21-نوفمبر-2015

برج إيفل مضاء بعلم فرنسا بعد هجمات باريس (Getty)

يصعد تأثير اليمين ممثلًا بـ"حزب الجمهوريين" واليمين المتطرف ممثلًا بـ"الجبهة الوطنية" بزعامة "مارين لوبين" بعد كل اعتداء إرهابي تتعرض له فرنسا. رئيس الوزراء مانويل فالس رد على نائب من اليمين اتهم الحكومة بمنحها الجنسيات الفرنسية للجاليات العربية والمسلمة بشكل عشوائي، طالبًا منه عدم الخلط بين التطرّف والجاليات العربية والمسلمة، قائلًا له: "أنا نفسي حصلت على الجنسية قبل عشرين سنة". حيث يتحدر مانويل فالس من أصولٍ إسبانية.

حسب تقارير منظمات مختصة بالجماعات العنفية هناك أكثر من 955 مواطن فرنسي قصدوا سوريا والعراق بقصد الانضمام لهذه الجماعات

أداء الحكومة الفرنسية بمحاولة تجنيب تحميل الجاليات العربية والمسلمة، مسؤولية تصرفات متطرفين يعتنقون الإسلام، كان رائعًا. لكن الحزب الاشتراكي الفرنسي الحاكم، يتحمل اليوم عبئًا أكبر من الصاعقة الإرهابية التي ضربت باريس، أول العام، مستهدفةً صحيفة "شارلي إيبدو الساخرة" ومتجرًا يهوديًا. الاعتداءات الإرهابية الأخيرة استهدفت الضاحية الشمالية وأحياء شرقي باريس. أمكنة أنشطة رياضية وسهر، الإرهاب أصبح حربًا يستهدف فرنسا. وأداء الحكومة وأجهزة الأمن أصبح عرضة لانتقادات اليمين واليمين المتطرف والرأي العام، والتعاطف الشعبي مع الجاليات العربية والمسلمة هذه المرة لم يكن بنفس الزخم الذي حدث إثر اعتداءات "شارلي إيبدو".

يحاول الحزب الاشتراكي الحاكم وحكومته، التمييز بين الإرهابيين وبين الجاليات العربية والمسلمة، الذين يشكلون طبقة وسطى استماتت للحصول على جنسياتها، طمعًا في الحصول على حياة كريمة، حرموا منها في بلدانهم الأصلية، وغالبيتهم لا يتقنون العربية ويتكلمون الفرنسية بطلاقة أبناء فرنسا الأصليين. الاعتداءات الإرهابية الأخيرة تفسح المجال لصعود حزب "الجمهوريين" بزعامة نيكولا ساركوزي، و"الجبهة الوطنية" بزعامة مارين لوبين، وتحديدًا في توقيت اقتراب موعد انتخابات الأقاليم والتحضير للانتخابات الرئاسية القادمة.

تبدو الجاليات العربية والمسلمة وكأنها لن تنجو هذه المرة من خطاب العنصرية والكراهية، فالخلط بين المجرمين والمهاجرين من الجاليات العربية والمسلمة، هو برنامج اليمين السياسي الوحيد، والحديث عن الضواحي بوصفها مكانًا لتفريخ الإرهاب والتطرف، عاد للسطح بضراوة أكبر عن السابق.

حسب تقارير منظمات مختصة بالجماعات العنفية هناك أكثر من تسعمائة وخمسة وخمسين مواطنًا فرنسيًا قصدوا سوريا والعراق بقصد الانضمام لهذه الجماعات، غالبيتهم من سكان الضواحي الذين لم تتوافر لهم فرص متكافئة للعيش الاقتصادي وتلقي التعليم، حيث يتم الرفض لكثير من المتقدمين لشغل وظائف بسبب أسمائهم الدينية مثل محمد، وهذا لا ينكره الإعلام الفرنسي بل ينتقد سلوكيات بعض الشركات لتقديمها ممارسات عنصرية على حساب الكفاءات والمقدرات العلمية. ولا يستغرب أن مداهمات الشرطة الفرنسية عقب كل عمل إرهابي، تكون في الضواحي. حيث يتمثل خطر حقيقي يتجسد في وجود نسبة ضئيلة اعتادت العنف كفعل ضدي تجاه العنصرية والتهميش.

الضواحي الفرنسية يقطن فيها نسبة غير ضئيلة تشكل طبقة هامشية، لا تجد فرصة لتحقيق حاجاتها ورغباتها التي لا تتوافق مع قدراتها وإمكانياتها، حيث الفشل التنموي والاقتصادي والحقوقي والاجتماعي يجعلهم عرضة لارتكاب جرائم من قبيل السرقة والاتجار بالمخدرات. الأفراد من هذه الطبقة، حينما يدخلون السجون يختلطون مع أناس متشددين قصدوا أفغانستان والعراق وسوريا، ويصبح لديهم قابلية لتحولات قوية في الدين والهوية. لذلك يجري الآن الحديث عن أكثر من ألفين وخمسمائة وظيفة في القضاء والسجون لتحسين أدائها، وتحديدًا يما يخص عزل الجنائيين عن أشخاص يحملون الفكر الجهادي تجنبًا لقيامهم بتجنيد الشباب.

