20-سبتمبر-2016

يجب على النخبة السوداء أن تفهم أن احترام الإنسان الأفريقي الأسود في أمريكا مرتبط ولا شك بالأفريقي في أفريقيا. (Getty)

المقال التالي ترجمة لمقال شيكوزي أوبويما "لا توجد أمة سوداء ناجحة" في مجلة "فورين بوليسي"، شيكوزي كاتب نيجيري وأستاذ مساعد في جامعة نبراسكا- لينكن للأدب والكتابة الإبداعية وحاصل على جائزة المؤسسة الوطنية لتطوير الملونين وهي مؤسسة ترعى حرية الإبداع والحقوق المدنية للملونين في الولايات المتحدة.

المفكرين من الأفارقة الأمريكان عرفوا أن تاريخ عرقهم لن يتطور بمسيرات لانهائية، سيكون ذلك من خلال إعادة كرامة الإنسان الأسود المسحوقة

شيكوزي في هذا المقال، الذي يجيء بمناسبة تزايد التعامل العنيف من قبل الشرطة الأمريكية للسود، يحاول أن يوجه نقدًا قاسيًا لتاريخ الأمم التي تعاملت مع السود وللسود أنفسهم، فهو يوصمهم جميعًا بالعداء للعرق الأسود ويحملهم جزءًا من مسؤولية المآل الذي وصلت إليه الأمة السوداء في العالم -التي بالمناسبة يتعامل معها ككل واحد يجب أن يكون متكاتفًا ليحقق ذاته- ويرى أن الكل الأسود أو الأمة السوداء الواحدة في العالم يجب أن تفهم أنها مضطهدة ومنهوبة وعليه يجب أن تبدأ في مسيرة توحدها، يجمعها أحيانًا مع الكاريبيين، ويفصلها طوال الوقت عن النخبة السوداء التي يرى أنها تهدم جهود الوحدة والسعي للعدالة بأنانية بحكم موقعها ويشير في هذا الصدد إلى الرئيس أوباما نفسه بصفته واحد منها.

المقال في مجمله يتبنى لغة لوثرية ثورية تحاول أن تجعل القوة الأصل الوحيد للاحترام وهي محقة في بعض مساحاتها ولكن ينقصها رؤية ثلاثية الأبعاد لطبيعة الصراع الأفريقي الذي يدخله أطراف كثيرة داخلية وخارجية مستفيدة وعلاقات معقدة وتوازنات متشابكة لم يحفل بها المقال.

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي سيحدث إذا انسحبت كلينتون من الانتخابات؟

***

بينما يصحو العالم على الموت الطازج بيد ضباط الشرطة في أحد أكبر الأمم في العالم فإننا، نحن أبناء البشرة السوداء، نوضع أمام العالم مرة أخرى ونجذب صميم انتباهه.

تتصاعد بشكل حتمي أسئلة حول الظلم ويتم الاعتراض عليها. وللمرة الثانية تستولي النخبة السوداء المثقفة في أمريكا على العديد من المنصات لبث مظالمها وهي عمومًا حديث عن العنصرية والتمييز على أساس العرق، والكراهية وغيرها الكثير.

لكن أمرًًا واحدا قد تم إغفاله رغم أنه يقع في القلب من الأسباب التي جعلت السود دومًا مرادفًا لتجربة التشهير والعنصرية، وهي ما أجرؤ على قوله، احتقار العالم للعرق الأسود.

العنصرية أمر لا يقتصر على الولايات المتحدة، لا يوجد في العالم -حتى بين أكثر الأمم ليبرالية- أمة تحترم الإنسان الأسود. لقد تعامل التاريخ مع غزو الغرباء المتوحش للأراضي يسكنها السود. استعبد العرب القبائل والأمم وثم استعمروهم وحولوا دياناتهم. ثم جاء الأوروبيون الذين أقنعوا الأفارقة أنهم من عرق أدنى، ثم قاموا بتقسيم القارة في غداء في برلين عام 1884.

انتزعوا عددًا كبيرًا من الناس من أراضيهم، حتى أنهم أحيانا تركوا بلدانًا بأكملها خاوية على عروشها، وأحضروا الباقين ليكونوا تحت إمرتهم.

كان التحول شاملًا حتى أنه لم تعد أمة سوداء إلى أرض الأجداد، إلى لغتها الوطنية أو إلى هويتها. واليوم أصبحنا نسمع كيف أن الصين أو الهند أوأي أمة أخرى تتحدث عن السيطرة على إفريقيا اقتصاديًا.

ولنتأكد أن هذا الهوان سيستمر. لقد تبنت النخبة السوداء والنشطاء على مستوى العالم ثقافة استبداد لغوي ترفض أي جهد لمحاولة انتقاد أو عقلنة أي جهد يدفع في اتجاه تسمية ما يحدث للسود حتى في المجتمعات ذات الأغلبية السوداء – عنصرية أو خطاب كراهية.

لذا فإن الواحد منا بات متأكدًا أن أي اقتراحات يحتاجها عرقنا تسير في سبل الإنصاف سيكون مصيرها التعتيم بأيدي سود مثلنا وليس من أعراق أخرى. وأن أي أحد آخر سيتناول هذا الحديث من قريب أو بعيد سوف يُعتبر ضعيفًا أو فاسدًا أو متاجرًا بالقضية كما يظل الرئيس باراك أوباما يقول.

لذا فإن أحدًا لا يتحدث عن أن الأمم السوداء، والكاريبية أيضًا، توشك على الانهيار.

