في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ومناطق أخرى مثل لبنان وسوريا، برزت مؤسسة "هند رجب" كواحدة من أبرز المنظمات التي تسعى إلى توثيق الانتهاكات التي يقوم بها الجنود الإسرائيليون لمحاسبتهم أمام المحاكم الدولية.
هذه المؤسسة، التي تحمل اسم الطفلة هند رجب البالغة من العمر 6 سنوات، وهي إحدى ضحايا عمليات القتل العمد التي ارتكبها جنود الاحتلال، حيث قُتلت هي وكامل أفراد عائلتها في حي تل الهوى بمدينة غزة، أُنشئت تكريمًا لذكراها، وتعكف على جمع الأدلة وتوثيق الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي خلال عملياته العسكرية.
كثير من الجنود الإسرائيليين نشروا صورًا ومقاطع فيديو توثق مشاركتهم في العمليات العسكرية، والتي تضمنت أفعالًا تشكل انتهاكًا للقوانين الدولية
البصمات الرقمية كأداة للمحاسبة
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرًا يوضح كيف جعلت هذه المؤسسة الحقوقية جنود الاحتلال يخشون السفر إلى الخارج خشية الاعتقال. فخلال الحرب المستمرة على غزة، لم يترك الجنود الإسرائيليون آثارًا مادية فقط على الأرض، بل أيضًا بصمات رقمية من خلال منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
كثير من هؤلاء الجنود نشروا صورًا ومقاطع فيديو توثق مشاركتهم في العمليات العسكرية، والتي تضمنت أفعالًا تشكل انتهاكًا للقوانين الدولية. هذه المنشورات أصبحت بمثابة دليل رقمي تستخدمه المنظمات الحقوقية، بما في ذلك مؤسسة "هند رجب"، لمساءلة هؤلاء الجنود أمام المحاكم الدولية.
🎥 جنود جيش الاحتلال يفجّرون بنايات في #غزّة إهداءً لجنديّ قتل في #لبنان. pic.twitter.com/K4yDiblhyh
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 30, 2024
تأسست المؤسسة في بلجيكا في أيلول/سبتمبر الماضي، وسرعان ما اكتسبت زخمًا في توثيق الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين.
حتى الآن، أرسلت المؤسسة أسماء أكثر من ألف جندي إسرائيلي إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مطالبة بملاحقتهم بتهم تتراوح بين جرائم الحرب والإبادة الجماعية
حتى الآن، أرسلت المؤسسة أسماء أكثر من ألف جندي إسرائيلي إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مطالبة بملاحقتهم بتهم تتراوح بين جرائم الحرب والإبادة الجماعية. وتشمل هذه القائمة جنودًا يحملون جنسيات مزدوجة، وهو ما يجعلها واحدة من أكبر القضايا التي يمكن أن تُعرض على المحكمة الجنائية الدولية.
تعقب الجنود الإسرائيليين في الخارج
تشير "هآرتس" إلى أن المؤسسة تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتعقب الجنود الإسرائيليين الذين يسافرون إلى الخارج. عبر متابعة حساباتهم على منصات مثل "فيسبوك" و"إنستغرام"، حيث يتم رصد صورهم التي تُظهر وجودهم في بلدان مثل تايلاند وسريلانكا أو عواصم أوروبية. بعد ذلك، تطلق المؤسسة دعوات علنية لاعتقال هؤلاء الجنود ومحاكمتهم في البلدان التي يتواجدون فيها، ما يضع السلطات الإسرائيلية في مأزق لإعادة هؤلاء الجنود قبل أن يتم توقيفهم.
فقد أدى نشاط المؤسسة إلى أزمات متكررة للجنود، حيث أفاد البعض بتلقي مكالمات عاجلة من القنصليات الإسرائيلية تطالبهم بمغادرة الدول التي يقضون فيها إجازاتهم لتجنب الاعتقال.
تقارير صحافية تتحدث عن عمليات سطو ونهب لأموال وممتلكات الأهالي في مدن قطاع #غزة المختلفة من قبل جنود الاحتلال.