الحديث عن تنمية الضواحي في فرنسا، بدأ عقب حرب العراق، وأجريت تحسينات غير كافية، تمثلت بالسماح بممارسة طقوس إسلامية وافتتاح مساجد وإدخال تحسينات برانية على الضواحي من قبيل المنتزهات. عدم اهتمام رؤساء البلديات في الحكومات الفرنسية المتعاقبة، بهذه الضواحي جعل منها مناطق معزولة، والبعض يصفها بأنها خارج التراب الفرنسي. الحلول الأمنية برصد ميزانية ضخمة كما أوصى القادة الأمنيين لتحسين الرأسمال البشري بزيادة عدد أفراد الشرطة، وتحسين ظرفيتها المادية بالمعدات التكنولوجية، وتوسيع سلطاتها بإجراءات استثنائية، لا تكفي لعلاج ظاهرة "الجهاديين الفرنسيين".

هناك العديد من الوزراء العرب في الحكومات الفرنسية المتعاقبة، لكن أيًا منهم لم يكن من سكان الضواحي ولا يعرف شيئًا عن مشاكلها

المطلوب توفير فرص عمل في خطط الحكومة تشمل الضواحي أكثر من المدن، حيث تصل نسبة البطالة في الضواحي الفرنسية، لما يقارب الثلاثين في المائة، وهذه النسبة تنخفض في مراكز المدن لما يقارب العشرة في المائة‏، وفرصة المائة ألف وظيفة المقررة بخطة الحكومة للعام القادم، يجب أن تراعي هذه المسألة الاجتماعية. وعدم فسح مجال للتجاذبات السياسية لتكون الجاليات العربية والمسلمة ضحايا خطاب كراهية وعنصرية من أجل مكاسب انتخابية.

وتحديدًا في الآونة الأخيرة تعاني فرنسا من فشل مدوي في عمليات الدمج، نتيجةً للأزمة الاقتصادية، تتفاقم معها المشاكل الاجتماعية، فتترك لمراكز المساعدة الاجتماعية عملية إدارة اندماج الأجانب في الضواحي، وغالبًا ما يكون التواصل إلكترونيًا مع الجهات الأعلى، ما يسبب فقدان سيطرة على بعض سلوكيات الموظفين الناتجة عن عقائد أو أي أيديولوجية تتسم بالعنصرية، يدفع ثمنها الأجانب.

هناك العديد من الوزراء العرب في الحكومات الفرنسية المتعاقبة، لكن أيًا منهم لم يكن من سكان هذه الضواحي ولا يعرف شيئًا عن مشاكلها، والمسلمون العرب في فرنسا لم ينجحوا في إيصال نائب واحد للبرلمان يمثلهم، أو حرموا من هذا الحق، وغالبًا ما يظلون في تجاذبات اليسار واليمين ووسط اليمين. وهذا لا يعفي الطبقة الوسطى من الجاليات العربية والمسلمة من فشلها في لعب دور إيجابي حيال قضية الضواحي، يساهم بالتخفيف من نسبة البطالة والشعور بانعدام تكافؤ الفرص الاقتصادية والتعليمية، وقدرتها على تمثيل نفسها سياسيًا، مكتفية بتمثيل ديني يقتصر على المجالس الإسلامية وأئمة المساجد في بلد تشكل فيه الجاليات العربية والمسلمة ما يزيد على ستة ملايين نسمة بنسبة مئوية تشكل عشرة في المائة ‏من النسيج الاجتماعي الفرنسي.

غالبًا ستشهد انتخابات الأقاليم تراجعًا للحزب الاشتراكي الفرنسي، وصعودًا للجمهوريين والجبهة الوطنية، وهذا التقدم سيعكس ملامح نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة. وستخسر الجاليات العربية والمسلمة مناخ السياسات الانفتاحية على الأجانب في عصر الحزب الاشتراكي. وإذا ما استمرت سياسات حمقاء تنشر خطاب كراهية وعنصرية من قبل نيكولا ساركوزي ومارين لوبين ستكون هناك فرصة لاحتمال نشوب حرب أهلية مصغرة، تتجاوز أعمال الشغب التي شهدتها الضواحي بين الحين والحين الآخر منذ ستينيات القرن المنصرم. لذلك يعول كثيرًا على التعقل والتحضر والرقي لدى الرأي العام الفرنسي لتجاوز هذه الفاجعة المدوية.

اقرأ/ي أيضًا:

مجلة ساركوزي المفضلة تتغزل بالقاتل

عن الهجمات الأكثر دموية في تاريخ فرنسا