03-ديسمبر-2018

بدا محمد بن سلمان خلال قمة العشرين بعيدًا مهمشًا (رويترز)

لا يبدو أن مسلسل تخبط الأمير الثلاثيني، ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة، محمد بن سلمان، سينتهي قريبًا. كما أن تعويله على تحسين صورته، من خلال جولات دبلوماسية عديدة، لم يكن ذا جدوى.

 بدا ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في اجتماع قمة العشرين، بعيدًا مهمشًا، يتجنبه معظم الزعماء والرؤساء

 تساءلت صحف ووسائل إعلام عالمية، كيف سيكون تعامل "زعماء العالم" مع الأمير الذي تشير كافة الأدلة، إلى تورطه في اغتيال جمال خاشقجي وفي انتهاكات جسيمة في اليمن، وهل نجح في تحسين صورته المطلية بالدم أمام الساسة والحكام؟ جاءت الإجابة واضحة، في مؤتمر قمة العشرين الأخير، الذي بدا فيه محمد بن سلمان بعيدًا مهمشًا، يتحاشاه معظم الزعماء والرؤساء.

حفلت القمة بعدة من المشاهد، تفشي الكثير مما لا تقوله لغة السياسة، فبدا ابن سلمان وكأنه يتلقى توبيخًا مباشرًا وغير مباشر، من هنا ومن هناك.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا أثار "ملف خاشقجي" قلق إسرائيل على السعودية؟

1. ماكرون يحاول ألا يكون ودودًا!

لم يرد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن يكون واضحًا كنظيره الأمريكي، دونالد ترامب، بخصوص العلاقة مع السعودية والموقف من ملفات حرب اليمن واغتيال خاشقجي. وكما توضح صحيفة الغارديان البريطانية، فقد كان اللقاء القصير بين الزعيمين، وكأنه توبيخ صريح. حيث إن ماكرون أخبر ابن سلمان أنه قلق، فرد ولي العهد بأنه فهم مغزى الرسالة. استدرك ماكرون وقال مجددًا: "أنت لا تستمع إلي أبدا"، بينما أجاب الأمير السعودي المتهور، بخضوع جلي هذه المرة: "بلى إنني أفعل".

لقد بدا وكأن ماكرون يعلق على أهم قضيتين تتعرض الإدارة السعودية بسببهما لضغوط واسعة. أولًا قضية حرب اليمن التي تتتناقل وسائل الإعلام العالمية اليومية صور أطفالها المرضى والجوعى، وتتناقل منظمات حقوق الإنسان العالمية شهادات مرعبة عن المقتلة الدائرة هناك منذ أربع سنوات، وتقود من وقت لآخر حملات ضاغطة على الحكومات الأوروبية جعلتها تعبر بشكل رسمي عن "بشاعة الحرب" الدائرة هناك. أما القضية الثانية فهي بالطبع قضية الصحفي جمال خاشقجي التي جعلت فرنسا تمنع ثمانية عشر سعوديًا مشتبهًا بهم فيها، من دخول حدودها.

مع ذلك، فإن باريس لا تزال من المصدرين الأوروبيين القلائل للسلاح باتجاه السعودية، خلاف غيرها من الدول الأوروبية التي علقت الصادرات العسكرية، وكان آخرها فلندا، وهو ما يُظهر ماكرون ملتزمًا بمنطق ترامب، أي الفصل بين القضايا الحقوقية و"البزنس".

 

 

2. "هاي فايف" مع بوتين!

اللقطة الثانية الأشهر كانت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسلامه الحار له، ربما لأن بوتين على كما تصف وكالة رويترز، كان من أكبر مؤيدي ابن سلمان طوال الوقت. رتبا مع بعضهما جلسة ودية قصيرة، وصافحا بعضهما ثلاث مرات، في مشهد عبر عن المصالح المشتركة بين الزعماء غير الآبهين بالمسائل الحقوقية، خاصة أن بوتين كان قد وصل العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس، تاركًا رجاله في بحر أوزوف وقد استولت إحدى سفنهم على سفينة أوكرانية مطلقين النار على اثنين من طاقمها، وفي نهاية المغامرة البحرية تلك، رفضت موسكو تسليم السفينة أو طاقمها للسلطات الأوكرانية.

 

 

3. ترامب وضغوطات لتجنب ابن سلمان

كان هناك شك كبير حول ما إذا كان ترامب سيقابل ولي العهد السعودي، على الرغم من دعمه لحليفه في مواجهة نتائج الاستخبارات الأمريكية بخصوص مقتل خاشقجي، بعد أن عانت إدارة الرئيس الأمريكي من ضغط كبير من مجلس الشيوخ.

تجاهل ترامب أيضًا دعوة كبار المسؤولين في الكونغرس، ورفض إلقاء نقاش حول ما إذا كان سيتم قطع الدعم العسكري الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.

وقبل وصوله إلى بوينس آيرس، أعلن أنه مستعد للقاء ولي العهد، في حين استبعد مستشاره للأمن القومي جون بولتون ذلك، قائلًا إنه لا يوجد مكان في جدول الرئيس. بينما التقى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، نظيره السعودي عادل الجبير، بشكل منفصل في اجتماع، أعلن أنه ركز على محادثات السلام المزمعة في اليمن الأسبوع المقب ، "وكذلك أهمية إحراز تقدم في التحقيق في وفاة جمال خاشقجي".

عند مغادرة الاجتماع، وصفه وزير الخارجية السعودي بأنه "مثمر للغاية"، قائلًا إنه ناقش "التحديات في المنطقة والعلاقة الثنائية وطرق المضي قدمًا". لكن الجبير لم يذكر شيئًاعما إذا كانت تلك المحادثات "المثمرة" قد تناولت شيئًا عن قضية خاشقجي.

ابن سلمان (فرانس برٍس)

اقرأ/ي أيضًا: "صدمة" خاشقجي.. العالم ساخط على السعودية باستثناء إسرائيل!

4. ترودو أيضًا

العلاقات الكندية السعودية متوترة كما هو معروف بسبب الناشطين السعوديين المعتقلين الذين ذكرتهما وزارة الخارجية الكندية في تغريدة لها، أثارت حفيظة السلطات الرسمية السعودية، واعتبرته تدخلًا في شؤونها الداخلية، وهو ما تسبب في أزمة ديبلوماسية بدت باتجاه واحد.

كاننت اللقطة الأوضح في تهميش ابن سلمان، عند التقاط الصورة الجماعية للزعماء الحاضرين، إذ تُرك وحيدًا مستثنىً

وقد لعب رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، على هذا الوتر، إذ كان حازمًا وقال في تصريح نشرته تقارير إخبارية: "ستقف دائمًا بقوة وبوضوح من أجل حقوق الإنسان". كما لم يعقد ترودو أي لقاء رسمي مع ابن سلمان.

رئيس الوزراء الكندي

5. صورة للنسيان

كانت اللقطة الأخيرة هي الأوضح على الإطلاق، في الصورة الجماعية لقادة الدول الحاضرين، التي بدا فيها الزعماء وكأنهم يتجنبون الأمير السعودي بشكل واضح، فتُرك وحيدًا دون حوارات جانبية كالتي حظي بها آخرون مع نظرائهم. أُخذت الصورة للذكرى، التي اتضح أنها لن تكون سعيدة على الحاكم الفعلي للرياض، ثم انصرف الجميع كما حضروا، من دون الالتفات إلى ولي العهد المتخبط.