29-يوليو-2017

متظاهر مغربي في مواجهة الشرطة (فاضل سنا/أ.ف.ب)

على غرار العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خرج المغاربة في 2011 بمختلف شرائحهم الاجتماعية والسياسية، مطالبين بطرد الفساد وتوفير العيش الكريم، ولما استجاب الملك محمد السادس بمرونة مع صيحات الشارع من خلال "خطاب  9 أذار/مارس"، انسحبت معظم المكونات الاحتجاجية من المظاهرات، وزاد أمل الكثيرين في مغرب أفضل مع قدوم الإسلاميين إلى سدة السلطة بعد فوزهم في الانتخابات التشريعية المبكرة.

 صار الشارع  المغربي يتوجه مباشرة إلى القصر، باعتباره رئيس الدولة والفاعل الوحيد القادر على الاستجابة لمطالبهم، ولهذا ينتظر المحتجون في الريف خطاب عيد العرش 30 تموز/ يوليو بكثير من العناية

لكن بعد مرور ست سنوات، جاء حراك الريف، الذي أطلق شرارته حادث بائع السمك محسن فكري، ليعيد عقارب السيرورة السياسية إلى ما كانت عليه قبل هبوب رياح  "الربيع العربي"، حيث فقد الشارع المغربي الثقة في السلطة والحكومة والأحزاب السياسية بالبلاد، الأخيرة التي بدت غائبة تماما في معالجة أزمة حراك الريف.

حراك الريف نتيجة خيبة أمل الناس في التغيير

مع بداية 2012، كانت حكومة حزب العدالة والتنمية تحت رئاسة عبد الإله بنكيران تحظى بزخم شعبي ودعم سياسي واسع في قدرتها على حل مشاكل المغرب، بخاصة وأنها اتخذت شعار "القضاء على الفساد" شعارا لحملتها الترويجية، وظهرت بالفعل بعض إرهاصات هذه المبادرة، من خلال الكشف عن لوائح المستفيدين من مأذونيات النقل ورخص مقالع الرمال، دون أن يتعدى الأمر إلى مستوى المحاسبة القضائية.

اقرأ/ي أيضًا: مسيرة أنوال.. العقلية البوليسية مجددًا ضد حراك الريف المغربي

وبالتوازي مع ذلك شرعت الحكومة المغربية في تنفيذ سياسات اقتصادية قاسية على الطبقات الشعبية، مثل رفع الدعم عن معظم المواد المدعمة وزيادة تسعيرة الماء والكهرباء، مما تسبب في صعود الأسعار بالأسواق، كما عملت على تمرير عدة قوانين مجحفة، منها مشروع رفع سن التقاعد من 60 سنة إلى 63 سنة، الذي اعتبرته النقابات العمالية ضربا في حقوق العمال، بالإضافة إلى أنها فشلت في حل مشكلة التعليم والصحة المستفحلة بالبلد.

فكانت حصيلة الحكومة هزيلة مقارنة مع الوعود التي قطعتها في نهاية 2011، حيث تراجع المغرب في مؤشر الفساد من الرتبة 80 سنة 2011 إلى المرتبة 90 في آخر تقرير حديث لمنظمة الشفافية الدولية (ترانسبرانسي)، كما استمر تخلف المغرب في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية، والذي يقيس مؤشر التعليم والصحة والدخل الفردي والمساواة في القانون، إذ احتل الرتبة 123 في التقرير الأممي الصادر لهذا العام، متأخرا بذلك عن بلدان تشهد حروبا ضروسا مثل العراق (121) وليبيا (102)، علاوة على ذلك تدهورت حريات الصحافة وصارت المملكة تحتل الرتبة 133 في أحدث تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود".

لكن مع ذلك، استطاع حزب العدالة والتنمية الفوز للولاية الثانية بأغلبية المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية المقامة في نهاية العام الماضي، إلا أن هذه الانتخابات عرفت مقاطعة واسعة في صفوف قطاع واسع من المواطنين الذين فقدوا الأمل في الأحزاب السياسية عامة، فكانت تلك الإشارة الأولى لتداعيات فقدان الثقة في السياسة، قبل أن تظهر جليا مع حراك الريف.

السلطة والحكومة في اختبار حراك الريف

جاء سعد الدين العثماني رئيسًا للحكومة المغربية، بعد "بلوكاج سياسي" دام لأشهر، مكان رفيقه في الحزب عبد الإله بنكيران، الذي أعفاه الملك من مهمة تشكيل الحكومة، وبالموازاة مع ذلك أتت حادثة محسن فكري، بائع السمك الذي طحن بواسطة شاحنة أزبال، لتندلع شرارات الاحتجاجات في مدينة الحسيمة على طريقة البوعزيزي، التي تحولت إلى حراك اجتماعي اقتصادي، يهز البلاد.

