06-ديسمبر-2020

مستقبل غامض للعلاقات الصينية الأمريكية (رويترز)

في الوقت الذي توقعت عديد التقارير الغربية عدم وجود رغبة لدى الحكومة الإيرانية للرد على السياسات العدائية للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب اتجاهها، بانتظار وصول الرئيس المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير الماضي، بعدما شدد في أكثر من مناسبة على عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى، فإن التقارير التي تتحدث عن مستقبل العلاقات الأمريكية – الصينية في ظل الإدارة الديمقراطية القادمة، أظهرت توقعات متأرجحة لمستقبل العلاقات بين البلدين، في محاولة لكبح النفوذ الصيني المتزايد عالميًا في مختلف المجالات الحقوقية والسياسية والاقتصادية.

 التقارير التي تتحدث عن مستقبل العلاقات الأمريكية – الصينية في ظل الإدارة الديمقراطية القادمة، أظهرت توقعات متأرجحة لمستقبل العلاقات بين البلدين

التكنولوجيا الصينية تهدد النفوذ الأمريكي عالميًا

بينما ينتظر السياسيون الأمريكيون والحلفاء التقليديون للولايات المتحدة استلام إدارة بايدن مهامها رسميًا في البيت الأبيض لمعرفة الآلية التي يمكن أن تنتهجها للحد من نفوذ الدولة الشيوعية عالميًا، تتسارع التقارير التي تتحدث عن مستقبل العلاقة، فيما يتهم مسؤولون أمريكيون بكين بأنها أكبر خطر على الديمقراطية الأمريكية، وأنها تسعى إلى توسيع نفوذها عبر سرقة التكنولوجيا الغربية.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا وراء انفتاح الصين على رؤوس الأموال الغربية؟

فقد نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن مقال رأي لمدير الاستخبارات القومية الأمريكية جون راتكليف نشر في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أنه في إطار محاولات بكين للتفوق على واشنطن والدول الكبرى اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، فإنها شرعت بإجراء اختبارات بيولوجية على أفراد من الجيش الصيني تهدف لـ"تطوير قدرات بيولوجية خارقة"، لافتًا إلى أن العالم أصبح أمام خيار "بين أيديولوجيتين غير متوافقتين"، وواصفًا الصين بأنها "أكبر تهديد" للولايات المتحدة في الوقت الراهن.

وجاء تقرير المسؤول الأمريكي بالتزامن مع تقرير لشبكة CNN الأمريكية تحدث عن اتجاه الصين لإنشاء "نظام متطور لتعديل الطقس" خلال السنوات الخمس القادمة، وأوضح التقرير أن النظام المتطور الذي يعمل على تطويره الخبراء الصينيون مخصص لأن تغطي الأمطار الاصطناعية أو الثلوج المتساقطة مساحة تصل لـ5.5 مليون كم، فضلًا عن تغطية مساحة تزيد على 580 ألف كم بتقنية تكنولوجية تمنع تساقط البَرَد، وقال مجلس الدولة الصيني إن الهدف من البرنامج المساعدة  في الإغاثة من الكوارث، والإنتاج الزراعي، والاستجابة للطوارئ لحرائق الغابات، والتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة بشكل غير عادي أو التعامل مع الجفاف.

For Biden, tough China trade and tech questions may have to wait | China  News | Al Jazeera
الرئيس الصيني مع الرئيس الأمريكي المنتخب (رويترز)

ويبدو واضحًا من التقريرين السابقين أن بكين تحاول استثمار المشهد السياسي المتقلب على المستوى العالمي في ظل الانقسام السياسي الذي تشهده الولايات المتحدة بعد نتائج الانتخابات الرئاسية التي أفضت لفوز بايدن بهامش بسيط، ويدخل في صلبها إعلان وكالة الفضاء الوطنية الصينية وصول المسبار شانغي 5 إلى سطح القمر، في مهمة تستغرق يومين الهدف منها جمع عينات من التراب والصخور

إدارة ترامب تفرض المزيد من العقوبات على الصين

وكان واضحًا خلال الأسابيع الماضية التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية، أن إدارة ترامب دفعت بفرض المزيد من العقوبات على الشركات والمسؤولين الصينيين، حيثُ يسود اعتقاد لدى الجمهوريين بأن فيروس كورونا الجديد الذي ظهر لأول مرة في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول/ديسمبر الماضي، كان سببًا أساسيًا في عدم تمكن ترامب من الفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض، بعدما تلاعبت الصين بإحصائيات الأشخاص المصابين بالفيروس على أراضيها.