تابع التفاصيل: https://t.co/rIZJoZgjFC pic.twitter.com/ZPh7dGxq2L
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 7, 2024
وهذا ما يضع إسرائيل أمام تحديات متزايدة في التعامل مع هذه القضية، حيث اضطرت لتحذير حوالي 30 جنديًا وضابطًا ممن خدموا في غزة من السفر إلى الخارج خشية الاعتقال. بالإضافة إلى ذلك، أنشأت وزارة الخارجية الإسرائيلية بالتعاون مع خبراء قانونيين وحدة خاصة لتقييم المخاطر وحماية الجنود من المحاكمات الدولية.
ولفتت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن هناك فجوة واضحة بين عدد الجرائم الموثقة في غزة وعدد التحقيقات التي تجريها إسرائيل. ووفقًا لتقارير إعلامية، فإن الجيش الإسرائيلي قدم للمحاكمة 15 جنديًا فقط شاركوا في الحرب على غزة، ومعظم التهم تتعلق بسرقات، دون أن تتم محاكمات تتعلق بقتل مدنيين أو انتهاكات خطيرة أخرى.
وقد تسبب عمل مؤسسة "هند رجب" في إثارة الانقسامات داخل إسرائيل. إذ وجه وزراء في الحكومة الإسرائيلية ومنظمات وأفراد ينتمون إلى اليمين انتقادات لمحاولة محاسبة الجنود الإسرائيليين، حيث يعتبرونها "إضعافًا للروح المعنوية للجيش".
خرج أحد جنود الاحتلال، في مقابلة مع "إذاعة الجيش"، حاول خلالها الحديث عن جندي قتيل في #غزة، كشف خلالها عن قيامه باختطاف طفلة رضيعة ونقلها من قطاع غزة إلى إسرائيل.#SaveGaza #Gaza pic.twitter.com/7qJALOITZ6
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 2, 2024
في بعض الحالات، نظمت جماعات يمينية مظاهرات احتجاجية أمام القواعد العسكرية الإسرائيلية، معارضةً التحقيقات الداخلية التي قد تُجريها السلطات ضد الجنود المتهمين.
التداعيات الدولية
يشير خبراء القانون الدولي إلى أن استمرار إسرائيل في تجاهل التحقيقات الجدية يضعف موقفها أمام المجتمع الدولي. يرى البروفيسور فايوس كوتروليس أن "عدم التزام إسرائيل بالمعايير الدولية يجعل من الصعب على الدول الأخرى الوثوق بتحقيقاتها، مما يدفع بعض الحكومات إلى تبني مواقف أكثر تشددًا تجاه الجنود الإسرائيليين المشتبه بهم".
ويوضح المحامي ديفيد بنيامين، بأن "التحقيقات المحلية الجدية هي أفضل وسيلة للدفاع عن الجنود في المحافل الدولية. إلا أن التدخلات السياسية من اليمين المتطرف في إسرائيل تعرقل هذه الجهود، ما يضعف موقف الدولة أمام المجتمع الدولي"، وفق تعبيره.
ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أفادت "هآرتس" أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق سوى في عدد محدود جدًا من الانتهاكات، ما يعكس غياب الجدية في معالجة هذه القضايا.
نشاط مؤسسة "هند رجب" في ملاحقة جنود الاحتلال يُظهر كيف يمكن أن تتحول البصمات الرقمية إلى أدلة في معركة قانونية دولية. وبينما تسعى إسرائيل لحماية جنودها من الملاحقة، فإن عدم جدية تحقيقاتها الداخلية يزيد من تعقيد القضية ويضعف موقفها أمام المجتمع الدولي
توضح "هآرتس"، أن نشاط مؤسسة "هند رجب" في ملاحقة جنود الاحتلال يُظهر كيف يمكن أن تتحول البصمات الرقمية إلى أدلة في معركة قانونية دولية. وبينما تسعى إسرائيل لحماية جنودها من الملاحقة، فإن عدم جدية تحقيقاتها الداخلية يزيد من تعقيد القضية ويضعف موقفها أمام المجتمع الدولي.
فيما تستمر مؤسسة "هند رجب" في استخدام أدواتها الرقمية والقانونية لمواصلة الضغط، مما يجعل هذه القضية اختبارًا لقدرة النظام الدولي على محاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات بغض النظر عن جنسيتهم.