1. عشوائيات
  2. مجتمع

كيف سيكون مستقبل القطاع الصحي في سوريا بعد رفع العقوبات؟

19 مايو 2025
سوريا
مصدر الصورة: وزارة الصحة السورية
غياث تفنكجيغياث تفنكجي

شهد القطاع الصحي تدهورًا هائلًا بعد اندلاع الثورة السورية، فالعديد من المستشفيات والمرافق الصحية تم تدميرها جزئيًا أو كليًا، وشهدت سوريا نزيفًا في العاملين لدى القطاع الصحي من أطباء وممرضين، فحالهم كحال كل السوريين، كان مصير العديد منهم الموت أو الاعتقال أو اللجوء خارج البلاد.

وزاد معاناة القطاع الصحي سلسلة العقوبات المتراكمة منذ عقود، والمفروضة على سوريا، ومع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا، كيف سينعكس ذلك على القطاع الصحي؟

أزمة في الكوادر

عانى القطاع الصحي بعد سقوط النظام، فالحكومة الجديدة وجدت نفسها أمام خزينة خاوية، وتزامن ذلك مع نقص حاد في الكوادر، والتي كانت قليلة بالأصل، فبحسب الطبيب أحمد مبيض، وهو خبير في تطوير الأنظمة الصحية، فما زال هناك مشكلة تتعلق بالرواتب الهزيلة، فمتوسط الرواتب للعاملين في القطاع الصحي يتراوح بين 30 و40 دولار، والطبيب صاحب الاختصاص يكاد يصل مرتبه الشهري إلى 50 دولار أميركي فقط، وهو أمر يؤثر سلبًا على القطاع الصحي من خلال المرتبات المتدنية للعاملين به.

ساهمت العقوبات المفروضة على سوريا في تأخير العاملين بالقطاع الصحي عن ركب التطور المعرفي، فكان من الصعب على الأطباء الحصول على أحدث المراجع والمعلومات المتعلقة باختصاصهم

هذا الموضوع تعلّق بشكل رئيسي بالعقوبات التي كانت مفروضة على الحكومة السورية، فبخزينتها الفارغة لم تعد قادرة على دفع المرتبات، ولا يُسمح لها تلقي الدعم من منظمات أو دول لدفع مستحقات العاملين في القطاع الصحي، والآن برفع العقوبات سيكون بإمكان الحكومة تسلم الأموال ومنحها للعاملين بشكل رسمي، بعد أن كانت المنظمات تضطر إلى إرسال المرتبات الشهرية بمسمى مكافآت، وفق ما أفاد الطبيب أحمد مبيض في حديثه لـ"الترا صوت".

 

كذلك كانت التحويلات المالية السابقة تمر عبر الكثير من المراحل قبل أن تصل لمستحقيها، مما يؤدي لخسائر مالية هائلة، ومع رفع العقوبات والعمل بنظام "السويفت"، سيتم تسريع وتيرة تحويل الأموال وتوفير قسم كبير منها كان مهدورًا في السابق، وهذا كله يساهم في تحسين واقع العاملين بالمجال الصحي.

ولم تؤثر العقوبات المفروضة على العاملين في القطاع الصحية من الناحية المالية فقط، بل ساهم ذلك في تأخيرهم عن ركب التطور المعرفي فيما يدور حول اختصاصاتهم، فالأطباء لا يستطيعون الحصول على العديد من المعارف وأحدث المراجع، بسبب عدم قدرتهم الوصول إليها لأن أغلبها بحاجة لدفع الكتروني، ما يجعل الأطباء يعتمدون على بروتوكولات انتهى العمل عليها من زمان

تأثير العقوبات على البنية التحتية الصحية والمعدات الطبية

في التقييم الأولي الذي أجرته وزارة الصحة مع بعض المنظمات الدولية، كانت أغلب المعدات والأجهزة الطبية في سوريا متهالكة، ووفقًا للخبير في الأنظمة الصحية، الطبيب أحمد مبيض، يعود ذلك في أغلب الأحوال إلى سببين: الفساد، والعقوبات المفروضة.