وخلال الأسبوع الماضي عملت إدارة ترامب على فرض المزيد من العقوبات على الشركات والمسؤولين الصينيين، وهو ما تمثل بإعلان وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، الجمعة، إنهاء الولايات المتحدة لخمسة برامج للتبادل الثقافي مع الحكومة الصينية، لافتًا إلى أن البرامج التي أُنهي العمل بها تعمل الحكومة الصينية على إدارتها وتمويلها لتكون "أدوات دعاية للقوة الناعمة"، فضلًا عن فرض واشنطن قيودًا على سفر مجموعة من المسؤولين الصينيين تتهمهم إدارة ترامب بوقوفهم وراء حملات القمع التي طالت المعارضين.

وألحقت إدارة ترامب قراراتها الأخيرة بإدراج أربع شركات صينية على قائمة العقوبات الأمريكية، وأرجعت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) سبب إدراج شركات تكنولوجيا البناء الصينية المحدودة، الصين الدولية للاستشارات الهندسية، الوطنية الصينية للنفط البحري، والمؤسسة الدولية لتصنيع الشرائح الإلكترونية إلى أن جميعها مملوكة للجيش الصيني أو أنها تعمل لصالحه، وأشار البنتاغون إلى أن الخطوة تأتي في إطار سعيه المتواصل لتسليط الضوء على استراتيجية تطوير الاندماج العسكري–المدني للصين، وحدد البنتاغون موعدًا أقصاه 14 كانون الثاني/يناير القادم لإنهاء التعاملات مع الشركات الصينية.

آثار اتفاق ترامب التجاري مع الصين على الاقتصاد الأمريكي

برز بشكل واضح خلال العام الماضي حجم الخلاف بين إدارة ترامب وإدارة الرئيس الصيني شي جين بينغ على بنود الاتفاق التجاري بين البلدين، قبل أن يتوصلا في نهاية المطاف للتوقيع  على المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري في كانون الثاني/يناير الماضي، لكن العلاقات عادت للتأزم مجددًا مع ظهور فيروس كورونا لأول مرة في الصين، وهو ما دفع ترامب للإعلان عن عدم رغبته بالمضي قدمًا للتوقيع على المرحلة الثانية من الاتفاق في تموز/يوليو الماضي، ردًا على فرض بكين قانون الأمن القومي الذي يحد من الحريات المدنية والسياسية في هونغ كونغ.

يشير الكاتب زكاري كارابيل في تقرير نشر في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إلى أنه على مدار السنوات الماضية تحمّل المستهلكون الأمريكيون دفع الرسوم الجمركية التي فرضت على البضائع الصينية المستوردة للأسواق الأمريكية، فقد فرضت إدارة ترامب خلال العام الماضي رسومًا جمركية تتراوح ما بين 10 إلى 25 بالمئة على البضائع الصينية الواردة للولايات المتحدة بموجب المادة رقم 301 من قانون التجارة الأمريكية.

ويضيف كارابيل موضحًا بأن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على البضائع الصينية لم تكن كافية لدفع الصين إلى تغيير مسارها بشأن التعاملات التجارية مع الولايات المتحدة، لافتًا إلى أن الصادرات الأمريكية إلى الصين تراجعت بما يقل عن تسعة مليارات دولار في مقابل وصول البضائع الصينية الواردة إلى الولايات المتحدة إلى مبلغ 539 مليار دولار خلال العام 2018.

ومع دخول الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع الصينية حيز التنفيذ خلال العام الماضي، انخفض حجم الواردات الصينية إلى 451 مليار دولار، في حين سجلت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين أكثر من 13 مليار دولار، مضيفًا أن الفئات الأكثر تضررًا من الرسوم الجمركية بشكل مباشر كانت الشركات إلى جانب المزارعين الأمريكيين.

Biden's China Policy? A Balancing Act for a Toxic Relationship - The New  York Times
الرئيس الصيني قبيل لقاء مع دونالد ترامب في عام 2019 (نيويورك تايمز)

وفيما يتوقع المحللون أن تحد العلاقات الاقتصادية – التي وصلت بين البلدين إلى أدنى مستوياتها منذ عقود – من هامش المناورة خلال المفاوضات التي يمكن أن تدخلها إدارة بايدن مع الحكومة الصينية، فإن بايدن أشار خلال تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى عدم "اتخاذه أي خطوات فورية" اتجاه الصين، بما في ذلك فرض المزيد من الرسوم الجمركية على واردات البضائع الصينية.

وكانت الصين قد وقعت اتفاقية تأسيس منطقة التجارة الحرة مع 14 دولة آسيوية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، مما يمنحها نفوذًا أكبر في منطقة جنوب شرقي آسيا على حساب النفوذ الأمريكي، وبحسب معهد بروكغنز للدراسات الاستراتيجية فإن الاتفاقية التي لم تنضم إليها إدارة ترامب "ستحاصر النفوذ الجيوسياسي والتجاري والاقتصادي الأمريكي في آسيا"، وسط توقعات بأن تجبر واشنطن "على إعادة النظر في استراتيجية التعامل مع حلفائها في جنوب شرقي آسيا في المستقبل".

