31-مايو-2017

لاجئون سوريون على الحدود التركية (خليل فيدان/الأناضول)

بدأت فصائل الجيش السوري الحر منذ منتصف 2012 السيطرة على مناطق واسعة سوريا، كان من بينها مدن اعُتبر خروجها عن سيطرة النظام يعني اقتراب دخولها للعاصمة دمشق، والتي استطاعت فيها الوصول فعليًا إلى داخل حي "الميدان" الدمشقي، لكن النظام سرعان ما استعاد قوته بدخول الميليشيات الأجنبية إلى صفه في المعركة، ما جعله يفرض سيطرته بشكل محكم على مناطق معينة عُرفت لاحقًا باسم "سوريا المفيدة"، وهي الخارطة التي يريد أن تكون تحت حكمه.

منذ بداية عام 2013 اعتمد النظام السوري على الطيران الحربي، واستخدم البراميل المتفجرة ضد مناطق سيطرة المعارضة، بالإضافة لرسمه خريطة حصار بعد دخول عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات الأجنبية بدعم إيران، الذي سمح بصمود النظام في بعض المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، وتبادل السيطرة مع المعارضة في مناطق ثانية، مثل ريف اللاذقية الشمالي. وخلال الفترة ما بين عامي 2013 و2015، أجرى النظام عمليات تغيير ديموغرافي في مناطق محدودة، إضافة لتدعيم العاصمة دمشق على وجه الخصوص بتواجد مكثف لمختلف الميليشيات الأجنبية، جاء تمركزها الأكبر قرب "المراقد المقدسة" الشيعية.

خلال الفترة ما بين 2013 و2015 أجرى النظام عمليات تغيير ديموغرافي في عدة مناطق، مُدعّمًا دمشق بتواجد كثيف للمليشيات الأجنبية

وفي 30 أيلول/سبتمبر 2015 تلقى النظام السوري دعمًا غير محدود، بعد إعلان روسيا تدخلها عسكريًا لصالح قوات بشار الأسد بشكل رسمي، وبعد أقل من عامٍ تقريبًا بدأ النظام السوري عملية التغيير الديموغرافي على نطاق واسع في محيط العاصمة دمشق، معتمدًا على خطة من ثلاث مراحل، بدأها بإخضاع مناطق المعارضة لحصار شديد بعد أن فصلها عن بعضها ما بين عامي 2013 و2015. ومع الحصار كان يمنع دخول المساعدات الإنسانية إليها، لتكون سياسة التجويع هي المرحلة الثانية. وأخيرًا جاء الدور الروسي الذي شن آلاف الغارات الجوية، واستخدم البوارج الحربية كما حصل في الشطر الشرقي لمدينة حلب، ليأتي دور النظام بفرضه على المناطق المنهكة من شدة القصف، اتفاقية "تسوية" تسمح للمعارضة بالخروج إلى شمال سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: خسائر سوريا سنويًا.. 53 مليار دولار

في هذا الملف على ثلاث حلقات، نستعرض المناطق التي تعرضت للتغيير الديموغرافي خلال الحرب السورية منذ عام 2012، بدءًا من الأقدم فالأحدث.

1. مدينة القصير.. ممر حزب الله الآمن

توجه مقاتلو المعارضة بعد انسحابهم من حي "بابا عمرو" الحمصي إلى مدينة القصير الريفية، ليعلنوا منها تأسيس فصائل عسكرية مكنتهم السيطرة عليها في آذار/مارس 2013، وكان خروجها ضربة كبيرة للنظام السوري، كونها سمحت بفتح طريق الإمداد بين فصائل المعارضة في الريف والأحياء القديمة في المدينة، بسبب سيطرتها على القرى المحيطة بها، وقربها من القرى الشيعية اللبنانية، لبعدها عن الحدود 15 كم.

واستطاعت قوات النظام بدعم عسكري اعتبر الأول حينها من حزب الله اللبناني، من الدخول إلى المدينة في 19 أيار/مايو 2013، لتكون أول مدينة تتعرض للتغيير الديموغرافي بعد نزوح سكانها، ولتصبح من المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله اللبناني، كما تحولت إلى خط إمداد عسكري على المستوى الأوّل لقوات حزب الله، يستخدمها الحزب الآن بشكل مكثف، كمحطّةٍ لنقل مقاتليه للداخل السوري.

2. "النبك".. تتمة الهيمنة على الحدود اللبنانية

بعد أن سيطر النظام السوري، بيد حزب الله، على القصير والقرى المحيطة بها، تابع تقدمه بيد حزب الله أيضًا، الذي سمحت سيطرته باستخدام الحدود دون أية قيود، كطريق إمدادات آمن. وكانت مدينة "النبك" بريف دمشق الهدف التالي، حيث تبعد 88 كم شمال دمشق، ويفصلها عن سلسلة جبال لبنان الشرقية 15 كم. 

واستطاعت المعارضة بسيطرتها عليها، قطع طريق الإمدادات اتجاه دمشق، ووصلت بين حمص وريف دمشق، ثم في منتصف كانون الأول/ ديسمبر، أعلن النظام السوري استعادته السيطرة على المدينة بعد هجوم نفذه عناصر من حزب الله، ارتكبوا خلاله مجازر ضد المدنيين نتيجة استخدام الحزب سياسة القتل العشوائي.