أغلب المعدات والأجهزة الطبية في سوريا متهالكة لسببين أساسيين: العقوبات والفساد

ففي أحد مشافي دمشق الكبرى اكتشف قسم الصيانة بوزارة الصحة جهاز طبقي محوري لا يعمل، لأن تقدير اللجنة الهندسية لإصلاحه قدر بـ555 ألف دولار، بعد ذلك تم إصلاحه بمبلغ يقل عن 5 آلاف دولار، علمًا أن الإصلاح لم يتم بالكامل، إنما تهيئة الجهاز قدر الإمكان من أجل إعادة العمل عليه وطرحه لخدمة المرضى.

الكثير من الأجهزة من الخارج لا يمكن جلبها من الخارج لأن الحكومة لا تملك السيولة، والأمر الأهم من ذلك أن موضوع العقوبات كان يمنع وصول الأجهزة، صحيحٌ أن العقوبات جعلت استثناءات فيما يخص المساعدات الإنسانية، ولكن أغلب الأجهزة المطلوبة كانت تحوي تكنولوجيا عالية، وهي بالعرف الدولي أجهزة متعددة الاستخدامات يمكن الاستفادة من التقنية الخاصة بها لأهداف عسكرية، وفق المنظور الغربي، وتحتاج العديد من الموافقات، منها موافقة وزارة الخزينة الأميركية، وتحتاج لأشهر، وفي الغالب تأتي بالرفض.

وبحسب الطبيب أحمد مبيض فإن هذا الأمر لا يشمل السلع الأميركية، بل كل الأجهزة غربية المنشأ، بما فيها الأجهزة الصينية، فالشركات الصينية كانت تخشى إمداد سوريا بالأجهزة الطبية، وتتحاشى ذلك من أجل تفادي العقوبات، لأن العقوبات تنص على أن أي شركة تحوي أجهزتها مساهمة أميركية تصل إلى 5% في صناعتها، سيكون ممنوعًا أن تصدّر إلى سوريا، وذلك أمرٌ مستحيل حسب قوله، فلا يوجد قطعة تكنولوجية بالعالم لا تحوي مساهمة أميركية، على الأقل على مستوى التصميم والشرائح الالكترونية.

ونوّه الخبير الذي يعمل كمستشار متطوع في وزارة الصحة، أنه بعد الزلزال الذي ضرب شمال سوريا وتركيا، تم فتح باب الاستثناءات لجلب الأجهزة الطبية إلى سوريا، ومع ذلك من كان محظوظًا ونال استثناءات أميركية، لم توافق الشركات على بيعه معدات طبية، بسبب خشيتها على سمعتها أمام الولايات المتحدة فيما يخص "دعم الإرهاب" وتفاديًا لعقوبات متوقعة، وحتى لو وافقت الشركات المصنعة، فثمة إشكال في تحويل الأموال إليها، فعندما يتم تحويل الأموال لها يجب أن يكون هناك مبررًا لذلك في الإيصال البنكي، وعند وجود كلمة "سوريا" في الإيصال يتم وقف عملية التحويل، لذلك كان من شبه المستحيل شراء معدات متطورة للقطاع الصحي في سوريا، أو على الأقل قطع تبديل لها، وكل ذلك سيتغير جذريًا مع رفع العقوبات عن سوريا، وسينعكس ذلك على القطاع الصحي.

كانت سوريا تصدر الأدوية لـ17 دولة، والآن لا يكفي إنتاجها ربع الحاجة المحلية

قد يمر قرار إزالة العقوبات عن سوريا بمراحل عديدة قبل صدوره حيّز التنفيذ، وقد تصل هذه المراحل لأشهر عديدة، بسبب إجراءات قانونية تتعلق بموافقة الكونغرس الأميركي، لكن ومع ذلك، بمجرد إعلان ترامب رفعه العقوبات عن سوريا، بدأت بعض البنوك والشركات الطبية بمراسلة المنظمات ووزارة الصحة بأنها أصبحت قادرة على إتمام عمليات التحويل وتصدير الأجهزة إلى سوريا، دون الحاجة لموافقة من وزارة الخزانة الأميركية، وذلك رغم عدم وصول أي أمر تنفيذي رسمي من الولايات المتحدة.