ووفقًا لما نقل موقع صحيفة العربي الجديد الإلكترونية على لسان محللين فإن الاتفاقية قد تفرض واقعًا جديدًا في المسار التجاري والاقتصادي العالمي، من خلال دعمها لحرية التجارة والعولمة والاتفاقات التجارية المقرة من قبل منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي قد يفرض على الإدارة الأمريكية التعاون التجاري والاستثماري مع حلفائها في العالم بدلًا من صراعات الرسوم والشكاوى التجارية.

توقعات متأرجحة لمستقبل علاقات مأزوم

على عكس التقارير التي أشادت بفوز بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية، بالنظر لاعبتاره امتدادًا لسياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما خارجيًا، بعدما شغل منصب نائب الرئيس ما بين عامي 2009 – 2017، فإن النشطاء المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ وفيتنام وميانمار أبدوا تحفظهم من إمكانية سيطرة إدارة بايدن على النفوذ الصيني المتنامي في جنوب شرق آسيا.

فقد أشار تقرير من إعداد هانا بيتش نشر في صحيفة نيويورك تايمز نهاية الشهر الماضي، إلى أن غالبية النشطاء المؤيدين للديمقراطية في جنوب شرق آسيا أعربوا عن مخاوفهم بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الأمريكية، وظهرت مخاوفهم من خلال إعلان بايدن التزام إدارته في السياسة الخارجية وفقًا للمعايير الدولية، حيثُ ينظرون إلى بايدن على أنه امتداد لسياسة أوباما الخارجية، التي سعى خلالها للتكيف مع المتغيرات الدولية بدلًا من الذهاب للمواجهة المباشرة مع الصين.

وتوضح بيتش في تقريرها أن المعلومات المضللة التي نشرت عبر المواقع الإلكترونية كانت السبب وراء تعزيز هذه النظرية لدى النشطاء الديمقراطيين، فقد شكك الناشط الصيني وانغ دان بإمكانية نجاح إدارة بايدن بالدفع بالحزب الشيوعي الحاكم في الصين للالتزام بالقواعد الدولية، ويضيف دان الذي شارك في ميدان تيانانمن في العاصمة بكين في عام 1989، مشددًا على وجوب إدارك إدارة بايدن عدم وجود توجه لدى الحكومة الصينية للحد من انتهاكات حقوق الإنسان على أراضيها.

في حين أشار تقرير منفصل من إعداد أنا سوانسون نشر في الصحيفة عينها إلى أن إدارة بايدن تحاول أن تستخدم سياسة متأرجحة في علاقتها مع الصين، من خلال التعاون معها في قضايا الاحتباس الحراري والأزمة الوبائية من جهة، والتنافس معها على القيادة التكنولوجية، فضلًا عن مواجهتها في سياق سياسة التوسع العسكرية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وقضية التبادل التجاري غير العادلة من جهة أخرى.

وترى سوانسون أنه في حال أراد بايدن الابتعاد عن السياسة العقابية التي انتهجها ترامب في صراعه مع الصين، فإن إدارته ستدفع باتجاه الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة على الصين، إضافة لمواجهة إدارة بايدن المزيد من الضغوط من المشرعين لدى الديمقراطيين والجمهوريين الذين ينظرون للصين على أنها تهديد للأمن القومي، وذلك من خلال ضغطهم باتجاه إصدار تشريعات جديدة تعاقب الصين على انتهاكاتها لحقوق الإنسان وعمليات التأثير العالمية والممارسات الاقتصادية.

اقرأ/ي أيضًا: الصين والولايات المتحدة.. المواجهة تطال أجهزة الإعلام

وكان بايدن قد حدد الآلية التي سينتهجها في علاقة بلاده مع الصين، من خلال حصوله على دعم حلفاء واشنطن للضغط على بكين من أجل دفعها لإجراء إصلاحات اقتصادية، كما أنه تعهد بتخصيص المزيد من الموارد لتعزيز قدرة التصنيع الأمريكية والبنية التحتية والتطوير التكنولوجي، في محاولة منه لضمان احتفاظ الولايات المتحدة بتفوقها على الصين.

بايدن قد يتجه للتراجع عن السياسة العقابية التي انتهجتها إدارة ترامب، على الأقل ريثما يتضح النهج الصيني مع إدارته مستقبلًا

ووفقًا لسوانسون فإن بايدن قد يتجه للتراجع عن السياسة العقابية التي انتهجتها إدارة ترامب، على الأقل ريثما يتضح النهج الصيني مع إدارته مستقبلًا، ومن المتوقع أن تساعد التعيينات بين موظفي إدارته من تحديد نهج سياسته الخارجية اتجاه الصين، خصيصًا وأن أقرب مستشاريه يملكون سجلًا معتدلًا في قضية التجارة والعلاقات مع الصين، حيث ينظرون لإمكانية التعاون مع القادة الصينيين في بعض القضايا، على الرغم من تشكيك مستشاريه للأمن القومي بالعلاقة مع الصين.