23-أكتوبر-2018

سعى ابن سلمان حثيثًا لأن يجعل من مؤسسات إعلامية غربية دكاكين لتجميل صورته (Getty)

قد يصنع المالُ النفوذَ، لكن ما يبقيه حيًا بعض الذكاء والكثير من المسؤولية، هذا ما يمكن استنباطه من حفلة فضائح ابن سلمان على خلفية قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

تحدثت تقارير صحفية عن الكيفية التي سعت بها السعودية إلى تحويل شركات إعلامية كبرى إلى دكاكين تبيع صورًا مُجمّلة لمحمد بن سلمان

خصصت عدة صحف ومواقع إلكترونية في الفترة الماضية، مساحاتها التحليلية والإخبارية للحديث عن نقطة ضعف في إمبراطوريات الأعمال التي تمولها السعودية، التي تدار بالحديد والنار، وتحديدًا عن الطريقة التي دفعت بها السعودية لشراء وسائل إعلامية أجنبية، وشركات استشارات كبرى وعلاقات عامة لنشر دعاية إيجابية عنها، أو لاستغلالها بطريقة أو أخرى لتنفيذ مآربها في ملاحقة معارضيها، الذين لا تحب بقاءهم أحياءً أو على الأقل أحرارًا.

اقرأ/ي أيضًا: الذباب الإلكتروني السعودي يغزو تويتر بالشتائم والأكاذيب بعد مقتل خاشقجي

وتحدثت تقارير صحفية عن الكيفية التي سعت بها السعودية إلى تحويل شركات إعلامية كبيرة إلى دكاكين تبيع صورًا مُجمّلة لولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان.

فضيحة ماكنزي على طاولة ابن سلمان

تحت عنوان "فضيحة ماكنزي في المملكة العربية السعودية"، كشف موقع "Slate" أن شركة ماكنزي العملاقة للاستشارات، تورطت في أعمال القمع التي يمارسها النظام السعودي عن طريق تقديم بيانات خاصة لمعارضيه. وبيّنت صحيفة نيويورك تايمز أن شركة الاستشارات الشهيرة، أعدت تقريرًا يحدد مستخدمي تويتر من المعارضين للسياسات السعودية، من بينهم الكاتب خالد الكامي والناشط عمر عبدالعزيز المقيم في كندا، ومعارض آخر مجهول تحت حساب يحمل اسم "أحمد".

ساعدت ماكنزي السلكات السعودية على تحديد الحسابات المعارضة لابن سلمان على تويتر
ساعدت ماكنزي السلطات السعودية على تحديد الحسابات المعارضة لابن سلمان على تويتر

وجدير بالذكر أن هذه ليست الفضيحة الأولى لشركة ماكنزي، وفي هذا الصدد تذكر نيويورك تايمز تفصيليًا في إحدى مقالاتها، كيف تحولت شركة ماكنزي، إلى شريك في عمليات فساد بملايين الدولارات في بلد مثل جنوب أفريقيا يعاني من أسوأ حالات انعدام المساواة في الدخول عالميًا، ومعدلات بطالة بين الشباب تصل إلى 50%.

كانت شركة الكهرباء المملوكة للدولة في جنوب أفريقيا، تعاني من مشكلات على مستوى التشغيل، وتدخلت ماكنزي في أواخر 2015 للاستحواذ على الشركة رغم اعتراضات ما لا يقل عن ثلاثة شركاء ذوي نفوذ. ووقعت بالفعل عقد استحواذ بقيمة وصلت إلى 700 مليون دولار. غير أن ذلك كان أسوأ خطأ ارتبكبته ماكنزي، إذ تبين أن العقد غير قانوني، وأنه يمثل انتهاكًا لقانون التعاقد في جنوب أفريقيا، إذ أرسلت بعض المدفوعات إلى شريك من عائلة ذات أصول هندية، وقُدم هو باعتباره كبش فداء القضية، وقيل إنه تعاون مع الرئيس السابق للبلاد جاكوب زوما، للسيطرة على الشركات المملوكة للدولة لتحقيق مكاسب شخصية، في قضية أثارت غضبًا واسعًا في البلاد.

بالعودة إلى الفضيحة السعودية، أجرى موقع "Slate" لقاءً مع مؤلف كتاب "الشركة: حكاية ماكنزي" دوف ماكدونالد، الذي يتناول فيه التأثير السري لماكنزي على الأعمال الأمريكية. ماكدونالد قال في معرض تعليقه على بيان لماكنزي أعربت فيه عن "قلقها" من التقارير التي تتحدثت عن تحديد أسماء المعارضين السعوديين على توتير؛ إنه تقع على عاتق ماكنزي مسؤولية أخلاقية ومهنية خاصة بتسليم بيانات لمستخدمي تويتر إلى الجهات السعودية، موضحًا أن تحليل البيانات على مواقع التواصل الاجتماعي ليس أمرًا جديدًا على ماكينزي أو غيرها، لكن السؤال هو: "من سيستخدم هذه البيانات ولماذا؟"، هنا تكمن المسؤولية في رأي دوف ماكدونالد. 

