ وإلى ناخبيه في الداخل، بأن "المجر أولًا" هي البوصلة.
وفقًا لمحللين تحدثوا لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن ما جري يتجاوز مجرد الدعم السياسي، بل يعكس تلاقي المصالح الأيديولوجية بين أوربان ونتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ يتشارك الثلاثة في عداء واضح تجاه المحكمة الجنائية الدولية.
تحالف أوربان ونتنياهو وترامب لا يقتصر على التنسيق السياسي، بل يمتد إلى مسعى مشترك لتقويض سلطة القضاء الدولي. إذ يتفق الثلاثة على اعتبار المحكمة الجنائية الدولية مؤسسة "مسيسة"، يرون أن سلطتها تُهدد "سيادة الدول".
فأوربان، الذي أعاد هيكلة القضاء المجري منذ وصوله إلى الحكم عام 2010، يخوض منذ سنوات معركة مفتوحة ضد القضاء الأوروبي، ويصفه بأنه "امتداد إمبريالي لبروكسل". أما ترامب، فقد بادر فور عودته إلى السلطة بفرض عقوبات على موظفين في المحكمة الجنائية، تعبيرًا عن رفضه لمذكرة التوقيف الصادرة بحق بنيامين نتنياهو.
مدعي المحكمة الجنائية الدولية يطلب إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت. pic.twitter.com/YjqJIa2m5G
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) May 20, 2024
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، أجرى الزعماء الثلاثة اتصالات هاتفية متزامنة خلال زيارة نتنياهو إلى بودابست، بحثوا خلالها سبل مواجهة المحكمة وتقليص تأثيرها.
المجر كأنها دولة خارج سلطة قوانيين الاتحاد الأوروبي
بحسب مراقبين، زيارة نتنياهو إلى المجر، ولقاؤه مع أوربان، تتجاوز الدعم الرمزي. فهي جزء من خطة منظمة لتوسيع "محور اليمين القومي"، عبر تقويض سلطة القضاء وإعادة تعريف الشرعية القانونية على أساس قومي لا دولي.
يرى المحلل السياسي إيفان كراستيف، أن ذلك هو محاولة لخلق واقع جديد يقول للعالم: "نحن خارج النظام الدولي التقليدي، ولسنا مقيدين به".
ويضيف: "يسعى أوربان لتسويق بلاده كاستثناء أوروبي يستطيع أن يفعل ما يشاء، مما يجعلها جاذبة للمستثمرين الذين يبحثون عن أقل قدر من الرقابة القانونية الأوروبية". "إذا أردت الاستثمار في أوروبا دون قيود، اذهب إلى المجر"، يقول كراستيف.
الصين وروسيا في الخلفية
وسط هذه التطورات، يلوح في الأفق تحالف أوسع، إذ تسعى بودابست لتقوية علاقاتها مع موسكو وبكين، متجاهلة دعوات الاتحاد الأوروبي لعزل روسيا ومراقبة النفوذ الصيني.
وفي خطاب له في تموز/يوليو من العام الماضي، حدد أوربان رؤيته لنظام عالمي جديد، قائلًا: "الليبرالية الغربية انتهت، القومية عادت، وأن آسيا ستكون مركز العالم خلال العقود وربما القرون القادمة". مؤكدًا أن بلاده "لن تنخرط في أي تحالف غربي ضد الشرق، بل ستنفتح على الاستثمارات الصينية والروسية". وكان الرئيس الصيني شي جينبينغ قد وعد باستثمارات كبرى في المجر خلال زيارته لها.
📌 في خطوة غير مسبوقة قد تكون لها تبعات كبيرة على الاقتصاد العالمي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وهي خطوة تعتبر تحولًا جذريًا في السياسة التجارية الأميركية.
📌 بحضور عدد من أعضاء حكومته وعمال… pic.twitter.com/CDFpPcwedM
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 3, 2025
صعود ترامب وتغير قواعد اللعبة
تشير صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الزيارة أظهرت كيف غيّر صعود ترامب قواعد اللعبة، إذ فتح الباب أمام زعماء مثل أوربان ونتنياهو لتجاوز الأعراف والمؤسسات الدولية، واختبار حدود الشرعية. ويقول كراستيف: 'لم يعد أحد يعرف ما المسموح وما الممنوع، إنهم جميعًا يختبرون الحدود".
لكن المفارقة أن الحلفاء الأيديولوجيين لترامب هم أنفسهم يدفعون ثمن التحالف معه، نتيجة الطبيعة غير المتوقعة لسياساته. فلا شيء يضمن أن تكون أولويات إدارته مواتية لهم، حتى وإن جمعتهم به أجندة قومية واحدة. فعلى سبيل المثال، تعرّضت كل من إسرائيل والمجر، التي تُعد مركزًا مهمًا لصناعة السيارات الألمانية، لرسوم جمركية أميركية عالية، رغم التقارب السياسي مع واشنطن.
وهنا تتجلى المفارقة الجوهرية في شعار 'أميركا أولًا' بالنسبة لزعماء مثل أوربان ونتنياهو. فبينما قد تتقاطع أجنداتهم مع حليف قومي، إلا أن اكتشاف أن سياساته تضع بلدهم في آخر قائمة الأولويات يعد أمرًا مختلفًا تمامًا، كما تقول "نيويورك تايمز".