الأحزاب السياسية، التي من المفترض منها أن تكون مرآة للتطلعات الشعبية ومكبرا لصوت الشارع، بدت في اختبار حراك الريف هشة وغير مؤثرة

في البداية لم تعر الحكومة اهتمامًا جديًا لمطالب المحتجين، إذ ظنت أن المظاهرات سرعان ما ستخبو مع الوقت، واكتفت أجهزة السلطة بالمراقبة، غير أن الاحتجاجات استمرت لشهور، وهو ما شكل هاجسا مقلقا للدولة، جعلها تتوجه بقوة إلى المقاربة الأمنية من أجل إنهاء هذا الحراك الشعبي سريعا.

وانسجاما مع التوجه الرسمي نحو فض الحراك بالقوة، اتهمت الأغلبية الحكومية المحتجين في الريف علنا بـ"الانفصالية والتخريب وخدمة أجندات أجنبية"، الخطوة التي أججت من نار الاحتجاج ووسعت من رقعته ليشمل مناطق أخرى من المغرب، مما جعل الحكومة تتراجع عن اتهاماتها وتقر بمشروعية مطالب الحراك الاجتماعية، وتعد بتلية المطالب.

ومن ثمّة وعدت باستكمال مجموعة من المشاريع الملكية في الحسيمة، وتوفير فرص للشغل ومستشفى وجامعة بمدينة الحسيمة، إلا أن السلطات الرسمية لم يرق لها استمرار المظاهرات في الشارع، واعتبرته تحديا للدولة، ما جعل الأخيرة تنحو نحو تشديد القبضة الأمنية، وشنت حملة مداهمات واعتقالات واسعة، مست قادة الحراك، كناصر الزفزافي وسليمة الزياني المعروفة بـ"سيليا" ونبيل أحمجيق وآخرين، وامتدت الاعتقالات لتضم صحفيين، كان آخرهم رئيس تحرير موقع "بديل" حميد المهداوي.

اقرأ/ي أيضًا: "الاغتصاب بالقرعة".. شؤم يعود من جديد مع حراك الريف المغربي

لكن اعتقال رموز الحراك ونشطائه، أضاف مطلبا جديدا للائحة مطالب المحتجين في الريف وهو إطلاق سراح المعتقلين، ما أحدث أزمة حقيقية بين الدولة والشارع، جعلت بعض الحقوقيين يسعون إلى الوساطة من أجل عفو ملكي عن المحتجزين المتعلقين بحراك الريف مقابل انسحاب المتظاهرين من الشارع.

الأحزاب السياسية تغيب عن أزمة الريف

كانت الأحزاب السياسية المغربية الغائب الأكبر في دينامية أزمة الريف، فبينما اتهم بعضها صراحة حراك الريف "بالانفصالية وتلقي تمويلات أجنبية"، ارتأت أحزاب إمساك العصا من الوسط ووصفت مطالب المحتجين بالمشروعة لكنها شجبت استمرار خروجهم إلى الشارع، فيما ارتكنت أخرى إلى الصمت غير مبالية بما يجري من دينامية شعبية.

كشفت تجربة حراك الريف عجزًا سياسيًا خطيرًا في المغرب، حيث لم تجد الدولة أحزابًا سياسية، سواء في الحكومة أو المعارضة، قادرة على لعب دور الوساطة والتحاور مع المحتجين

هذه الأحزاب السياسية، التي من المفترض منها أن تكون مرآة للتطلعات الشعبية ومكبرا لصوت الشارع، بدت في اختبار حراك الريف هشة وغير مؤثرة، وكأن النخبة السياسية للبلاد في واد والمجتمع في واد آخر دون جسور بين الاثنين، وظهر جليا هزالة مصداقيتها في الشارع، إذ كانت محل تقريع وتحقير مستمر من قبل قادة الحراك الشعبي، كما كان يفعل متزعمه ناصر الزفزافي، الذي كان يصفها في خرجاته بـ"الدكاكين السياسية".

فكشفت بذلك تجربة حراك الريف عجزًا سياسيًا خطيرًا في المغرب، حيث لم تجد الدولة أحزابا سياسية، سواء في الحكومة أو المعارضة، قادرة على لعب دور الوساطة والتحاور مع المحتجين، مما جعل الدولة في مواجهة مباشرة مع الشارع، في ظل غياب نخب سياسية ذات مصداقية لدى الطبقات الشعبية، الوضع الذي زاد من تعقيد أزمة الريف، وأظهر بالملموس أن الأحزاب السياسية في المغرب ليس لها قيمة في وجودها، وباتت مرادفة للوصولية والانتهازية.

وبالتالي صار الشارع يتوجه مباشرة إلى القصر، باعتباره رئيس الدولة والفاعل الوحيد القادر على الاستجابة لمطالبهم، ولهذا ينتظر المحتجون في الريف خطاب عيد العرش هذه الليلة 29 تموز/ يوليو بكثير من العناية، ولا سيما أنه يَرُوج احتمال إصدار الملك محمد السادس عفوا ملكيا عن معتقلي حراك الريف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حراك الريف.. انتهاكات الأمن مستمرة بتعذيب المعتقلين داخل السجون 

اعتقال ناصر زفزافي.. من هو قائد حراك الريف المغربي "المثير للجدل"؟