20-أغسطس-2018

محافظو اليوم ليسوا محافظين فعلًا (Getty)

يبدو سؤال "ما هي المحافظة؟ أو من هم المحافظون؟" سؤالًا في غاية التعقيد، لأن هناك نزعة هائلة من البراغماتية عند هؤلاء، وغيابًا للأفكار النظرية الواضحة. مع ذلك، فإن هناك مجموعة من المعايير التي يمكن أن تكون أساسًا لتصنيف هؤلاء الناس. حسب هذه المعايير، وكما يوضح هذا المقال المترجم عن مجلة "الإكونوميست"، تعريف سريع لمفهوم "المحافظة السياسية"، ويخلص فيه بعد ذلك إلى أن محافظي اليوم على غرار الأحزاب المحافظة في بريطانيا والإدارة السياسية في الولايات المتحدة، ليسوا محافظين بالضبط، إلى درجة غير قابلة للتصنيف.

 قد يكرس الماركسيون حياتهم لإنتاج تعريفات للماركسية، بينما يفضل المحافظون الاستمرار في أعمال الحكم

كل من يحاول شرح معنى مصطلح "المحافظة" يواجه تناقضًا في الحال. يتجنب معظم المحافظين النظريات الكبرى لصالح الممارسة. قد يكرس الماركسيون حياتهم لإنتاج تعريفات للماركسية، بينما يفضل المحافظون الاستمرار في أعمال الحكم. ومن هذا المنطلق، فإن السياسة المحافظة هي ما يفعله المحافظون. ومع ذلك، فإن مصطلح "المحافظين" ليس بهذه المرونة المطلقة: فهناك مبادئ أساسية توجه المحافظين في ممارسة الحكم.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب الفاضح للحلفاء.. المفيد للأعداء!

يحب المحافظون التمسك بالطرق القديمة لإدارة الأمور، الناتجة من مزيجٍ من العاطفية والبراغماتية. العاطفية لأنهم يحبون شاعرية الماضي، والبراغماتية لأنهم يقلقون من أن المخططات المجردة قد تؤدي إلى كوارث. وصف أوتو فون بسمارك السياسة بأنها "فن الممكن"، وهي عبارة أعاد إحياءها لاحقًا ريتشارد أوستين باتلر، النبيل البريطاني. قال ونستون تشرشل بأسى إنّه كان "يفضّل الماضي على الحاضر والحاضر على المستقبل". وقال الفيلسوف مايكل أوكشوت، إن معنى أن تكون محافظًا "هو تفضيل المألوف على المجهول، وتفضيل المجرَّب على غير المجرَّب، والحقيقة على الغموض، والفعلي على المحتمل، والمُحدد على المطلق، والقريب على البعيد، والكافي على الوفير، والملائم على المثالي، والسرور الآني على النعيم الوهمي".

وهنا يكمن المبدأ الأول: رفض الخطط الحالمة. المبدأ الثاني هو أهمية النخبوية. بعض المحافظين، خاصة في أوروبا، يؤمنون بأهمية الحفاظ على دور للطبقة الحاكمة التقليدية. ويعتقد آخرون أهمية إنشاء أقلية متعلمة - وصفهم صموئيل تايلور كوليردج بأنهم "أهل الفكر" - والتي يمكنها أن تحافظ على منزلة الحضارة في مجتمع ديمقراطي. يؤمن معظم المحافظين بأهمية ترويض الديمقراطية من خلال القيود الدستورية المختلفة، مثل الديمقراطية التمثيلية، ودوائر المراجعة القوية، والمحاكم العليا، ومواثيق الحقوق. المبدأ الثالث هو الاعتقاد في "الانتماء".

 يمكن وصف الليبرالية الحديثة بأنها فلسفة فندق المطار: يعتقد الليبراليون أنه لا ينبغي السماح لأي شيء بالتدخل في تحقيق أقصى قوة للتبادل الحر. أما المحافظة فيمكن القول بأنها فلسفة البيت الريفي المريح، حيث يعتقد المحافظون قبل كل شيء في وجود مكان تشعر بالانتماء إليه. وهم يولون قيمة عالية لأهمية الوطنية، لأن الدولة القومية هي مجموعة من الأشخاص ذوي التفكير المماثل. لديهم عاطفة قوية تجاه الإقطاعيين الريفيين التقليديين، الذين هم من أعمدة المجتمعات المحلية. السبب الأساسي وراء قلق المحافظين بشأن حرية حركة الناس هو أن الحركة الحرة تحول المجتمع إلى سلسلة مترابطة من العقود، وليس "وطنًا" يسكنه أناس لهم تاريخ مشترك.

يشير هذا التعريف للمحافظة إلى أحد أغرب الأشياء في عصرنا: أن العديد من الأشخاص الذين يدعون أنهم محافظين هم على النقيض من ذلك. واصل حزب المحافظين البريطاني - أو الفصيل المسيطر داخله - حلمه بمغادرة الاتحاد الأوروبي على الرغم من أن ذلك يتضمن تجاوز 45 سنة من التاريخ المشترك، وإجراء استفتاء وإدخال البلاد في حالة من الاضطراب. يهيمن على الحزب الجمهوري الأمريكي رجلٌ ليس له صفات متحفظة على الإطلاق: إنه شخص غير مهذب على المستوى الشخصي، يتغذى على التلفزيون والوجبات السريعة، ويمارس السياسة من خلال موقع تويتر، وهو مصمم على هزيمة المؤسسة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف يتحدى الموظفون الفيدراليون إدارة ترامب؟

هل تصمد الديمقراطية أمام شعبوية ترامب؟