12-أكتوبر-2019

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (Getty)

أشعل حصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (43) عامًا على جائزة نوبل للسلام هذا العام حالة فريدة من الاهتمام والحفاوة في القارة الإفريقية التي ينتمي إليها، إذ إنه منذ صعوده إلى سُدة السلطة في آذار/مارس 2018،  بدا الرجل ينتزع الإعجاب يومًا بعد يوم، حيث ركز جهوده، في بناء شخصية القائد الإفريقي الفذ المعني بالسلام وإطفاء نيران الحرب، خاصة مع دول الجوار الإثيوبي.

أشعل حصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (43) عامًا على جائزة نوبل للسلام هذا العام حالة فريدة من الاهتمام والحفاوة في القارة الإفريقية

ويوم الجمعة 11 تشرين الأول/أكتوبر 2019 أعلنت لجنة نوبل النرويجية حصول آبي أحمد على الجائزة العالمية الرفيعة، بقيمة 900 ألف دولار، وذلك تقديرًا لجهوده الرامية إلى تحقيق السلام والتعاون الدولي، ومبادرته لحل النزاع الحدودي مع إريتريا.

اقرأ/ي أيضًا: إثيوبيا.. وجهة مترددة بين الازدهار والانقلابات

الناجي من الموت والانقلابات

لم يكن صعود آبي أحمد أمرًا هينًا في دولة معقدة التركيب وبكثافة سكانية عالية، حيث إنه ينتمي إلى إثنية ذات أغلبية مسلمة، وقد تأخر إعلانه كثيرًا بعد استقالة ديسالين في شباط/فبراير من العام الماضي، نتيجة لاضطرابات غير مسبوقة اجتاحت البلاد لدرجة إعلان حالة الطوائ وقتها، وقد سار على منطق العصر، باتخاذ نهج الإصلاح السياسي، واجتراح المبادرات الجريئة، دون أن يتنكب طريق أسلافه من حكام إثيوبيا، الذين أداروا البلاد بقبضة شمولية، وحروب طويلة مع الجوار، وهو الأمر الذي تسبب في ارتفاع شعبيته بالخارج أكثر، وفي الوقت نفسه أيقظ خصومه بالداخل، إلى درجة إلقاء قنبلة عليه أثناء مشاركته في مخاطبة جماهيرية، ومن ثم إجهاض محاولة انقلابية عسكرية فاشلة عليه، منتصف هذا العام، وكان قُتل على إثرها رئيس أركان الجيش الإثيوبي الجنرال سيرى مكونن.

أسباب حصوله على نوبل

بخصوص إنهاء النزاع الإثيوبي الإرتري على الحدود قالت لجنة نوبل النرويجية في استشهادها: "منح رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد علي جائزة نوبل للسلام لهذا العام لجهوده في تحقيق السلام والتعاون الدولي، وخاصة لمبادرته الحاسمة لحل النزاع الحدودي مع إريتريا المجاورة". كما أثنت اللجنة على "الإصلاحات المهمة" التي أطلقها من وصفته بالزعيم الإثيوبي.

وفي أول ردة فعل على إعلان الجائزة قال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي: "هذا النصر والاعتراف بالفوز الجماعي لجميع الإثيوبيين، ودعوة لتعزيز عزمنا على جعل ثيوبيا - الأفق الجديد للأمل - أمة مزدهرة للجميع". وغرد آبي أحمد على صفحته بتويتر قائلًا "أشعر بالتواضع لقرار لجنة نوبل النرويجية. خالص امتناني لجميع الملتزمين بالعمل من أجل السلام. هذه الجائزة هي لإثيوبيا والقارة الإفريقية. سنزدهر بسلام".

سياسي بخلفية عسكرية

خدم آبي أحمد ضمن قوات الجيش الإثيوبية، وترقى إلى أن أصبح جنرالًا في المخابرات العامة، وشارك في مهام قتالية خارجية، وخاض تجربة العمل السياسي من داخل البرلمان، قبل أن يصبح وزيرًا للعلوم والتكنولوجيا بالحكومة الفيدرالية في العام 2016، ومن ثم اختاره ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية رئيسًا للائتلاف، وبعد ذلك أصبح رئيسًا للوزراء بحكم ذلك الاختيار الاستثنائي.

ورغم أنه يعتبر سياسيًا بخلفية عسكرية، إلا أنه عاد ليقود عملية السلام مع دول الجوار، مثل النزاع مع دولة جنوب السودان الوليدة، التي ظل رئيسها سلفاكير ميارديت متهمًا بدعم المعارضة الإثيوبية، إلى جانب الوساطة التي قام بها آبي في السودان عن طريق دفع المجلس العكسري وقوى الحرية والتغيير للتوقيع على الوثيقة الدستورية، كما أنه أيضًا مد يده للفصائل الصومالية في محاولة إنهاء التوتر الناشب بين بلاده والصومال.