تأثير رفع العقوبات على قطاع الأدوية

قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، كانت سوريا مكتفية ذاتيًا من ناحية الدواء، بل كانت تصدر أدوية إلى 17 دولة في العالم، وحسب الطبيب أحمد مبيض، سوريا والأردن كانتا تمثلان فرسي رهان في تصدير الأدوية للخارج، والتنافس بينهما على ذلك كان في أوجه، والآن أصبحت الأردن تصدر أدويتها لسبعين دولة، فيما لا تغطي الصناعات الدوائية ربع الاحتياجات المحلية.

لقد تأثّرت معامل الأدوية في سوريا خلال الثورة السورية بشكل كبير، فأصاب كوادرها ومعاملها ما أصاب السوريين وبيوتهم، ومع العقوبات المفروضة، لم يكن ممكنًا استيراد الأجهزة والمواد الخاصة بتصنيع الأدوية من مواد خام وغيره، ومع رفع العقوبات من الممكن أن تعود سوريا إلى الريادة في صناعة الأدوية.

 

واقع صحي متأزّم 

ما زال الواقع الصحي في سوريا متأزمًا للغاية، وحسب ما نقله تقرير في موقع "الترا سوريا" ففي إحصائية سابقة لوزارة الصحة السورية التابعة لحكومة النظام السابق، بلغ عدد المرضى البالغين المصابين بالسرطان في مناطق سيطرة النظام 14 ألف مريض.

ووفقًا لتقديرات مديرية الصحة في إدلب، بلغ عدد مرضى السرطان الموثّقين في شمال غربي سوريا، التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، نحو 6000 مريض، منهم حوالي 3100 في منطقة إدلب وحدها.

مع غياب خطة وطنية موحّدة، يتحول مرضى السرطان إلى "لاجئين صحيين"، يتنقّلون بين الحدود بحثًا عن العلاج في مستشفيات الجوار، خاصة في تركيا والأردن. وبحسب إحصائية غير رسمية صادرة عن فريق "منسقو الاستجابة"، فإن أكثر من 6000 مريض سرطان اضطروا إلى مغادرة مناطقهم لتلقّي العلاج في الخارج خلال العامين الأخيرين فقط.

وبحسب مصادر طبية لموقع "الترا سوريا"، فإن أكثر أنواع السرطان شيوعًا هو سرطان الثدي، ويُعدّ الأكثر انتشارًا بين النساء، حيث ارتفعت نسبة الإصابة به من 21% في عام 2023 إلى 24.37% حتى منتصف 2024. أما سرطان الرئة، فهو الأكثر شيوعًا بين الرجال بنسبة 18.3%، ويليه سرطان البروستات الذي يمثل 9% من إصابات الذكور.

وتعاني المستشفيات من نقص حاد في الأسرّة والمعدات الطبية، وتضطر بعض الحالات للسفر خارج البلاد أو انتظار مواعيد طويلة لتلقّي العلاج. أما كلفة العلاج، فأسعار الجرعات الكيماوية تفوق قدرة معظم المرضى، ما يجعل استمرار العلاج حلمًا بعيد المنال، وهذا إن تكلمنا عن مرضى السرطان فقط، والأمر ذاته ينطبق بشكل كلي أو جزئي على الأمراض الأخرى.

ما هي الأولويات في القطاع الصحي بعد رفع العقوبات عن سوريا؟

بحسب الطبيب أحمد مبيض، فكل التفاصيل المتعلقة بالقطاع الصحي تمثل أولوية، فثمة قصور هائل بالأدوية، وأجهزة طبية متهالكة جدًا، والبنية التحتية الصحية تعيش أوضاعًا كارثية، فثمة العديد من المستشفيات التي تدمرت كليًا أو جزئيًا، في بيئة كانت أصلًا تشكو من نقص عدد المستشفيات والمراكز الصحية. 

إذ لم يكن القطاع الصحي يغطي ربع الاحتياج في سوريا وذلك قبل عام 2011، فما بالك بالوضع الحالي بعد تدمير العديد من المستشفيات جزئيًا أو كليًا.

