21-يناير-2017

من المظاهرات الغاضبة ضد تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة (أيدن بالبيكوجلو-الأناضول-Getty)

المقال التالي ترجمة لتقرير صحيفة الجارديان البريطانية يرصد ردود أفعال بعض الصحفيين والساسة الأمريكيين حول خطاب تنصيب ترامب، مع بعض النظرات التحليلية لما عناه خطابه. حيث، بعد القسم، أصبح دونالد ترامب رسميًا الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.

بدا خطاب ترامب التنصيبي مثل أي اجتماع حاشد لمؤيدي ترامب، بدا المشهد وكأنه مشهد مقتبس من حملاته على الرغم من كونه مشهدًا أكبر بقليل

جيل أبرامسون (رئيس التحرير التنفيذي للنيويورك تايمز): الرجل لا يبدو أنه قادر على أن يكون ذا صدر رحب!

بدا خطاب ترامب التنصيبي مثل أي اجتماع حاشد لمؤيدي ترامب، بدا المشهد وكأنه مشهد مقتبس من حملاته على الرغم من كونه مشهدًا أكبر بقليل، مع حشود ضخمة من المواطنين البيض يرتدون قبعات حمراء وقمصانا كٌتب عليها "Make America Great Again" أو "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" واستخدم لهجته كمرشح فكان صوت الرئيس الجديد غاضبًا ويقطر بالتشاؤم، مثل خطابه في مؤتمر الحزب الجمهوري. رسم ترامب صورة للوطن وكأنه محاصر من الخارج بمنافسيه في التجارة الخارجية، والسياسيين في واشنطن، والإرهابيين المسلمين، لا شيء يشذ عن قواعده.

اقرأ/ي أيضًا: الديمقراطية..على حافة الهاوية

جمهوره أحب ذلك ولا شك. ولكن لم يكن هناك أي تطمينات أو غصن زيتون يشير به في الأجواء للغالبية الكبيرة من الأمريكيين الذين لم يصوتوا له. فعندما ذكر الرئيس كلينتون لم يأتِ على ذكر زوجته، الخصم المهزوم. لم يكن هناك تمنيات طيبة للرئيس جورج وزوجته الذين نقلوا للمستشفى، يبدو وكأن الرجل غير قادر على أن يكون ذا صدر رحب.

في الواقع، وبعد نعته عائلة أوباما بالرائعين، كان وقحًا بشكل علني معهم، بتصويره لواشنطن على أنها كانت خائنة للشعب وأنها انشغلت بإثراء نفسها، بينما كان هناك بليونيرات أظهروا تجاهلهم في جلسات الأسبوع الماضي في انتظار تأكيد اختيارات حكومته. كما وجه صفعة غير مبررة لجون لويس على تويتر (أحد المقربين من مارتن لوثر كينج) حيث انتقد السياسيين حيث افترض أن كل الديمقراطيين يقفون وراءه وأنه "دائم الشكوى" دون أن يفعل شيئًا.

أما الكذبة الكبرى التي تجري على لسان النرجسيين كلما تحدثوا إلى الجماهير "لن أخذلكم أبدًا". لكنه قد خذلنا بالفعل!

ستيفن ترايشر (صحفي ومحرر في الجارديان والنيويورك تايمز): من بين الوجوه البيضاء التي امتلأت بها الحشود البيضاء، والحشود البيضاء للفنانين الذين وجه إليهم خطابه، كان الخطاب الافتتاحي لترامب أبيضًا بامتياز. العرق النافر للرفاه، وتعصبه لواقع المدينة الداخلي وادعاء حماية الحدود بما يشبه إعلانات الحرب، كلها أشياء كان هدفها إثارة حماس الغالبية -البيضاء من الأمريكيين- التي صوتت له.

و مثل كل المشاريع التي تفوق فيها العرق الأبيض، كان حفل التنصيب بمساعدة بعض السود الاستثنائيين الذين منحوه شرعية مثل القاضي كلارنس توماس الذي استخدم معظم الكلمات التي أقسم بها مايك بينس نائب ترامب أكثر من عدد السنوات التي خدم بها في المحكمة العُليا. أما ما يختص " بتوبيخ" السياسيين الذين "يشتكون ولا يقدمون على فعل شيء "فقد ركز كل اللوم على جون لويس السياسي الأسود الذي شكك في شرعيته ولم يحضر التنصيب.

أما تلميحاته بعدم التحيز فقد كانت غير صادقة، فعندما قال " عندما تفتح قلبك للوطنية فإنه لا مجال للتحيز" كانت الجملة محاصرة بتأجيج الكراهية ضد المسلمين وتمجيد الكتاب المقدس، حتى الجملة "الكليشيه" التي استخدمها "متى كنت أبيضًا أو بُني اللون أو أسود فإننا جميعا ننزف نفس الدم الأحمر" كانت الجملة تثير حماسة الجمهور الأبيض فقط واستتبعها بجملة: "نحن جميعًا ننعم بنفس الحريات المجيدة" بغض النظر عن العرق.