رجل المطافئ العنيد

لرئيس الوزراء آبي أحمد علي سابقة في إطفاء نيران الصراع الطائفي في إثيوبيا، فبعد انتخابه عضوًا بالبرلمان الإثيوبي عن دائرته أغارو، بمنطقة جيما في إقليم الأورومو، عام 2010، وخلال فترة خدمته البرلمانية؛ شهدت منطقة جيما بعض المواجهات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، وتحول بعضها إلى عنف دموي، ليسفر عن خسائر في الأرواح والممتلكات، ما اضطر أحمد علي إلى الاستعانة بالمؤسسات ورجال الدين لإخماد الفتنة الناجمة عن تلك الأحداث وتحقيق مصالحة تاريخية في المنطقة، كان هو بطلها، وهو دأبه الذي لم يحد عنه، داخل وخارج إثيوبيا، ما جعله يبدو مثل رجل المطافئ العنيد، بالتواجد الدائم في البؤر الساخنة.

تصفية أزمات الجوار

تركز سياسات آبي أحمد الخارجية بصورة عامة، على تصفية الأزمات مع دول الجوار، حيث أعلن فور توليه مقاليد منصبه عن رغبته في إنهاء الخلاف مع إريتريا، مؤكدًا أن أحد أهم أولوياته هو إنهاء الصراعات الإثيوبية، وتعزيز دور دولته الإقليمي، وهو ما تجسد في الزيارات الخارجية المتعددة التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي داخل القارة وخارجها بهدف تحقيق الاستقرار في إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي.

بعد أسابيع قليلة من توليه السلطة نجح آبي في تجسير الصداقة مع الجارة إرتريا، وسجل زيارة مباغتة إلى أسمرة، بعد 20 عامًا من القطيعة والصراع الدامي، أو ما عرف بـ"حرب بادمي" التي أسفرت عن مقتل ما يُقدر بحوالي 80 ألف شخص تقريبًا، وبالفعل وقّع رئيس وزراء إثيوبيا "آبي أحمد" والرئيس الإريتري "أسياس أفورقي" على "إعلان أسمرة للسلام والصداقة" في تموز/يوليو 2018، وركزت بنود الاتفاقية على الجانب الأمني بشكل خاص، وترسيم الحدود وفتح مجالات التعاون الاقتصادية.

اقرأ/ي أيضًا: إرث النهب الاستعماري.. متحف بريطاني يعير إثيوبيا بعضًا من كنوزها

صاحب المبادرات الجرئية

ويبدو أن آبي أحمد كان من بين المرشحين المفضلين لجائزة هذا العام في الفترة التي سبقت إعلان الجمعة، حيث تسربت أخبار ترشحه منذ أسابيع، وتوالي حظوظه، ضمن الشخصيات السياسية التي بدا يتوسع دورها الإقليمي، من خلال دعم جهود السلام، وظهوره اللافت في كثير من المبادرات الخاصة بتنمية القارة السمراء، كما أنه أيضًا وبمجرد صعوده للحكم أطلق سراح آلاف السجناء، وقدم الدعوة للمعارضين الإثيوبيين للعودة والعمل من الداخل، بضمانات حرية أكبر تمكنهم من العمل السياسي دون قيود، وتعزيز حرية الصحافة والنشر، وإتاحة خدمة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي كانت تعاني من الحظر والرقابة قبل ذلك، وقد تعهد آبي أحمد أكثر من مرة، بقيام انتخابات حرة ونزيهة في العام 2020.

تركز سياسات آبي أحمد الخارجية بصورة عامة، على تصفية الأزمات مع دول الجوار، حيث أعلن فور توليه مقاليد منصبه عن رغبته في إنهاء الخلاف مع إريتريا

كل هذه الجهود السياسية توزايها بالمقابل جهود في مجال التنمية والإعمار، حيث أطلق آبي أحمد أكبر عملية للإصلاح الاقتصادي في إثيوبيا، ويبدو ظاهرًا النهضة العمرانية الهائلة بالعاصمة أديس أبابا، والسماح للاستثمار الخاص بالتوغل في القطاعات الرئيسية المملوكة للدولة، عطفًا على السماح لوسائل الإعلام بنقل الأحداث بحرية أكبر، وتمكين المرأة من نصف مقاعد الحكومة، وهي مبادرات جريئة استعصت على كثير من قادة إثيوبيا في السابق، لكنه أقدم عليها بالفعل، مجسرًا بذلك الطريق نحو جائزة نوبل للسلام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما فرص نجاح أول سياسي شابّ في تجاوز تحديات الرئاسة في إثيوبيا؟

 استقالات القادة والحكام.. رمال متحركة تنذر بالربيع الأفريقي