3. حجة تأمين المراقد المقدسة جنوب دمشق

 خلال الفترة التي كان النظام السوري يستعيد المناطق الاستراتيجية بريفي حمص ودمشق، مدعومًا بالمليشيات الإيرانية، فتح معركة جديدة جنوب دمشق باتجاه المناطق الواقعة على الأطراف، وبدأ منذ بداية 2014 باستعادة السيطرة على بلدات استراتيجية بينها "السبينة"، والتي تعد حلقة الوصل بين مناطق الريف الدمشقي المسيطر عليها من المعارضة في تلك الفترة. 

مع سيطرة النظام على مناطق جنوب دمشق في 2014، بدأ تغيير ديموغرافي آخر بنزوح سكان تلك المناطق إلى الشمال حيث المعارضة​

وعلى مدار الأشهر الأولى تمكن النظام السوري من استعادة السيطرة على مختلف تلك المناطق، والتي من بينها الحسينية والذيابية والبويضة وحجيرة، حيث نزح معظم السكان إلى المناطق الريفية الواقعة تحت قبضة المعارضة. 

خريطة توضح مناطق النفوذ في سوريا حتى آذار/مارس 2014 - الأحمر: النظام، الأسود: داعش، الأصفر: الأكراد، الأخضر: المعارضة
خريطة توضح مناطق النفوذ في سوريا حتى آذار/مارس 2014

وتحولت المناطق المستعادة مركزًا أساسيًا لحزب الله ولواء أبو الفضل العباس العراقي، كونها قريبة من "المراقد المقدسة" لدى الشيعة، وأهمها مرقد "السيدة زينب" في المنطقة التي تحمل نفس الاسم.

اقرأ/ي أيضًا: لأجل من قُتلت سوريا؟

4. يبرود.. حكاية نزوح سكان عاصمة القلمون

كانت مدينة يبرود من أهم المدن التي تسيطر عليها قوات المعارضة، كونها تبعد عن الحدود اللبنانية 20 كم، وعن دمشق نحو 80 كم شمالًا، وحمص 80 كم جنوبًا. واعتبرت السيطرة عليها نقطة مهمة، بسبب ربطها بين الشمال والجنوب في سوريا، فخلال تلك الفترة لم يكن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد أعلن عن تأسيس ما يعرف بدولة "الخلافة الإسلامية"، وكان لا يزال فصيلًا يملك تحالفات مع بعض الفصائل التي وقفت على الحياد عندما اتحدت فصائل المعارضة في حلب وريفها ضد التنظيم وأخرجته منها مطلع 2014.

مثلت يبرود خلال فترة تواجد المعارضة السورية بها، نموذجًا للعمل المدني، إذ كان النشطاء يستشهدون بها في أي حديث عن المعارضة السلمية، ومع ذلك حشد لها حزب الله اللبناني، وأطلق المنشد المحسوب على حزب الله، علي بركات، أغنية "احفر قبرك في يبرود"، تحفيزًا لمقاتلي الحزب على الذهاب للقتال في عاصمة القلمون. 

كذلك حشد النظام السوري مقاتليه على أطراف المدينة، وبدأ قصفها بالبراميل المتفجرة والمدفعية الثقيلة، وبعد نحو شهر من القصف، قررت المعارضة والمدنيون الانسحاب، واللجوء إلى مخيمات اللاجئين في عرسال داخل الأراضي اللبنانية، وإذ ذاك أُعلنت السيطرة عليها رسميًا من قبل النظام، بعد تهجير سكانها في 22 آذار/مارس 2014.

وإلى جانب السيطرة على يبرود، تمكن نظام بشار الأسد والمليشيات الأجنبية من التقدم للمناطق المحيطة بها، وبدء عملية حصار ريف دمشق الغربي، والتي استمرت حتى مطلع 2017، عندما استعاد السيطرة كاملة على كافة المناطق.

كان أهالي يبرود نموذجًا للمعارضة السلمية، لكنهم اضطروا بعد شهر من الحصار والقصف، النزوح لمخيمات عرسال، ليحدث تغيير ديموغرافي آخر

5. حمص القديمة.. بدون مظاهراتها المسائية

استطاع ضباط منشقون عن قوات الأسد، تشكيل فصائل معارضة من السكان المحليين لأحياء حمص القديمة، بهدف الدفاع عن المتظاهرين السلميين، وذلك عام 2012. وعلى إثر ذلك فرض النظام حصارًا خانقًا عليها استمر لمدة عامين، تخلله العديد من محاولات الاقتحام الفاشلة، ما دفع النظام إلى إلقاء البراميل المتفجرة على أحياء البياضة والخالدية والقصور والقرابيص وجورة الشياح وباب هود وباب الدريب، والكثير غيرها، وهي ذات الأحياء التي اشتهرت بمظاهراتها المسائية المنقولة على الشاشات التلفزيونية، والتي مثلت لحظة هامة في تاريخ التظاهرات، حتى سميت بعاصمة الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يوثق نظام الأسد بالكاميرات الروسية دمار حمص؟

خلال عملية الحصار كانت المعارضة تعتمد على الأنفاق من أجل وصول المساعدات إليها من المناطق المجاورة، إلا أنّ رصد قوات النظام لبعض منها بعد اكتشافها، زاد من صعوبة الحصار، فضلًا عن الحملة العسكرية المدعومة من عناصر إيرانية، لذا اضطرت المعارضة في الخامس من آذار/مارس 2014، أن توافق على خروج مقاتليها المقدر عددهم بـ2400 مقاتل، مع عوائلهم، إلى ريف حمص الشمالي، لتبدأ معها مراحل التمهيد لعملية التغيير الديموغرافي الكبرى منذ آب/أغسطس 2016.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سوريا تواصل تصدير أزمتها للعالم

سوريا غير الطبيعية