كان خطابًا يفوح منه الحماقة وكراهية الأجانب، ولم يكن مستغربًا على أي حال، ربما أثار الخطاب قلق الزعماء الديمقراطيين من برني ساندرز إلى هيلاري كلينتون الذين جلسوا بصمت مانحين مزيدًا من الشرعية لهذا القبح الغبي.

اقرأ/ي أيضًا: أين ينتصر الشعبويون في العالم؟..ولماذا؟

مايكل بالبيرج (بروفيسور متخصص في شئون الهجرة في جامعة جورج تاون وصحفي في الجارديان): من النور إلى الظلمات.

معظم الرجال الأقوياء في العالم يميلون إلى إلقاء خطب قوية، فهل يجب أن نكون محبطين لأن رجلنا لم يفعل؟ ..خطاب افتتاح ترامب انحرف عن النور متجهًا نحو الظلمة – استخدامه البائس لكلمة "المذبحة الأمريكية" ورفعه لقبضته في تحد كبير للنخبة السياسية في واشنطن التي يقودها الآن، تثير أوراق اعتماده كمستبد.

من الواضح أن دخول ترامب البيت الأبيض، لن يندرج تحت اليسار أو اليمين التقليدي، وهي المحاور التقليدية في السياسة الأمريكية

كان هناك شيء مطمئن في قوله إن "الناس سوف تصبح حكام هذه الأمة مرة أخرى" ووعده بحكومة "يسيطر عليها الناس". فقد قالها ذات مرة للشعب هوجو شافيز حين هتف عام 2011 "سيكون حكم الشعب أكبر"، وحين قالها خلفه نيكولاس مادورو العام الماضي "سيكون الناس هم من يقرروا". وقالها أردوغان "لن تكون هناك سلطة أعلى من سلطة الشعب"، وبصفة عامة كلما كانت الشعارات أكبر كلما كان الشعب على الهامش أكثر. هذا أمر مؤكد.

كان ترامب بالفعل ورقة رابحة جلبت حكومة من البليونيرات، أكثر من أي رئيس آخر، وهي حكومة من الوزراء تساوي 14 بليون دولار مجتمعة وتشمل المديرين التنفيذيين ومسؤولي البنوك، الذين استفادوا من نزيف الأمريكيين العاديين، هؤلاء الأمريكيين الذين وعدهم ترامب بأنهم سيحكمون من جديد، سيكون هناك الكثير من العمل والنهب مما يتعين القيام به.

جيمي وينشتاين (كاتب أمريكي ساخر وصحفي سياسي): إنه ليس شخصًا ذا توجهات سياسية متجهًا إلى البيت الأبيض بل هو شعبوي.

وعد الجماهير قائلا: "إن الناس أصبحوا حكام هذه الأمة مرة أخرى" وكأنه يشير إلى استيائه من " النخبة" -كجزء من توجهه الشعبوي- التي صاغت الدستور الأمريكي. جعل ترامب الأمر يبدو وكأنه لم يترأس بلدًا من العالم الأول لها نصيبها من المشكلات التي تحتاج إلى علاج، بل وكأنه ترأس بلدًا نامية ذات وضع ميئوس منه.

ثم قال وكأنه ورث مشاكل بلد مثل فنزويلا "تتوقف المذبحة الأمريكية الآن وهنا".

وأضاف متعهدًا "لقد دافعنا عن حدود الدول الأخرى في حين رفض للدفاع عن تريليونات وتريليونات الدولارات في الخارج بينما غرقت البنية التحتية الأمريكية في حالة سيئة من البؤس والاضمحلال " في إشارة إلى قراره الحد من دور أمريكا في العالم وأن يتوقف الأمر عند دورها في Pax Americana (وهو مصطلح سياسي يشير إلى دور الولايات المتحدة في السلام بعد الحرب العالمية الثانية).

خطاب تنصيب ترامب من غير المرجح أن يكون من مواضيع الدراسة عند طلاب الجامعات في الأقسام السياسية، ولكن من الواضح جدًا أن دخول هذا الرجل البيت الأبيض، خيرًا أو شرًا، لن يندرج تحت اليسار أو اليمين التقليدي، أو المحافظ- الليبرالي وهي المحاور التقليدية في السياسة الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا:

هل سيرسل ترامب قوات أمريكية للقضاء على داعش؟

هل تصمد الديموقراطية أمام شعبوية ترامب؟