إن رفع العقوبات عن سوريا يشكل بارقة أمل جديدة للقطاع الصحي الذي عانى من تدهور كبير خلال السنوات الماضية بسبب نقص الموارد الطبية والمالية. وقدرة الحكومة على استيراد المعدات الطبية والأدوية والمواد الخام ستسهم بشكل مباشر في تحسين الخدمات الصحية وتوسيع نطاق الرعاية الصحية المتاحة للسوريين.

لم يكن القطاع الصحي يغطي ربع الاحتياج في سوريا قبل عام 2011، والوضع الحالي أسوأ بعد تدمير العديد من المستشفيات جزئيًا أو كليًا

 بالإضافة إلى ذلك، فإن استعادة النظام المالي عبر نظام التحويلات البنكية الدولية "السويفت" سيساعد في تسريع وتيرة التحويلات المالية وتوفير الأموال اللازمة لدفع مستحقات العاملين في القطاع الصحي، مما يعزز من استقرار الكوادر الطبية.

 ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو إعادة بناء البنية التحتية الصحية المدمرة، وتأهيل المشافي التي تضررت في السنوات السابقة، إضافة إلى زيادة الرواتب لضمان عدم تسرب الكفاءات الطبية إلى الخارج. 

ونجاح الحكومة السورية في استغلال هذه الفرصة سيعتمد على مدى قدرتها على تنظيم القطاع الصحي، وإعادة هيكلة المؤسسات الطبية، والتعاون مع المنظمات الدولية لتوفير الدعم الفني والتقني اللازم لإعادة بناء هذا القطاع الحيوي.

كلمات مفتاحية
الحفريات في المغرب

"طفرة" الحفريات الأثرية في المغرب.. مرحلة جديدة من الوعي الأركيولوجي

يكثّف علماء الآثار والباحثين المغاربة الحفريات الأثرية في مواقع متعددة على مستوى التراب المغربي، في خطوة تعكس حركية أكاديمية نوعية حول التراث المغربي بشقيه المادي واللامادي

اليمن

الأمم المتحدة: اليمن على حافة المجاعة وقطاعه الصحي ينهار

أكّدت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية جويس مسويا أن حوالي 17 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد

استلام المساعدات

بين الجوع والرصاص: الغزيون عالقون في متاهة الإغاثة المسلّحة

فيما يواجه أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة خطر المجاعة والانهيار الكامل للبنية الإنسانية، تحوّل الحصول على المساعدات إلى رحلة محفوفة بالموت والإهانة، تشبه في ملامحها "ألعاب الجوع" كما وصفها مسؤول أممي

كرة القدم
رياضة

متى تصبح مغادرتك لفريقك خيانة؟

تتعقّد الأمور عندما يخرج لاعب محبوب من الجماهير من فريقه بشكلٍ يراه البعض خيانة، دون أن يضعوا في الاعتبار أن بعض اللاعبين يُعاملون هذه الرياضة كعملٍ بدوامٍ كامل

الصين
رياضة

لماذا تفشل قوة عظمى كالصين في لعبة كرة القدم؟

تتداخل أسباب الفشل في كرة القدم الصينية بين تدخل السلطات والنمطية والنفوذ والفساد، بالإضافة إلى الخوف على المستقبل والنطاق التلقيني في التنشئة

المفكر هنري لورنس (شبكات التواصل الاجتماعي)
نشرة ثقافية

هنري لورنس في "التاريخ المفروض": قراءة لكتابة التاريخ تحت سطوة العنف

ينطلق كتاب هنري لورنس من مراجعة نقدية لأسس المعرفة التاريخية والخطابات المعاصرة

تدمير بلدة خزاعة
حقوق وحريات

بلدة خزاعة سويت بالأرض.. أدلة إضافية على ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة في غزة

أجرت منظمة العفو الدولية تحليلًا لمجموعة من صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو الموثوقة التي كشفت بالدليل الصريح أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سوّى بالأرض ما تبقى من بلدة خزاعة جنوب قطاع غزة، وذلك في غضون أسبوعين فقط من شهر أيار/مايو