يقول ماكدونالد: "تناولت في كتابي عن ماكنزي كيف أنهم يمثلون القوة والنفوذ دون مسؤولية، فدائمًا ما يكون ردهم في مثل هذه المواقف: (ليس لنا أي علاقة بهذا. لقد قدمنا لهم بعض المعلومات والأفكار فقط)!".  

يؤكد ماكدونالد أن شركة ماكنزي تجري وراء الربح فقط دون أي اعتبار للمسؤولية الأخلاقية، قائلًا: "بالنسبة للسعودية فإن إحدى التحركات الأولى التي قام بها ابن سلمان بعد توطيد السلطة كان اختطاف جزء كبير من أثرياء بلاده واحتجازهم إلى أن استغنوا عن أجزاء من ثرواتهم. أي نوع من الأشخاص يفعل ذلك؟ وكيف تتعامل مع مثله، وتنكر مسؤوليتك حينئذ؟"، مضيفًا: "بالتأكيد يجب أن يضعوا في اعتبارهم (ماكنزي) أنهم لم يجمعوا قائمة من النقاد لابن سلمان كي يتفرج عليها، أليس كذلك؟!".

"VICE".. وجزء من الكعكة السعودية

مزيد من التجميل، هذا ما تريده السعودية وتسعى لتحقيقه عبر وسائل الإنتاج الإعلامي العالمية. وها هي وقف خلف مؤسسة "VICE"، إذ تقول صحيفة الغارديان إن "VICE" عملت ضمن أذرع القوة الناعمة لابن سلمان، لإنتاج مواد دعائية للسعودية. ووفقًا لمصادر داخلية في "VICE" نفسها تواصلت معها الغارديان، قامت الشركة الإعلامية التي تتخذ من بروكلين مقرًا، لها بتشكيل فريق لتقديم محتوى مؤيد للسعودية، بالتعاون مع المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق (SRMG)، وهذه الأخيرة مؤسسة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعائلة المالكة، أو كما وصفتها الغارديان بأنها "بوق للنظام".

عملت "VICE" ضمن أذرع القوة الناعمة لابن سلمان لإنتاج مواد دعائية للسعودية
عملت "VICE" ضمن أذرع القوة الناعمة لابن سلمان لإنتاج مواد دعائية للسعودية

ويمثل مجلس إدارة "SRMG" باب خلفي للأمراء السعوديين، على حد تعبير الصحيفة، كما تمتلك "SRMG" العديد من الصحف السعودية الرئيسية التي تعمل كأجهزة حكومية غير رسمية، بما في ذلك صحيفة الشرق الأوسط، وكذلك عرب نيوز.

وفي وقت سابق، كان ابن سلمان قد التقى شخصيًا مع مالك "VICE"، الملياردير شين سميث في أوائل عام 2018، في إطار مساع للتقرب من شخصيات ذات تأثير في المجتمع الأمريكي مثل أوبرا وينفري وبيل كلينتون وهنري كيسنجر وبيل غيتس وغيلون ماسك وتوماس فريدمان وغيرهم.

وجدير بالذكر أن لـ"VICE" تاريخ من العمل على إنتاج مواد إعلامية لصالح جهات ومؤسسات محسوبة على اليمينيين في الولايات المتحدة، كإنتاج فيلم وثائقي لصالح مجلس العلاقات الخارجية (CFR). كما أن أحد المساهمين السابقين في "VICE"، وهو جافين ماكلين، هو الآن أحد الزعماء الأساسيين لمجموعة ماكلين المروجة لكراهية اليسار الأمريكي، والداعمة لتبني إدارة دونالد ترامب لسياسات أكثر تطرفًا.

ثمة كثير من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية، خاصة اليمينية المتطرفة، التي دفعت لها السعودية لتجميل سياسات ابن سلمان باعتبارها "إصلاحات جريئة"

وبخلاف ماكنزي و"VICE" ثمة الكثير من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية ومؤسسات العلاقات العامة، التي دفعت لها السعودية لاستخدامها في الترويج لسياسات ابن سلمان باعتبارها "إصلاحات جريئة"، متغاضية عن حالة القمع غير المسبوق التي تعرفها السعودية تحت حكم ابن سلمان، والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إدارة ابن سلمان في الداخل والخارج كما الحال في حرب اليمن، وأخيرًا مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"فوغ أرابيا".. غلاف قمع ابن سلمان

لوبي ابن سلمان في الإعلام الغربي.. "تطبيل" للكوارث