16-يناير-2022

كاريكاتير لـ ريحانة كريميان/ إيران

الكرة الأرضية بأسرها في انتظار موديرنا وفايزر لتصنع دواء لكورونا. لو كان البشر على امتداد الكوكب يعرفون يقينا أي شركة ستنتج الدواء الأنجع لكانوا جميعًا تبرعوا لها من حر أموالهم من أجل تسريع الإنتاج. المشكلة أننا لا نعرف أولًا، وأن هذه الشركات ليست بحاجة لأموالنا ثانيًا.

موديرنا، أو فايزر، ليستا بحاجة لنا. لكننا بحاجة ملحة لهما. حياتنا وموتنا ومرضنا وصحتنا مرهونة بكرمهما

بكلام أوضح: موديرنا، أو فايزر، ليستا بحاجة لنا. لكننا بحاجة ملحة لهما. حياتنا وموتنا ومرضنا وصحتنا مرهونة بكرمهما. وما أن يُنتج الدواء حتى نخرج من هذا السجن. من ذا الذي يظن نفسه أعتى سلطانا من موديرنا؟ فلاديمير بوتين؟ حسن نصر الله؟ إيمانويل ماكرون؟ كل هؤلاء مثلنا في عجزهم وتطلبهم لمنحة هذه السلطة الهائلة. إنما ورغم هول سلطتها، لا تطلب منا الخضوع لسلطانها. نحن مخيرون في أن ننصرف عن منتجاتها أو نخضع لتأثيرها. لكننا بالتأكيد سنخضع.

اقرأ/ي أيضًا: العيش في زنزانة الوباء

مسألة موديرنا وفايزر شائكة بعض الشيء، لأنها تتعلق بموتنا القريب وصحتنا الراهنة. لنلق نظرة على تسلا مثلًا. هذه شركة نريد أن نصدق أنها ستنقذ الكوكب من الاحتباس الحراري، أو على الأقل ستساهم مساهمة فاعلة وذات جدوى في تخفيف الانبعاثات التي يسببها البشر. مشروع تسلا طويل الأمد ونستطيع أن نؤجل الخضوع لسلطانها لزمن ما، ونبقي على سياراتنا الملوثة قيد الاستعمال. لكننا نعرف أن الشركة تجتهد من أجلنا، من أجل مستقبلنا، ونستعد بكامل إرادتنا للخضوع لمتطلباتها وسلطانها ما أن يحين الوقت.

هذه أيضًا شركة تعمل في مجال يتعلق بصحتنا ومستقبل الكوكب. ويحق لنا الظن بضرورتها المطلقة، ولا نجرؤ على الاعتراض على مسارها، حتى لو نتج عن نشاطها المفرط استعباد شعوب كاملة وشراء وقتها كاملًا من أجل إنتاج المواد اللازمة لصنع بطارياتها. سنغض النظر حتما عن هذه التضحية البسيطة لإنقاذ الكرة الأرضية. فلتخرج الكونغو من الخريطة، ولا بأس بأن يعاني شعبها كله من استعباد صيني وتشغيل مجحف لطاقاتهم وأوقاتهم في مناجم الكوبالت. هذا حظهم، لعنتهم، لعنة أن تكون أراضيهم غنية بهذه المادة، وعليهم أن يضحوا بأعمارهم من أجل البشرية جمعاء.

ما زلنا في دائرة السلطات المسؤولة عن صحتنا ومستقبلنا وحياتنا. ماذا عن عملة بيتكوين؟

هذه عملة ليست مسنودة بثروات ملموسة. ولا تضمنها دول قوية. وليس لها معادل من الذهب يحفظ سعرها. وهي في حقيقة أمرها ليست أكثر من عملية سرقة منظمة لأموال المتحمسين لتحقيق الربح من خلال الاستثمار فيها. بين البيتكوين كقيمة نقدية وتسييل هذه القيمة ثمة طبعًا شطور من هذه القيمة تذهب لسلطات مجهولة بالنسبة لنا، هي سلطات الوسطاء الافتراضيين. لكن هذا الاقتطاع المباشر لا يختصر كل عملية السرقة. الرابحون في معادلة البيتكوين هم الذين باعوا ما يملكونه منها في لحظة ارتفاعها. والخاسرون هم الذين طمعوا في أن ترتفع أسعارها عن السقف الذي وصلت إليه. لكنهم وحين يكونون خاسرين، فإنهم يطمحون في بيع ما يملكونه ذات يوم بسعر أفضل، ما أن تغرر آلة الدعاية الهائلة بمساهمين جدد وتقنعهم بالدخول إلى جنتها المشتهاة.

نحن نشهد مع تطورات سعر بيتكوين ولادة سلطة جديدة تضاف إلى السلطات التي تتحكم بمستقبلنا

هذه العملية بالضبط هي ما يعنيني تبينه في هذه العجالة. فما أن تصبح قيمة بيتكوين أكبر، ماليًا، من قدرة المستثمرين الكبار على تحمل انهيارها، حتى تغدو مسألة انهيارها مستحيلة. وسيكون بوسع هؤلاء المستثمرين الكبار أن يحافظوا على ارتفاع أسعارها بوتيرة مفهومة، ما يجعلها تشبه في بنيتها، ما شكله الذهب في العصور السابقة بالنسبة للدول السيدة. وأغلب الظن أن عملة بيتكوين ستتحول في القريب العاجل إلى ذهب افتراضي يستطيع المستثمر في الصين أن ينقل أمواله إليها، وما أن يتعثر الاقتصاد حتى يستطيع أن يسيّل ثروته منها في بلد آخر. وهذه ليست حال الأثرياء الصينيين وحدهم، بل تكاد تكون أحوال معظم الدول التي لا ترى مستقبلها مشرقًا. يستوي في ذلك بعض أوروبا الاستعمارية ودول صغيرة وهامشية في كل أصقاع العالم.

اقرأ/ي أيضًا: بيتكوين: أيديولوجيا إهدار الثروات والموارد

نحن نشهد مع تطورات سعر بيتكوين ولادة سلطة جديدة تضاف إلى السلطات التي تتحكم بمستقبلنا. وعلى غرار موديرنا وفايزر وتسلا وفيسبوك وآبل، فإن أحكام هذه السلطة ستصبح في المستقبل القريب مبرمة، وسنخضع طائعين لعمليات تحكمها بأيامنا وتطلعاتنا وآمالنا وقدرتنا على التواصل. وكل هذا لا ينفي أنها في طريقها لتحقيق ذلك، وعلى غرار أسلافها وأشباهها، ستضع أجيالا وشعوبا ودولا وثروات في مهب الريح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإغواء المصطنع وأجسامنا المستوحدة

سعادة إيلون ماسك الإلهية