03-يناير-2016

احتجاج مؤيد لمرسي (Getty)

صدرت في آب/أغسطس 2015، عن معهد بروكينغز، حزمة أوراق بحثية أخذت عنوان "إعادة النظر في الإسلام السياسي"، تضمَّنت قراءات وتحليلات لوضع الإسلاميين في اثنتي عشرة دولة، بالتركيز على ثلاثة محددات رئيسة هي: الربيع العربي، والانقلاب المصري، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية. 

إفساح المجال أمام الإسلاميين المعتدلين للمشاركة السياسية سينتج عنه "إعادة بلورة الإسلاموية بناءً على العملية السياسية"

فيما عدا الدراسة التي كتبها توبي ماثيسن، من جامعة أكسفورد، عن المملكة العربية السعودية (يُذكر أن الترجمة العربية لكتابه "الخليج الطائفي" قد صودرت، ضمن كتب أخرى، في أحد معارض الكتاب التي أقيمت في المملكة، في عام 2014)، "المصادر المحلية للسياسة الخارجية السعودية: الإسلاميون والدولة غداة الانتفاضات العربية"، والتي استطاع أن يبين فيها ازدواجية كلٍ من إسلاميي السعودية وحكامها في إدارة التحالفات السياسية؛ فإن بقية الدراسات، خصوصًا تلك المتعلِّقة بمصر وليبيا وتونس والمغرب، قد تأسست على تصورين.

أولًا، تصور ديمقراطي ليبرالي يرى أن الإسلاموية تنقسم إلى قسمين، "راديكالي" و"معتدل"، أو إسلاموية جيدة وأخرى سيئة، ومن ثمَّ ينبغي دعم الأطراف المعتدلة، أي تلك التي تقبل بالعملية الديمقراطية، على حساب نظيرتها الراديكالية. ثانيًا، تصور استشراقي، وهو الأساس، يرى أن المجتمعات العربية والمسلمة، بما هي مجتمعات تعيش على "ثقافة الوحي" -بحسب الشاعر السوري والمستشرق المحلي أدونيس-، لا يمكن أن تُحكم إلا عن طريق الإسلاموية.

لقد أكدت هذه الدراسات بشكل واضح أن إفشال سُبُل المشاركة السياسية القانونية، كما ظهر في انقلاب تموز/يوليو 2013 في مصر، سيؤدي إلى "الميل إلى العنف كأداة للنشاط" و"سيزيد من جاذبية النماذج البديلة التي تركز على العنف" (ستيفن بروك: العمل الاجتماعي للإخوان المسلمين بعد الانقلاب المصري)، في حين أن إفساح المجال أمام الإسلاميين "المعتدلين" للمشاركة السياسية سينتج عنه "إعادة بلورة الإسلاموية بناءً على العملية السياسية"، بما يجعل من الإسلاميين لاعبين سياسيين أكثر براغماتية و"طولة نَفَس" (مونيكا ماركس: النهضة التونسي: إعادة النظر في الإسلاموية في سياق الدولة الإسلامية في العراق والشام والانقلاب المصري). 

بكلمات أخرى، إن الانقلاب المصري أدى إلى إفشال تجربة الإسلاميين "المعتدلين" في الحكم، وصعود "داعش"، في هكذا ظرف، يقدم الشرعية للإسلاميين "المتطرفين" غير القابلين بالديمقراطية، وهو ما يعني، في نهاية المطاف، أن الشعوب العربية صارت ضحية طرفين غير مؤمنين بالديمقراطية -الأنظمة العربية والإسلاموية الراديكالية- التي نادى بها "الربيع العربي".

لا توجد في هذه المصفوفة قوى أخرى، وهنا يتبدَّى لنا المأخذ الاستشراقي الذي يتأسس عليه هذا الطرح: هذه الشعوب تمسك بزمام أمورها حكومات جائرة، لكن هذه الشعوب نفسها يُحركها "الإسلام"، وبالتالي لا يستطيع التعبير عنها غير الإسلاميين، وإذا قمنا بدعم "المعتدلين" منهم فإننا نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد: الترسيخ للديمقراطية الليبرالية في تلك البلدان، وسحب البساط من تحت أرجل الإسلاميين "المتطرفين". وهو ما يواكب، بحسب جوزيف مَسعد في كتابه الأخير: الإسلام في الليبرالية (2015)، الطرح الليبرالي الغربي بأن الأوروبيين البروتستانت لا تحركهم إلا الحرية، ولذلك لا يستطيع التعبير عنهم غير الليبراليين.

توضح دراسات بروكينغز انصهار الخطابين الليبرالي والاستشراقي في بوتقة واحدة. وكما يشدد مَسعد في كتابه المذكور، "ما من قطيعات إبستيمولوجية، ولا ثورات علمية، ولا تحولات جشطالتية، ولا انتقالات برادغمية، ولا، باختصار، أي شيء مما ميَّزه توماس كون على أنه أزمة في الحقل [المعرفي]"، في الانتقال من الاستشراق الأوروبي إلى دراسات الشرق الأوسط (ص. 38).

اقرأ/ي أيضًا:

إسلام السوق.. إلحاد السوق

نهاية الشيطان الأكبر