إن الأفارقة الأمريكان الأوائل المفكرين والمثقفين منهم عرفوا أن تاريخ عرقهم لن يتطور بمسيرات لا نهائية عن العدالة والمساواة، سيكون ذلك من خلال إعادة كرامة الإنسان الأسود المسحوقة.

رجال عظماء مثل، ماركوس جريفي، ودو بوا، ومالكوم إكس عرفوا أن الناس يحترمون فقط الأمم التي تستحق الاحترام.

إن الإنسان الذي يعيش في كشك لا يمكن أن يتوقع أن يتعامل باحترام في قصر. ولقد عرفوا أنه لاستعادة القوة يجب استعادة الكرامة وأن ذلك يتأتى من خلال بناء دولة قوية بمستوى رفعة ورفاهية ملحوظ وأن تقف شامخة كحامية لأمم السوداء كلها.

نيجيريا أكثر الدول كثافة سكانية في العالم، على شفا حفرة من الانهيار، الآليات التي تصنع أمة موجودة، تُركت وحدها لتعمل، فتآكلت.

يجب على النخبة السوداء أن تفهم أن احترام الإنسان الأفريقي الأسود في أمريكا مرتبط ولا شك بالأفريقي في أفريقيا.

اقرأ/ي أيضًا: مشهلاتي الحكومة..برلمان مصر يستهزئ بالدستور

إن ثقافة المحسوبية، والفساد المستوطن، والكثير من السخافات، وفوق كل شيء الأنانية المدمرة قد لعبت جميعها دورًا في الانهيار. ومع الأسف فإن الأمر سيان في معظم الدول الأفريقية، دول مثل زمبابوي، كاميرون وغينيا الاستوائية هي في واقع الأمر ديمقراطيات هزلية محكومة برجال يعيشون في أفلاك مصالحهم الضيقة، المحاطة بدوائرهم الصغيرة.

لذا فإنه ليس مفاجئًا أن السود يغادرون بلادهم التي يغيب عنها الأجواء الصحية والتي تعيث فيها الفوضى والحروب والفساد الديني، والعنف والانهيار الاقتصادي.

يترك السود والكاريبيون أوطانهم ليتسولوا في شوارع اليونان، ويتحولوا إلى مومسات في شوارع الدعارة الحمراء في هولندا، ويتحولون في هذه البلدان إلى أشخاص غير نافعين، غير مرغوب فيهم، يتضورون جوعًا أو مشوهين.

في الشهر الماضي في إيطاليا، قُتل رجل نيجيري كان قد تزوج لتوه فقط لكونه غير مرغوب فيه، وهو أمر بات يحدث كل يوم وكل ما نقوم به ناحيته أو نصرخ "عنصرية" ثم بعض البكائيات وينتهي الأمر.

اليوروبا (وهي مجموعة عرقية تعيش في نيجيريا) يقولون إن الناس يحبون الشخص الذي يشبه طائر الحجل. الحجل طائر مسكين، وهو ضعيف بحكم خلقته، فهو يملك قدرة محدودة على الصيد، الجمع، الحماية أو تغذية نفسه. اليوروبا يؤمنون أن العالم يحب هذه الطيور لأنها تمنح مساحة تجعل الناس تُظهر تعاطفها الحقيقي أو المزيف بينما يحتفظون بمواقعهم كأقوياء وتظل الطيور على أوضاعها كضعيفة وهشة. وهو ما يعني أن الطائر لو اعتمد على تعاطف الناس فإن شأنه سيظل حقيرًا، وهذا يعني أننا كأمة سوداء لو لم نجمع شتات قوتنا سنظل ضعفاء ستظل اعتراضاتنا ومطالباتنا تُقابل بالتعاطف، الذي بدوره لا يجلب الاحترام.

يجب على النخبة السوداء أن يرهفوا السمع للنقد الذاتي وللبحث الحقيقي عن الذات ليجعلوا الألم الأفريقي ذاك يحركهم ليبنوا أمة قوية ويجب أن يفهموا أن احترام الإنسان الأفريقي الأسود في أمريكا مرتبط ولا شك بالأفريقي في أفريقيا.

في فترة الستينيات في نيجيريا استرجع شوكو وزير الخارجية وقتها والصديق المقرب من الرئيس الأمريكي آيزنهاور وليندون جونسون كيف كان المسؤولون الأمريكيون يشعرون بالحرج لأن مسؤولين أفارقة كانوا يعاملون باحترام وتقدير كونهم ممثلي أمم تحظى بالسيادة على أراضيها، لقد شعروا بالحرج لأن الأفارقة الأمريكان لم يكن في استطاعتهم استخدام نفس دورة المياه التي يستخدمها المسؤولون الأفارقة فقط لأنهم سود. لقد كان موقف الأفارقة الأمريكان أقوى حين كانت الأمم الأفريقية وقتها مستقلة وقد بدأت موجة الاستقلال بغانا عام 1957.

واحد من القادة السياسيين الأفارقة في الثمانينيات قال ذات مرة لصحفي بولندي: "أنا قلق بشأن ما إذا كانت المجتمعات الأفريقية ستكون قادرة أن تتولى انتقاد ذاتها" وأنا أضيف أن كرامتنا وحتى وجودنا يعتمد على ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: 

هل بدأت إسرائيل بتحضير بديل للسلطة الفلسطينية؟

ترامب يلحق بكلينتون في استطلاعات الرأي